تفصيل ابن القيم للمسألة :
وقد استوفى ذلك بالإسهاب المحقق ابن القيم في كتابه ( حادي الأرواح ) فقال :
( فصل ) وأما فقال فيها شيخ الإسلام : فيها قولان معروفان عن السلف والخلف والنزاع في ذلك معروف عن التابعين . قلت هاهنا أقوال سبعة : أبدية النار ودوامها
( أحدها ) أن من دخلها لا يخرج منها أبدا ، بل كل من دخلها لا يخرج منها أبدا ، بل كل من دخلها مخلد فيها أبد الآباد بإذن الله وهذا قول الخوارج والمعتزلة .
( والثاني ) أن أهلها يعذبون فيها مدة ثم تنقلب عليهم وتبقى طبيعة نارية لهم يتلذذون بها لموافقتها لطبيعتهم . وهذا قول إمام الاتحادية ( قال في فصوصه ) الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد ، والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثنى عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز ( ابن عربي الطائي فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ) ( 14 : 47 ) [ ص: 61 ] لم يقل وعيده ، بل قال : ( ونتجاوز عن سيئاتهم ) ( 46 : 16 ) مع أنه توعد على ذلك ، وأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد ، وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح .
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده وما لوعيد الحق عين تعاين وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم على لذة فيها نعيم مباين نعيم جنان الخلد والأمر واحد وبينهما عند التجلي تباين يسمى عذابا من عذوبة طعمه وذاك له كالقشر والقشر صاين
وهذا في طرف ، والمعتزلة الذين يقولون : لا يجوز على الله أن يخلف وعيده بل يجب عليه تعذيب من توعده بالعذاب في طرف ، فأولئك عندهم لا ينجو من النار من دخلها أصلا ، وهذا عنده لا يعذب بها أحدا أصلا . والفريقان مخالفان لما علم بالاضطرار أن الرسول جاء به وأخبر به عن الله عز وجل .
( الثالث ) قول من يقول : إن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود ثم يخرجون منها ويخلفهم فيها قوم آخرون ، وهذا القول حكاه اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم فأكذبهم فيه ، وقد أكذبهم الله تعالى - في القرآن - فيه فقال تعالى : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ( 2 : 80 ، 81 ) وقال تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) ( 3 : 23 ، 24 ) فهذا القول إنما هو قول أعداء الله اليهود فهم شيوخ أربابه والقائلين به ، وقد دل القرآن والسنة وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام على فساده . قال تعالى : ( وما هم بخارجين من النار ) ( 2 : 167 ) وقال : ( وما هم منها بمخرجين ) ( 15 : 48 ) وقال : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ) ( 22 : 22 ) وقال تعالى : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ) ( 32 : 20 ) وقال تعالى : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) ( 35 : 36 ) وقال تعالى : ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ( 7 : 40 ) وهذا أبلغ ما يكون في الإخبار عن استحالة دخولهم الجنة .
( الرابع ) قول من يقول : يخرجون منها وتبقى نارا على حالها ليس فيها أحد يعذب ، حكاه شيخ الإسلام . والقرآن والسنة أيضا يردان على هذا القول كما تقدم . [ ص: 62 ] ( الخامس ) قول من يقول : بل تفنى بنفسها لأنها حادثة بعد أن لم تكن وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه وأبديته . وهذا قول وشيعته ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار . جهم بن صفوان
( السادس ) قول من يقول : تفنى حياتهم وحركاتهم ويصيرون جمادا لا يتحركون ولا يحسون بألم . وهذا قول إمام أبي الهذيل العلاف المعتزلة طردا لامتناع حوادث لا نهاية لها ، والجنة والنار عنده سواء في هذا الحكم .
( السابع ) قول من يقول : بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى فإنه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها ، قال شيخ الإسلام وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم ، وقد روى وهو من أجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن سلمة ثابت ، عن الحسن ، قال قال عمر : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه . وقال : حدثنا ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة حميد ، عن الحسن أن قال : لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه . ذكر ذلك في تفسير ثابت عند قوله تعالى : ( عمر بن الخطاب لابثين فيها أحقابا ) ( 78 : 23 ) فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ وعلماء السنة عن هذين الجليلين ، سليمان بن حرب وكلاهما عن وحجاج بن منهال وحسبك به ، حماد بن سلمة وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلاهما يرويه عن الحسن ، وحسبك بهذا الإسناد جلالة ، والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال : قال ، ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر بن الخطاب عمر فتداول هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد ، مع أنهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا ، فلو كان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة لكانوا أول منكر له ، قال : ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها ، فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه ، ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين ، بل يختص بمن عداهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ( ) ولا يناقض هذا قوله تعالى : ( أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون خالدين فيها ) وقوله : ( وما هم منها بمخرجين ) بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه ، لكن إذا انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا لم تبق نارا ولم يبق فيها عذاب . [ ص: 63 ] قال أرباب هذا القول : وفي تفسير عن علي بن أبي طلحة الوالبي في قوله تعالى : ( ابن عباس قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ) قال : لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا . قالوا : وهذا الوعيد في هذه الآية ليس مختصا بأهل القبلة فإنه سبحانه قال : ( ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) وأولياء الجن من الإنس يدخل فيه الكفار قطعا ، فإنهم أحق بموالاتهم من عصاة المسلمين كما قال تعالى : ( إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) ( 7 : 27 ) وقال تعالى : ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) ( 16 : 99 ، 100 ) وقال تعالى : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) ( 7 : 201 ، 202 ) وقال تعالى : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ) ( 18 : 5 ) وقال تعالى : ( فقاتلوا أولياء الشيطان ) ( 4 : 76 ) وقال تعالى : ( أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) ( 59 : 19 ) وقال تعالى : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) ( 121 ) والاستثناء وقع في الآية التي أخبرت عن دخول أولياء الشياطين النار ، فمن هاهنا قال : لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه . ابن عباس
( قالوا ) : وقول من قال : إن ( إلا ) بمعنى سوى أي سوى ما شاء الله أن يزيدهم من أنواع العذاب وزمنه لا تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه ، وأن الذي يفهمه المخاطب مخالفة ما بعد ( إلا ) لما قبلها .
( قالوا ) : وقول من قال : إنه لإخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان كزمان البرزخ والموقف ومدة الدنيا أيضا لا يساعد عليه وجه الكلام ، فإنه استثناء من جملة خبرية مضمونها أنهم إذا دخلوا النار لبثوا فيها مدة دوام السموات والأرض إلا ما شاء الله ، وليس المراد الاستثناء قبل الدخول ، هذا ما لا يفهمه المخاطب ، ألا ترى أنه سبحانه يخاطبهم بهذا في النار حين يقولون : ( ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) فيقول لهم حينئذ : ( النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ) وفي قوله : ( ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) نوع اعتراف واستسلام وتحسر ، أي استمتع الجن بنا واستمتعنا بهم فاشتركنا في الشرك ودواعيه وأسبابه ، وآثرنا الاستمتاع على طاعتك وطاعة رسلك ، وانقضت آجالنا وذهبت أعمارنا في ذلك ولم نكتسب فيها رضاك ، وإنما كان غاية [ ص: 64 ] أمرنا في مدة آجالنا استمتاع بعضنا ببعض ، فتأمل ما في هذا من الاعتراف بحقيقة ما هم عليه ، وكيف بدت لهم تلك الحقيقة ذلك اليوم وعلموا أن الذي كانوا فيه في مدة آجالهم هو حظهم من استمتاع بعضهم ببعض ، ولم يستمتعوا بعبادة ربهم ومعرفته وتوحيده ومحبته وإيثار مرضاته . وهذا من نمط قولهم : ( لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) ( 67 : 10 ) وقوله : ( فاعترفوا بذنبهم ) ( 67 : 11 ) وقوله : ( فعلموا أن الحق لله ) ( 28 : 75 ) ونظائره ، والمقصود أن قوله : ( إلا ما شاء ربك ) عائد إلى هؤلاء المذكورين مختصا بهم أو شاملا لهم ولعصاة الموحدين ، وأما اختصاصه بعصاة المسلمين دون هؤلاء فلا وجه له .
ولما رأت طائفة ضعف هذا القول قالوا : الاستثناء راجع إلى مدة البرزخ والموقف وقد تبين ضعف هذا القول .
ورأت طائفة أخرى أن الاستثناء يرجع إلى نوع آخر من العذاب غير النار . قالوا والمعنى أنكم في النار أبدا إلا ما شاء الله أن يعذبكم بغيرها وهو الزمهرير وقد قال تعالى : ( إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا ) ( 78 : 21 - 23 ) ( قالوا ) : والأبد لا يقدر بالأحقاب ، وقد قال في هذه الآية : ليأتين على جهنم زمان وليس فيها أحد ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا ، وعن ابن مسعود مثله حكاه أبي هريرة البغوي عنهما ثم قال : ومعناه عند أهل السنة - إن ثبت - أنه لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان .
( قالوا ) : قد ثبت ذلك عن أبي هريرة وابن مسعود وعبد الله بن عمرو ، وقد سأل حرب عن هذه الآية فقال : سألت إسحاق بن راهويه إسحاق قلت قول الله تعالى : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) ( 11 : 107 ) فقال : أتت هذه الآية على كل وعيد في القرآن . حدثنا حدثنا عبيد الله بن معاذ قال : قال أبي حدثنا معتمر بن سليمان عن أبو نضرة جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : هذه الآية تأتي في القرآن كله ( إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ) قال قال : أتى على كل وعيد في القرآن . حدثنا المعتمر حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن معاذ شعبة عن أبي بلج سمع عمرو بن ميمون يحدث عن قال : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا . حدثنا عبد الله بن عمرو عبيد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن يحيى بن أيوب ، عن أبي زرعة ، عن قال : ما أنا بالذي لا أقول إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد . وقرأ قوله : ( أبي هريرة فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ) ( 11 : 106 ) الآية . قال عبيد الله : كان أصحابنا يقولون : يعني به الموحدين .
[ ص: 65 ] حدثنا أبو معن ، حدثنا ، حدثنا وهب بن جرير شعبة ، عن ، عن سليمان التيمي ، عن أبي نضرة أو بعض أصحابه في قوله : ( جابر بن عبد الله خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) قال هذه الآية تأتي على القرآن كله .
وقد حكى هذا القول في تفسيره عن جماعة من السلف فقال : " وقال آخرون : عنى بذلك أهل النار وكل من دخلها ، ذكر من قال ذلك " ثم ذكر الآثار التي نذكرها . وقال ابن جرير عبد الرزاق : أنبأنا ابن التيمي عن أبيه عن عن أبي نضرة جابر أو أبي سعيد أو عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ) قال : هذه الآية تأتي على القرآن كله . يقول : حيث كان في القرآن ( خالدين فيها ) تأتي عليه ، قال : وسمعت أبا مجلز يقول : هو جزاؤه ، فإن شاء الله تجاوز عن عذابه ، وقال : حدثنا ابن جرير الحسن بن يحيى ، أنبأنا عبد الرزاق فذكره . قال : وحدثت عن المسيب ، عمن ذكره ، عن ( ابن عباس خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) قال : لا يموتون وما هم منها بمخرجين ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك ، قال : استثنى الله : قال أمر الله النار أن تأكلهم ، قال وقال : ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد بعد ما يلبثون فيها أحقابا . حدثنا ابن مسعود ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن بيسان ، عن قال : جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا . وحكى الشعبي في ذلك قولا آخر فقال : وقال آخرون : أخبرنا الله عز وجل بمشيئته لأهل الجنة فعرفنا معنى ثنياه بقوله : ( ابن جرير عطاء غير مجذوذ ) ( 11 : 108 ) وأنها في الزيادة على مقدار مدة السموات والأرض قالوا : ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة وجائز أن تكون في النقصان ، حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله تعالى : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) فقرأ حتى بلغ ( عطاء غير مجذوذ ) فقال : أخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة فقال : ( عطاء غير مجذوذ ) ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار .
وقال ابن مردويه في تفسيره : حدثنا ، حدثنا سليمان بن أحمد جبير بن عرفة ، حدثنا يزيد بن مروان الخلال ، حدثنا أبو خليد ، حدثنا عن سفيان ، يعني الثوري ، عن عمرو بن دينار جابر قال : فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) ( 11 : 106 ، 107 ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل " وهذا الحديث يدل على أن الاستثناء إنما هو للخروج من النار بعد دخولها : خلافا لمن زعم أنه قبل الدخول ، ولكن إنما يدل على إخراج بعضهم من النار وهذا حق بلا ريب ، وهو لا ينفي انقطاعها وفناء عذابها وأكلها لمن فيها وأنهم يعذبون [ ص: 66 ] فيها دائما ما دامت كذلك وما هم منها بمخرجين ، فالحديث دل على أن بعض الأشقياء إن شاء الله أن يخرجهم من النار وهي نار فعل . وأن الاستثناء إنما هو فيما بعد دخولها لا فيما قبله ، وعلى هذا فيكون معنى الاستثناء إلا ما شاء ربك من الأشقياء فإنهم لا يخلدون فيها ويكون الأشقياء نوعين : نوعا يخرجون منها ، ونوعا يخلدون فيها ، فيكونون من الذين شقوا أولا ثم يصيرون من الذين سعدوا فتجتمع لهم الشقاوة والسعادة في وقتين . قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (
قالوا : وقد قال الله تعالى : ( إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا ) ( 78 : 21 - 28 ) فهذا صريح في وعيد الكفار والمكذبين بآياته . ولا يقدر الأبدي بمدة الأحقاب ولا غيرها . كما لا يقدر به القديم ; ولهذا قال فيما رواه عبد الله بن عمرو شعبة عن أبي بلج سمع عمرو بن ميمون يحدث عنه : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا .