الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ثم قال - سبحانه - : وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم الحلائل : جمع حليلة ، وهي الزوجة ، ويقال للرجل : حليل ، واللفظ مأخوذ من الحلول ; فإن الزوجين يحلان معا في مكان واحد وفراش واحد ، وقيل : من الحل بالكسر ، أي كل منهما حلال للآخر ، وقيل : من حل الإزار ( بفتح الحاء ) ، ويدخل في الحلائل الإماء اللواتي يستمتع بهن ، واللفظ يصدق عليهن بكل معنى قيل في اشتقاقه . ويدخل في الأبناء أبناء الصلب مباشرة ، وبواسطة كابن الابن ، وابن البنت ، فحلائلهما تحرم على الجد . ولا يدخل فيه الابن من الرضاعة ; لأنه ليس من صلبه لا بالذات ، ولا بالواسطة فهو يخرج بهذا القيد بحسب المتبادر منه ، وبذلك قال بعض علماء الملة : ولكن المروي عن أئمة الفقه الأربعة - إلا ما روي من قول للإمام الشافعي - أن ابن الرضاع تحرم حليلته إما لدخوله في الأبناء هنا ، وجعل القيد لإخراج الدعي الذي يتبنى ، وإما لما تقدم من أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . ورد عليهم الآخرون بأن حرمة امرأة الابن [ ص: 293 ] لا تحرم بالنسب ، وإنما تحرم بالمصاهرة ، فهذا حجة عليكم ، وبأن الدعي ليس ابنا فيحتاج إلى إخراجه لا حقيقة كما هو بديهي ، ولا شرعا ، ولا عرفا ، فإن الله - تعالى - لما أنزل : وما جعل أدعياءكم أبناءكم [ 33 : 4 ] بطل هذا العرف في الإسلام . قال الإمام ابن القيم في تقرير حجة المخالفين للمذاهب الأربعة في هذه المسألة ما نصه :

                          وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فهو من أكبر أدلتنا ، وعمدتنا في المسألة ; فإن تحريم حلائل الآباء ، والأبناء إنما هو بالصهر لا بالنسب ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قصر تحريم الرضاع على نظيره من النسب لا على شقيقه وهو الصهر ، فيجب الاقتصار بالتحريم على مورد النص . ( قالوا ) : والتحريم بالرضاع فرع على تحريم النسب لا على تحريم المصاهرة ، فتحريم المصاهرة أصل قائم بذاته ، والله - سبحانه - لم ينص في كتابه على تحريم الرضاع إلا من جهة النسب ، ولم ينبه على التحريم به من جهة الصهر ألبتة بنص ، ولا إيماء ، ولا إشارة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يحرم به ما يحرم من النسب ، وفي ذلك إرشاد وإشارة إلى أنه لا يحرم به ما يحرم بالصهر ، ولولا أنه أراد الاقتصار على ذلك لقال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والصهر . ( قالوا ) : وأيضا فالرضاع مشبه بالنسب ، ولهذا أخذ منه بعض أحكامه ، وهو الحرمة ، والمحرمية فقط دون التوارث ، والإنفاق ، وسائر أحكام النسب ، فهو نسب ضعيف ، فأخذ بحسب ضعفه بعض أحكام النسب ، ولم يقو على سائر أحكام النسب ، وهي ألصق به من المصاهرة مع قصوره عن أحكام مشبهه وشقيقه ، وأما المصاهرة ، والرضاع فإنه لا نسب بينهما ، ولا شبهة نسب ، ولا بعضية ، ولا اتصال . ( قالوا ) : ولو كان تحريم الصهرية ثابتا لبينه الله ورسوله بيانا شافيا يقيم الحجة ، ويقطع العذر ، فمن الله البيان وعلى رسوله البلاغ ، وعلينا التسليم ، والانقياد ، فهذا منتهى النظر في هذه المسألة ، فمن ظفر فيها بحجة فليرشد إليها ، وليدل عليها ; فإنا لها منقادون ، وبها معتصمون ، والله الموفق للصواب " انتهى كلامه رحمه الله .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية