الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ومن فروع المسألة أن من أسلم من الأمم التي تبيح التعدد بغير حصر ، وعنده أكثر من أربع نسوة يجب عليه عند جماهير العلماء أن يختار أربعة منهن ، ويسرح الأخريات ، عن أبي حنيفة أنهن يمسك من عقد عليهن أولا إن علم ذلك كأنه كان مكلفا أن يكون نكاحه قبل الإسلام موافقا لشريعة الإسلام ، والمأثور في كتب السنن هو ما عليه الجمهور ، فقد روى الشافعي ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وغيرهم ، عن ابن عمر ( رضي الله عنه ) أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : اختر منهن أربعا - وفي لفظ آخر - أمسك منهن أربعا ، وفارق سائرهن وروي نحو من ذلك عن نوفل بن معاوية الديلمي ، وعن قيس بن الحارث الأسدي حين أسلما ، وكان عند الأول خمس ، وعند الثاني ثمان . والظاهر أن إمساك الأربع يشترط فيه قصد العدل بينهن ، والثقة بالقدرة عليه ، فإن خاف ألا يعدل فعليه أن يمسك واحدة فقط ، وما مضت به السنة من الاقتصار على أربع ، وما أجمع عليه أهلها من عدم جواز الزيادة عليهن هو عمدة الفقهاء في هذا الباب ، لا لأن مثنى وثلاث ورباع يدل على جواز أكثر من أربع ، بل لأن العدد عندهم لا مفهوم له ، فذكر الأربع لا يقتضي تحريم الخمس فأكثر ، فلما حتم النبي - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من المشركين وعنده أكثر من أربع ألا يمسكوا أكثر من أربع ، كان ذلك بيانا منه - صلى الله عليه وسلم - لما في الآية من الإجمال ، واحتمال جواز الزيادة ، وجماهير أهل الأصول قائلون بجواز بيان خبر الواحد لمجمل الكتاب ، وما ورد في المسألة سنة عملية متبعة فهي أقوى ما يحتج به عندنا ، وقد أول ذلك المجوزون للزيادة على أربع - كبعض الشيعة - بأنه يحتمل أن يكون الأمر بمفارقة ما زاد عن الأربع لأنهن كان بينهن وبين أزواجهن سبب من أسباب التحريم الذاتي كالنسب القريب والرضاع .

                          وهو تأويل ظاهر البطلان ; إذ لو كان الأمر كما قيل في الاحتمال لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اختر أربعا أو أمسك أربعا ، فالاختيار وتنكير لفظ أربع كل منهما يأبى ما قيل في التأويل . وما قيل من أن الإجماع على تحريم الزيادة على أربع لا يتم مع مخالفة الشيعة في ذلك ، أجيب عنه بأن الإجماع قد وقع قبل أن يقولوا ما قالوا فهو حجة عليهم .

                          ومن فروعها أن الخطاب فيها للأحرار دون العبيد ; لأن الرق خلاف مقصد الشرع [ ص: 307 ] وخلاف الأصل ، فكأنه غير موجود ، ومما يؤيد ذلك قوله - تعالى - في مخاطبة المخاطبين بهذا الحكم من الأزواج : أو ما ملكت أيمانكم والمملوك لا يملك غيره ، ويقول الفقهاء : له أن يتزوج اثنتين فقط .

                          ومنها : أن الظاهرية قالوا : إن الأمر في قوله : فانكحوا ما طاب لكم للوجوب ، فالزواج واجب في العمر مرة . والجمهور على أن الأمر فيه للإباحة ، وإن كان الزواج أعظم سنن الفطرة التي رغب فيها دين الفطرة .

                          ومن مباحث اللفظ في الآية : النكتة في اختيار ( ما ) على " من " في قوله : ما طاب لكم من النساء وهي إرادة الوصف كأنه قال : فانكحوا أي صنف من أصنافهن من الثيبات والأبكار وذوات الجمال وذوات المال وإنما تختص كلمة " ما " أو تغلب في غير العقلاء إذا أريد بها الذات لا الوصف . فيقول : من هذا الرجل ؟ في السؤال عن ذاته ، وشخصه وتقول : ما هذا الرجل ؟ في السؤال عن صفته ونعته . وما قيل من أن النكتة في ذلك هي الإشارة إلى أن النساء ناقصات عقل فأنزلن منزلة غير العاقل يأباه هذا المقام الذي قرر فيه تكريمهن ، وحفظ حقوقهن ، وحرم فيه ظلمهن ، ومثل هذا التعبير قوله - تعالى - : أو ما ملكت أيمانكم و ( أو ) فيه للتسوية يعني إن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجتين فأكثر فأنتم مخيرون بين الواحدة والتسري . وظاهر ما تقدم عن ابن جرير أن الواحدة يطلب في نكاحها العدل ، فإن خاف ألا يعدل في معاملتها لجأ إلى التسري ، وإنما يشترط الجماهير العجز عن التزوج بالحرة في نكاح الأمة لا في التسري بها ، وسيأتي في تفسير قوله : ومن لم يستطع منكم طولا [ 4 : 25 ] الآية .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية