ثم قال : والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب الجوار ضرب من ضروب القرابة فهي قرب بالنسب ، وهو قرب بالمكان والسكن ، وقد يأنس الإنسان بجاره القريب ، ما لا يأنس بنسيبه البعيد ، ويحتاجان إلى التعاون والتناصر ما لا يحتاج الأنسباء الذين تناءت ديارهم ، فإذا لم يحسن كل منهما بالآخر لم يكن فيهما خير لسائر الناس ، وقد اختلف المفسرون في الجار ذي القربى ، والجار الجنب فقال بعضهم : الأول هو القريب منك بالنسب ، والثاني هو الأجنبي لا قرابة بينك وبينه ، وقال بعضهم : الأول الأقرب منك دارا ، والثاني من كان أبعد مزارا ، وقيل : إن ذا القربى من كان قريبا منك ولو بالدين ، والأجنبي من لا يجمعك به دين ولا نسب ، وفي حديث ضعيف السند عند أبي نعيم ، عن والبزار ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " جابر بن عبد الله ، فجار له ثلاثة حقوق : حق الجوار ، وحق القرابة ، وحق الإسلام ، وجار له حقان : حق الجوار ، وحق الإسلام ، وجار له حق واحد : حق الجوار الجيران ثلاثة " ، وثبت في أحاديث أخرى كأحاديث الوصايا المطلقة والوقائع المعينة كعيادته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لولد جاره اليهودي في الصحيح ، وروى الأمر بالإحسان في معاملة الجار غير المسلم في الأدب المفرد عن البخاري عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ " أنه ذبح له شاة ، فجعل يقول لغلامه : أهديت لجارنا اليهودي ، أهديت لجارنا اليهودي ؟ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه فهذا دليل على أن ما زال فهم من الوصايا المطلقة في الجار أنها تشمل المسلم وغير المسلم ، وناهيك بفهمه وعلمه ، ومن تلك الوصايا حديث ابن عمر أبي شريح الخزاعي في الصحيحين مرفوعا : ورواه غيرها عن غيره ، قال الأستاذ الإمام : حدد بعضهم الجوار بأربعين دارا من كل جانب من الجوانب الأربعة ، والحكمة في الوصية بالجار هي التي تعرفنا سر الوصية ، ومعنى الجوار : المراد بالجار من تجاوره ويتراءى وجهك ووجهه في غدوك أو رواحك إلى دارك ، فيجب أن تعامل من ترى وتعاشر بالحسنى ، فتكون في راحة معهم ، ويكونوا في راحة معك ، اهـ . من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره
فهو يرى أن أمر الجوار لا يحدد بالبيوت ، والتحديد بالدور مروي عن الحسن ، وحدده بعضهم بأربعين ذراعا ، والصواب عدم التحديد والرجوع في ذلك إلى العرب ، والأقرب حقه آكد من أخلاق العرب قبل الإسلام ، وزاده الإسلام تأكيدا بالكتاب والسنة ، ومن [ ص: 76 ] الإحسان بالجار الإهداء إليه ودعوته إلى الطعام وتعاهده بالزيارة والعيادة . وإكرام الجار