قال تعالى : وابن السبيل المشهور في تفسيره هنا المسافر والضيف ، وقلنا في تفسير آية : ليس البر ( 2 : 177 ) ، هو المنقطع في السفر لا يتصل بأهل ولا قرابة كأن السبيل أبوه وأمه ورحمه وأهله ، وقال الأستاذ الإمام هنا : إنه من تبناه السبيل في غير معصية ، أي : السائح الرحالة في غرض صحيح غير محرم ، والمتبادر أنه من لا يعرف إلا من الطريق ، أو في الطريق ، وإنما ضيقوا في تفسيره في آية مصارف الصدقات ؛ لأنهم لا يرون كل من عرف في الطريق مستحقا للزكاة ، وأما الإحسان المطلق ، فالأمر فيه أوسع وهو مطلوب دائما في كل شيء ومع كل أحد ، كل شيء بقدره ، وفي الحديث الصحيح : إلخ ، وهو في كتاب الصيد في صحيح إن الله كتب الإحسان في كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة مسلم فيما أذكر ، وإنما جاءت الآية فيمن يتأكد الإحسان بهم ، والضيف والمسافر منهم وإن لم يكونا مستحقين للزكاة ، والأمر بالإحسان بابن السبيل يتضمن الترغيب في السياحة والإعانة عليها ، وقد أهملها المسلمون في هذه العصور إلا قليلا خيره أقل ، وذكرت في هامش تفسيره هذه الكلمة من آية ليس البر في الجزء الثاني : أن اللقيط يوشك أن يدخل في معنى " ابن السبيل " ، واختار بعض أذكياء المعاصرين في رسالة له أن هذا هو المعنى المراد ، واللفظ يتسع للقيط ولا سيما في باب الإحسان ما لا يتسع لغيره ، وهو أولى وأجدر من اليتيم بما ذكرنا من الحكمة والفقه في الأمر بالإحسان به ، وإنما غفل جماهير [ ص: 77 ] المفسرين عن ذكره لندرة اللقطاء في زمن المتقدمين منهم ، ولا حظ للمتأخرين منهم من التأليف إلا النقل عنهم ; لأنهم في الغالب قد حرموا على أنفسهم الاستقلال في الفهم ؛ لئلا يكون من الاجتهاد الذي تواطئوا على القول بإقفال بابه ، وانقراض أربابه ، والرضى باستبدال الجهل به ، فإن غير المستقل بفهم الشيء لا يسمى عالما به كما هو بديهي ، وعليه إجماع علماء السلف .
وقد كثر في هذه الأزمنة اللقطاء ، ولولا عناية الجمعيات الدينية من الأوروبيين بجمعهم وتربيتهم وتعليمهم لكان شرهم في البلاد مستطيرا ، فلله در هؤلاء الأوربيين ما أشد عنايتهم بدينهم ، ونفع الناس به بحسب اجتهادهم واستطاعتهم ، ويا لله ما أشد غفلة المسلمين وجهل جماهيرهم بأنفسهم ، وبغيرهم ، فإنهم يزعمون أنهم أشد من الإفرنج عناية بدينهم وغيرة عليهم وعملا به ، بل يزعمون أن الإفرنج قد تركوا الدين ألبتة ، يستنبطون هذه النتيجة من بعض أحرارهم الغالين ، الذين يلقونهم فيسمعون منهم كلم الإلحاد ، أو من السياسيين منهم الذين يزلزلون ثقتنا بالدين لما يجهل أكثرنا من المقاصد والأغراض ، ونحن أحق الناس بتربية اللقطاء ، وجميع أنواع البر والإحسان .