[ ص: 174 ] تنبيه
لا يخفى على الناظر في هذه الآية الكريمة : أن
nindex.php?page=treesubj&link=26236_28668_30554الله ذم الكفار وعاتبهم بأنهم في وقت الشدائد والأهوال خاصة يخلصون العبادة له وحده ، ولا يصرفون شيئا من حقه لمخلوق ، وفي وقت الأمن والعافية يشركون به غيره في حقوقه الواجبة له وحده ، التي هي عبادته وحده في جميع أنواع العبادة ، ويعلم من ذلك أن بعض جهلة المتسمين باسم الإسلام أسوأ حالا من عبدة الأوثان ، فإنهم إذا دهمتهم الشدائد ، وغشيتهم الأهوال والكروب التجئوا إلى غير الله ممن يعتقدون فيه الصلاح ، في الوقت الذي يخلص فيه الكفار العبادة لله ، مع أن الله جل وعلا أوضح في غير موضع أن
nindex.php?page=treesubj&link=32083_32084إجابة المضطر وإنجاءه من الكرب من حقوقه التي لا يشاركه فيها غيره .
ومن أوضح الأدلة في ذلك قوله تعالى " في سورة النمل " :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59آلله خير أم ما
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء الآيات [ 37 \ 27 ] 59 - 62 ، فتراه جل وعلا في هذه الآيات الكريمات جعل إجابة المضطر إذا دعا وكشف السوء عنه من حقه الخالص الذي لا يشاركه فيه أحد ; كخلقه السموات والأرض ، وإنزاله الماء من السماء ، وإنباته به الشجر ، وجعله الأرض قرارا ، وجعله خلالها أنهارا ، وجعله لها رواسي ، وجعله بين البحرين حاجزا ، إلى آخر ما ذكر في هذه الآيات من غرائب صنعه وعجائبه التي لا يشاركه فيها أحد ; سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا .
وهذا الذي ذكره الله جل وعلا في هذه الآيات الكريمات : كان
nindex.php?page=treesubj&link=33960سبب إسلام nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل ; فإنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم
مكة ذهب فارا منه إلى بلاد
الحبشة ، فركب في البحر متوجها إلى
الحبشة ، فجاءتهم ريح عاصف فقال القوم بعضهم لبعض : إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعوا الله وحده ، فقال
عكرمة في نفسه : والله إن كان لا ينفع في البحر غيره فإنه لا ينفع في البر غيره ، اللهم لك علي عهد ، لئن أخرجتني منه لأذهبن فلأضعن يدي في يد
محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رءوفا رحيما . فخرجوا من البحر ، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه . اهـ .
[ ص: 175 ] والظاهر أن الضمير في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=69به تبيعا [ 17 \ 69 ] راجع إلى الإهلاك بالإغراق المفهوم من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=69فيغرقكم بما كفرتم [ 17 \ 69 ] ، أي لا تجدون تبيعا يتبعنا بثأركم بسبب ذلك الإغراق .
وقال صاحب روح المعاني : وضمير " به " قيل للإرسال ، وقيل للإغراق ، وقيل لهما باعتبار ما وقع ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 174 ] تَنْبِيهٌ
لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26236_28668_30554اللَّهَ ذَمَّ الْكُفَّارَ وَعَاتَبَهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ الشَّدَائِدِ وَالْأَهْوَالِ خَاصَّةً يُخْلِصُونَ الْعِبَادَةَ لَهُ وَحْدَهُ ، وَلَا يَصْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ لِمَخْلُوقٍ ، وَفِي وَقْتِ الْأَمْنِ وَالْعَافِيَةِ يُشْرِكُونَ بِهِ غَيْرَهُ فِي حُقُوقِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ وَحْدَهُ ، الَّتِي هِيَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ ، وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ جَهَلَةِ الْمُتَسَمِّينَ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، فَإِنَّهُمْ إِذَا دَهَمَتْهُمُ الشَّدَائِدُ ، وَغَشِيَتْهُمُ الْأَهْوَالُ وَالْكُرُوبُ الْتَجَئُوا إِلَى غَيْرِ اللَّهِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِ الصَّلَاحَ ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُخْلِصُ فِيهِ الْكُفَّارُ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَوْضَحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32083_32084إِجَابَةَ الْمُضْطَرِّ وَإِنْجَاءَهُ مِنَ الْكَرْبِ مِنْ حُقُوقِهِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ .
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى " فِي سُورَةِ النَّمْلِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=59آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=60أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=61أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=62أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ الْآيَاتِ [ 37 \ 27 ] 59 - 62 ، فَتَرَاهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ جَعَلَ إِجَابَةَ الْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَا وَكَشْفَ السُّوءِ عَنْهُ مِنْ حَقِّهِ الْخَالِصِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ ; كَخَلْقِهِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَإِنْزَالِهِ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَإِنْبَاتِهِ بِهِ الشَّجَرَ ، وَجَعْلِهِ الْأَرْضَ قَرَارًا ، وَجَعْلِهِ خِلَالَهَا أَنْهَارًا ، وَجَعْلِهِ لَهَا رَوَاسِيَ ، وَجَعْلِهِ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ، إِلَى آخَرِ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ غَرَائِبِ صُنْعِهِ وَعَجَائِبِهِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ ; سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ : كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=33960سَبَبَ إِسْلَامِ nindex.php?page=showalam&ids=28عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ ; فَإِنَّهُ لِمَا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَكَّةَ ذَهَبَ فَارًّا مِنْهُ إِلَى بِلَادِ
الْحَبَشَةِ ، فَرَكِبَ فِي الْبَحْرِ مُتَوَجِّهًا إِلَى
الْحَبَشَةِ ، فَجَاءَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْكُمْ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ، فَقَالَ
عِكْرِمَةُ فِي نَفْسِهِ : وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَحْرِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ ، اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ ، لَئِنْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهُ لَأَذْهَبَنَّ فَلَأَضَعَنَّ يَدِيَ فِي يَدِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأَجِدَنَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا . فَخَرَجُوا مِنَ الْبَحْرِ ، فَخَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . اهـ .
[ ص: 175 ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=69بِهِ تَبِيعًا [ 17 \ 69 ] رَاجِعٌ إِلَى الْإِهْلَاكِ بِالْإِغْرَاقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=69فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ [ 17 \ 69 ] ، أَيْ لَا تَجِدُونَ تَبِيعًا يَتْبَعُنَا بِثَأْرِكُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْإِغْرَاقِ .
وَقَالَ صَاحِبُ رُوحِ الْمَعَانِي : وَضَمِيرُ " بِهِ " قِيلَ لِلْإِرْسَالِ ، وَقِيلَ لِلْإِغْرَاقِ ، وَقِيلَ لَهُمَا بِاعْتِبَارِ مَا وَقَعَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .