وإن تك حسنة يضاعفها أقول : أي أنه تعالى لا ينقص أحدا من أجر عمله مثقال ذرة ، ولكنه يزيد للمحسن في حسنته ، فإن كانت الذرة التي عملها العامل سيئة كان جزاؤها بقدرها ، وإن كانت حسنة يضاعفها له الله تعالى عشرة أضعاف أو أضعافا كثيرة كما قال تعالى في آية أخرى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون ( 6 : 160 ) ، وفي معناها آيات ، وقال : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( 2 : 245 ) ، وقرأ ابن كثير : " وإن تك حسنة " ، برفع حسنة أي : وإن توجد حسنة يضاعفها ، وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، ويعقوب ، : " يضعفها " بتشديد العين من التضعيف وهو بمعنى المضاعفة ، وردوا قول وابن جبير أبي عبيدة : إن ضاعف يقتضي مرارا كثيرة وضعف يقتضي مرتين .
ويؤت من لدنه أجرا عظيما يعني أن فضله تعالى أوسع من أن يضاعف للمحسن حسنته فقط بألا يكون عطاؤه إلا في مقابلة الحسنات ، بل هو يزيد المحسنين من فضله ويعطيهم من لدنه أي من عنده لا في مقابلة حسناتهم أجرا عظيما أي عطاء كبيرا قالوا : إنه سمى هذا العطاء أجرا ، وهو لا مقابل له من الأعمال ؛ لأنه تابع للأجر على العمل فسمي باسمه من قبيل مجاز المجاورة ، ولعل نكتة هذا التجوز هي الإيذان بأن هذا العطاء العظيم لا يكون لغير المحسنين ، فهو علاوة على أجور أعمالهم ، والعلاوة على الشيء تقتضي وجود ذلك الشيء ، فلا مطمع فيها للمسيئين الذين غلبت سيئاتهم المفردة على حسناتهم المضاعفة ، فما قولك بالمشركين الذين طمست حسناتهم في ظلمة شركهم والعياذ بالله تعالى ! والظاهر أن هذا الأجر العظيم هو النعيم الروحاني برضوان الله الأكبر ، وقد تقدم الكلام فيه غير مرة فراجعه في مظانه .
ومن مباحث اللفظ في الآية حذف النون في قوله : وإن تك فإن أصلها " تكن " [ ص: 89 ] فحذفت النون للتخفيف سماعا ، وعللوه بتشبيهها بحروف العلة من حيث الغنة والسكون " ولدن " بمعنى : عند ، وقال بعضهم : إن " لدن " أقوى في الدلالة على القرب من " عند " فلا يقال : لدي مال إلا إذا كان حاضرا ، ويقال : عندي مال ، وإن كان غائبا .