(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28978_28727ثم استوى على العرش ) أي ثم إنه سبحانه وتعالى قد استوى بعد تكوين هذا الملك على عرشه كما يليق به ، يدبر أمره ويصرف نظامه حسب تقديره الذي اقتضته حكمته فيه كما قال في سورة يونس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) ( 10 : 3 ) وفي سورة الرعد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=3وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ( 13 : 2 ، 3 ) وهو بمعنى ما هنا .
العرش في الأصل الشيء المسقف كما قال
الراغب ، وبينا اشتقاقه في تفسير الجنات المعروشات من سورة الأنعام ويطلق على هودج للمرأة يشبه عريش الكرم ، وعلى سرير الملك وكرسيه الرسمي في مجلس الحكم والتدبير .
nindex.php?page=treesubj&link=28727وحقيقة الاستواء في اللغة التساوي واستقامة الشيء واعتداله ، ومن المجاز كما في الأساس : استوى على الدابة وعلى السرير والفراش ، وانتهى شبابه واستوى ، واستوى على البلد اهـ ، وقال في مادة ع رش : واستوى على عرشه إذا ملك ، وثل عرشه إذا هلك اهـ . وفي المصباح : واستوى على سرير الملك - كناية عن التملك وإن لم يجلس عليه ، كما قيل : مبسوط اليد ومقبوض اليد ، كناية عن الجود والبخل اهـ .
لم يشتبه أحد من الصحابة في معنى
nindex.php?page=treesubj&link=28727_28728استواء الرب تعالى على العرش ، على علمهم بتنزهه سبحانه عن صفات البشر وغيرهم من الخلق ، إذ كانوا يفهمون أن استواءه تعالى على عرشه عبارة عن استقامة أمر ملك السماوات والأرض له وانفراده هو بتدبيره . وأن الإيمان بذلك لا يتوقف على معرفة كنه ذلك التدبير وصفته وكيف يكون ، بل لا يتوقف على وجود عرش ، ولكن ورد في الكتاب والسنة أن لله عرشا خلقه قبل خلق السماوات والأرض . وأن له حملة من الملائكة ، فهو كما تدل اللغة مركز تدبير العالم كله . قال تعالى في سورة هود : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ) ( 11 : 7 ) ولكن عقيدة التنزيه القطعية الثابتة بالنقل والعقل كانت مانعة لكل منهم أن يتوهم أن في التعبير بالاستواء على العرش شبهة تشبيه للخالق بالمخلوق . كيف وأن بعض القرائن الضعيفة لفظية
[ ص: 402 ] أو معنوية تمنع في لغتهم حمل اللفظ على معناه البشري فكيف إذا كان لا يعقل ؟ فكيف والاستواء على الشيء مستعمل في البشر استعمالا مجازيا وكنائيا كما تقدم ؟ والقاعدة التي كانوا عليها في كل ما أسنده الرب تعالى إلى نفسه من الصفات والأفعال التي وردت اللغة في استعمالها في الخلق : أن يؤمنوا بما تدل عليه من معنى الكمال والتصرف مع التنزيه عن تشبيه الرب بخلقه ، فيقولون : إنه اتصف بالرحمة والمحبة واستوى على عرشه ، بالمعنى الذي يليق به ، لا بمعنى الانفعال الحادث الذي نجده للحب والرحمة في أنفسنا ، ولا ما نعهده من الاستواء والتدبير من ملوكنا . وحسبنا أن نستفيد من وصفه بهاتين الصفتين أثرهما في خلقه ، وأن نطلب رحمته ونعمل ما يكسبنا محبته ، وما يترتب عليهما من مثوبته وإحسانه ، ونستفيد من الاستواء على عرشه كون الملك والتدبير له وحده فلا نعبد غيره ، ولذلك قرنه في آخر آية يونس بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) ( 10 : 3 ) وفي سورة الم السجدة (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ) ( 32 : 4 ) وهذا يؤيد ما صدرنا به تفسير الآية من أنها كأمثالها تقرر وحدانية الربوبية على أنها حجة لوحدانية الإلهية وإبطال عبادة غيره تعالى معه بمعنى ما كانوا يدعونه من الشفاعة .
أخرج
ابن مردويه واللالكائي في السنة أن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت في الجملة : الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود به كفر . فإن صح كان سببه شبهة بلغتها من بعض التابعين ، إذ حدث من بعضهم الاشتباه في فهم أمثال هذه النصوص ، كما كثر في المسلمين من لا يفهم اللغة حق الفهم ، ولم يتلق الدين عن أئمة العلم . فكان المشتبه يسأل كبار العلماء فيجيبون بما تلقوا عن الصحابة والتابعين من الجمع بين إمرار النصوص وقبولها كما وردت وتنزيه الرب تعالى واستنكار السؤال في صفاته عن الكيف .
وأخرج
اللالكائي في السنة
والبيهقي في الأسماء والصفات أن
ربيعة شيخ الإمام مالك سئل عن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ثم استوى على العرش ) كيف استوى ؟ فقال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق ، وأخرجا أن
مالكا سئل هذا السؤال أيضا فوجد وجدا شديدا وأخذته الرحضاء ، ولما سري عنه قال للسائل : الكيف غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالا ، وأمر به فأخرج . وفي رواية أنه قال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى " كما وصف نفسه ، ولا يقال له كيف : " وكيف " عنه
[ ص: 403 ] مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة . اهـ . كأنه علم من حاله أنه مشكك غير مستفت ليعلم .
وذكر الحافظ
ابن كثير في تفسيره أن للناس في هذا المقام مقالات كثيرة وقال : وإنما يسلك في هذا المقام
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28728مذهب السلف الصالح .
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه - وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل . والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه و (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( 42 : 11 ) بل الأمر كما قال الأئمة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=17211نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال : من شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر . وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت ما وردت به الآثار الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله النقائص فقد سلك سبيل الهدى اهـ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28978_28727ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) أَيْ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدِ اسْتَوَى بَعْدَ تَكْوِينِ هَذَا الْمُلْكِ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ ، يُدَبِّرُ أَمْرَهُ وَيُصَرِّفُ نِظَامَهُ حَسَبَ تَقْدِيرِهِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ) ( 10 : 3 ) وَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=2اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمْدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمَّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=3وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( 13 : 2 ، 3 ) وَهُوَ بِمَعْنَى مَا هُنَا .
الْعَرْشُ فِي الْأَصْلِ الشَّيْءُ الْمُسَقَّفُ كَمَا قَالَ
الرَّاغِبُ ، وَبَيَّنَّا اشْتِقَاقَهُ فِي تَفْسِيرِ الْجَنَّاتِ الْمَعْرُوشَاتِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَيُطْلَقُ عَلَى هَوْدَجٍ لِلْمَرْأَةِ يُشْبِهُ عَرِيشَ الْكَرْمِ ، وَعَلَى سَرِيرِ الْمَلِكِ وَكُرْسِيِّهِ الرَّسْمِيِّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالتَّدْبِيرِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28727وَحَقِيقَةُ الِاسْتِوَاءِ فِي اللُّغَةِ التَّسَاوِي وَاسْتِقَامَةُ الشَّيْءِ وَاعْتِدَالُهُ ، وَمِنَ الْمَجَازِ كَمَا فِي الْأَسَاسِ : اسْتَوَى عَلَى الدَّابَّةِ وَعَلَى السَّرِيرِ وَالْفِرَاشِ ، وَانْتَهَى شَبَابُهُ وَاسْتَوَى ، وَاسْتَوَى عَلَى الْبَلَدِ اهـ ، وَقَالَ فِي مَادَّة عَ رَشَ : وَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ إِذَا مَلَكَ ، وَثَلَّ عَرْشُهُ إِذَا هَلَكَ اهـ . وَفِي الْمِصْبَاحِ : وَاسْتَوَى عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ - كِنَايَةً عَنِ التَّمَلُّكِ وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ ، كَمَا قِيلَ : مَبْسُوطُ الْيَدِ وَمَقْبُوضُ الْيَدِ ، كِنَايَةً عَنِ الْجُودِ وَالْبُخْلِ اهـ .
لَمْ يَشْتَبِهْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=28727_28728اسْتِوَاءِ الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ ، عَلَى عِلْمِهِمْ بِتَنَزُّهِهِ سُبْحَانَهُ عَنْ صِفَاتِ الْبَشَرِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ ، إِذْ كَانُوا يَفْهَمُونَ أَنَّ اسْتِوَاءَهُ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِقَامَةِ أَمْرِ مُلْكِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَهُ وَانْفِرَادِهِ هُوَ بِتَدْبِيرِهِ . وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَلِكَ التَّدْبِيرِ وَصِفَتِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ ، بَلْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ عَرْشٍ ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ لِلَّهِ عَرْشًا خَلَقَهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ . وَأَنَّ لَهُ حَمَلَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَهُوَ كَمَا تَدُلُّ اللُّغَةُ مَرْكَزُ تَدْبِيرِ الْعَالَمِ كُلِّهِ . قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=7وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) ( 11 : 7 ) وَلَكِنَّ عَقِيدَةَ التَّنْزِيهِ الْقَطْعِيَّةَ الثَّابِتَةَ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ كَانَتْ مَانِعَةً لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ شُبْهَةَ تَشْبِيهٍ لِلْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ . كَيْفَ وَأَنَّ بَعْضَ الْقَرَائِنِ الضَّعِيفَةِ لَفْظِيَّةً
[ ص: 402 ] أَوْ مَعْنَوِيَّةً تَمْنَعُ فِي لُغَتِهِمْ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْبَشَرِيِّ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ لَا يُعْقَلُ ؟ فَكَيْفَ وَالِاسْتِوَاءُ عَلَى الشَّيْءِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْبَشَرِ اسْتِعْمَالًا مَجَازِيًّا وَكِنَائِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ ؟ وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي كُلِّ مَا أَسْنَدَهُ الرَّبُّ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي وَرَدَتِ اللُّغَةُ فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الْخَلْقِ : أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ مَعْنَى الْكَمَالِ وَالتَّصَرُّفِ مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ تَشْبِيهِ الرَّبِّ بِخَلْقِهِ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّهُ اتَّصَفَ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ ، بِالْمَعْنَى الَّذِي يَلِيقُ بِهِ ، لَا بِمَعْنَى الِانْفِعَالِ الْحَادِثِ الَّذِي نَجِدُهُ لِلْحُبِّ وَالرَّحْمَةِ فِي أَنْفُسِنَا ، وَلَا مَا نَعْهَدُهُ مِنَ الِاسْتِوَاءِ وَالتَّدْبِيرِ مِنْ مُلُوكِنَا . وَحَسْبُنَا أَنْ نَسْتَفِيدَ مِنْ وَصْفِهِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ أَثَرَهُمَا فِي خَلْقِهِ ، وَأَنْ نَطْلُبَ رَحْمَتَهُ وَنَعْمَلَ مَا يُكْسِبُنَا مَحَبَّتَهُ ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَثُوبَتِهِ وَإِحْسَانِهِ ، وَنَسْتَفِيدُ مِنَ الِاسْتِوَاءِ عَلَى عَرْشِهِ كَوْنَ الْمُلْكِ وَالتَّدْبِيرِ لَهُ وَحْدَهُ فَلَا نَعْبُدُ غَيْرَهُ ، وَلِذَلِكَ قَرَنَهُ فِي آخِرِ آيَةِ يُونُسَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ) ( 10 : 3 ) وَفِي سُورَةِ الم السَّجْدَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ) ( 32 : 4 ) وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا صَدَّرْنَا بِهِ تَفْسِيرَ الْآيَةِ مِنْ أَنَّهَا كَأَمْثَالِهَا تُقَرِّرُ وَحْدَانِيَّةَ الرُّبُوبِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا حُجَّةٌ لِوَحْدَانِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ وَإِبْطَالِ عِبَادَةِ غَيْرِهِ تَعَالَى مَعَهُ بِمَعْنَى مَا كَانُوا يَدْعُونَهُ مِنَ الشَّفَاعَةِ .
أَخْرَجَ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَاللَّالِكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فِي الْجُمْلَةِ : الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْإِقْرَارُ بِهِ إِيمَانٌ وَالْجُحُودُ بِهِ كُفْرٌ . فَإِنْ صَحَّ كَانَ سَبَبُهُ شُبْهَةً بَلَغَتْهَا مِنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ ، إِذْ حَدَثَ مِنْ بَعْضِهِمُ الِاشْتِبَاهُ فِي فَهْمِ أَمْثَالِ هَذِهِ النُّصُوصِ ، كَمَا كَثُرَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَا يَفْهَمُ اللُّغَةَ حَقَّ الْفَهْمِ ، وَلَمْ يَتَلَقَّ الدِّينَ عَنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ . فَكَانَ الْمُشْتَبِهُ يَسْأَلُ كِبَارَ الْعُلَمَاءِ فَيُجِيبُونَ بِمَا تَلَقَّوْا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ إِمْرَارِ النُّصُوصِ وَقَبُولِهَا كَمَا وَرَدَتْ وَتَنْزِيهِ الرَّبِّ تَعَالَى وَاسْتِنْكَارِ السُّؤَالِ فِي صِفَاتِهِ عَنِ الْكَيْفِ .
وَأَخْرَجَ
اللَّالِكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَنَّ
رَبِيعَةَ شَيْخَ الْإِمَامِ مَالِكٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=3ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) كَيْفَ اسْتَوَى ؟ فَقَالَ : الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَمِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ ، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ ، وَعَلَيْنَا التَّصْدِيقُ ، وَأَخْرَجَا أَنَّ
مَالِكًا سُئِلَ هَذَا السُّؤَالَ أَيْضًا فَوَجَدَ وَجْدًا شَدِيدًا وَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ ، وَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ لِلسَّائِلِ : الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَالِاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُولٍ ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ ضَالًّا ، وَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ . وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَلَا يُقَالُ لَهُ كَيْفَ : " وَكَيْفَ " عَنْهُ
[ ص: 403 ] مَرْفُوعٌ ، وَأَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ صَاحِبُ بِدْعَةٍ . اهـ . كَأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ مُشَكِّكٌ غَيْرُ مُسْتَفْتٍ لِيَعْلَمَ .
وَذَكَرَ الْحَافِظُ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَقَالَاتٍ كَثِيرَةً وَقَالَ : وَإِنَّمَا يَسْلُكُ فِي هَذَا الْمَقَامِ
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28728مَذْهَبُ السَّلَفِ الصَّالِحِ .
مَالِكٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ،
وَأَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ - وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَهُوَ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ . وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ إِلَى أَذْهَانِ الْمُشَبِّهِينَ مَنْفِيٌّ عَنِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ( 42 : 11 ) بَلِ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=17211نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ قَالَ : مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ كَفَرَ ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ . وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولُهُ تَشْبِيهٌ ، فَمَنْ أَثْبَتَ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ الصَّرِيحَةُ وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَنَفَى عَنِ اللَّهِ النَّقَائِصَ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْهُدَى اهـ .