( وهذا صراط ربك مستقيما ) أي وهذا الإسلام الذي يشرح الله له صدر من يريد هدايته ، هو صراط ربك أيها الرسول الذي بعثك به ، وبين لك في هذه الآيات أو هذه السورة أصوله وعقائده بالحجج النيرات ، والآيات البينات ، حال كونه مستقيما في نظر العقل الصحيح ومقتضى الفطرة السليمة من فساد الإفراط والتفريط ، فلا اعوجاج فيه ولا التواء ، وإنما هو السبيل السواء ، ومن عرفه تبين له اعوجاج ما عداه من السبل التي عليها سائر أهل الملل والنحل . ( قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ) أي قد بينا الآيات والحجج المثبتة لحقيقته وأصوله الراسخة ، ومحاسن فروعه المثمرة النافعة ، لقوم يتذكرون ما بلغوه منها كلما عرضت الحاجة إليه فيزدادون بها يقينا ورسوخا في الإيمان ، ويدرءون ما يورد عليهم من الشبهات والأوهام ، كما يزدادون إذعانا وموعظة تبعثهم على الأعمال الصالحة ، ولذلك خصوا بالذكر دون غيرهم . وتفسيرنا للمشار إليه بقوله : ( وهذا صراط ربك ) بالإسلام هو الموافق لقواعد العربية ، لأنه أقرب مذكور يصح أن يكون هو المراد . وهو المروي [ ص: 54 ] عن ، ومن خالفه فقد تكلف وتعسف . وقوله : ( مستقيما ) منصوب على الحال والعامل فيها ما في اسم الإشارة أو التنبيه من معنى الفعل . ابن عباس
( لهم دار السلام عند ربهم ) أي لهؤلاء القوم المتذكرين السالكين صراط ربهم المستقيم - دون غيرهم من متبعي سبل الشيطان - دار السلام عند ربهم بسلوكهم صراطه الموصل إليها ، وهو ما كانوا يعملونه كما صرح به في آخر الآية ، فهذا بيان جزاء المؤمنين الصالحين ، في مقابل ما بين قبله من جزاء المجرمين بقوله : ( سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) دار الجزاء للمؤمنين المتقين ، أضيفت إلى اسم الله ( السلام ) كما رواه ودار السلام هي الجنة عن ابن جرير وعزاه بعض المفسرين إلى السدي الحسن وابن زيد أيضا ، وقيل : إن السلام مصدر سلم كالسلامة . والإضافة على التفسير الأول للتشريف ، وكذا للإيذان بسلامة تلك الدار من العيوب وسلامة أهلها من جميع المنغصات والكروب ، خلافا لمن زعم أن إفادة هذا المعنى خاصة بجعل السلام مصدرا كالسلامة ، وقوله : ( عند ربهم ) تقدم معناه في تفسير مقابله الذي ذكرنا آنفا ( وهو وليهم بما كانوا يعملون ) الضمير راجع إلى ربهم ، أو السلام على القول بأنه هو الله تعالى . ووليهم متولي أمورهم وكافيهم كل أمر يعنيهم ، بسبب ما كانوا يعملونه بباعث الإيمان به والإذعان لما جاء به رسوله من أعمال الصلاح المزكية لأنفسهم ، والإصلاح المفيدة لكل من يعيش معهم ، وهذه الولاية الإلهية للمتذكرين من المؤمنين الصالحين تشمل ولاية الدنيا والآخرة . والآية نافية للقول بالجبر ، ومبطلة للقول بإنكار القدر بصراحتها بنوط الجزاء بالعمل ، فإسناد العمل إليهم ينفي الجبر ، ونوط الجزاء به يثبت القدر الذي هو جعل شيء مرتبا على شيء آخر مقدرا بقدره ، وليس خلقا أنفا ، أي مبتدأ ومستأنفا ، والله أعلم وأحكم .