الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          وإن تك حسنة يضاعفها أقول : أي أنه تعالى لا ينقص أحدا من أجر عمله مثقال ذرة ، ولكنه يزيد للمحسن في حسنته ، فإن كانت الذرة التي عملها العامل سيئة كان جزاؤها بقدرها ، وإن كانت حسنة يضاعفها له الله تعالى عشرة أضعاف أو أضعافا كثيرة كما قال تعالى في آية أخرى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ( 6 : 160 ) ، وفي معناها آيات ، وقال : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( 2 : 245 ) ، وقرأ ابن كثير : " وإن تك حسنة " ، برفع حسنة أي : وإن توجد حسنة يضاعفها ، وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، ويعقوب ، وابن جبير : " يضعفها " بتشديد العين من التضعيف وهو بمعنى المضاعفة ، وردوا قول أبي عبيدة : إن ضاعف يقتضي مرارا كثيرة وضعف يقتضي مرتين .

                          ويؤت من لدنه أجرا عظيما يعني أن فضله تعالى أوسع من أن يضاعف للمحسن حسنته فقط بألا يكون عطاؤه إلا في مقابلة الحسنات ، بل هو يزيد المحسنين من فضله ويعطيهم من لدنه أي من عنده لا في مقابلة حسناتهم أجرا عظيما أي عطاء كبيرا قالوا : إنه سمى هذا العطاء أجرا ، وهو لا مقابل له من الأعمال ؛ لأنه تابع للأجر على العمل فسمي باسمه من قبيل مجاز المجاورة ، ولعل نكتة هذا التجوز هي الإيذان بأن هذا العطاء العظيم لا يكون لغير المحسنين ، فهو علاوة على أجور أعمالهم ، والعلاوة على الشيء تقتضي وجود ذلك الشيء ، فلا مطمع فيها للمسيئين الذين غلبت سيئاتهم المفردة على حسناتهم المضاعفة ، فما قولك بالمشركين الذين طمست حسناتهم في ظلمة شركهم والعياذ بالله تعالى ! والظاهر أن هذا الأجر العظيم هو النعيم الروحاني برضوان الله الأكبر ، وقد تقدم الكلام فيه غير مرة فراجعه في مظانه .

                          ومن مباحث اللفظ في الآية حذف النون في قوله : وإن تك فإن أصلها " تكن " [ ص: 89 ] فحذفت النون للتخفيف سماعا ، وعللوه بتشبيهها بحروف العلة من حيث الغنة والسكون " ولدن " بمعنى : عند ، وقال بعضهم : إن " لدن " أقوى في الدلالة على القرب من " عند " فلا يقال : لدي مال إلا إذا كان حاضرا ، ويقال : عندي مال ، وإن كان غائبا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية