الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( فصل والذين قطعوا بدوام النار لهم ستة طرق )

                          أحدها - اعتقاد الإجماع فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين لا يختلفون فيه ، وأن الاختلاف فيه حادث وهو من أقوال أهل البدع .

                          الطريق الثاني - أن القرآن دل على ذلك دلالة قطعية ، فإنه سبحانه أخبر أنه عذاب مقيم وأنه لا يفتر عنهم ، وأنه لن يزيدهم إلا عذابا ، وأنهم خالدون فيها أبدا وما هم بخارجين من النار ، وما هم منها بمخرجين ، وأن الله حرم الجنة على الكافرين وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها . وأن عذابها كان غراما ، أي مقيما لازما ، قالوا : وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره .

                          الطريق الثالث - أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار ، وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار وأن هذا حكم مختص بهم ، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان .

                          الطريق الرابع - أن الرسول وقفنا على ذلك وعلمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقل معين كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها .

                          الطريق الخامس - أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما لا تفنيان بل هم دائمتان ، وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع . [ ص: 67 ] الطريق السادس - أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار ، وهذا مبني على قاعدة ، وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع ؟ فيه طريقتان لنظار المسلمين ، وكثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القرآن في غير موضع ، كإنكاره سبحانه على من زعم أنه يسوي بين الأبرار والفجار في المحيا والممات ، وعلى من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إليه لا يرجعون ، وأنه يتركهم سدى أي لا يثيبهم ولا يعاقبهم ، وذلك يقدح في حكمته وكماله وأنه نسبه إلى ما لا يليق به . وربما قرروه بأن النفوس البشرية باقية واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها ، وإن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها ، بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولا ، قال تعالى : ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) ( 27 ، 28 ) فهؤلاء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من نفوسهم ، بل خبثها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفارا كما كانوا ، وهذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل كما جاء به السمع .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية