فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال الأستاذ الإمام : بعد ما جاء بالوعد والوعيد في الآية السابقة جاء بهذه الآية معطوفة بالفاء فهو يقول : إذا كان الله لا يضيع من عمل عامل مثقال ذرة ، فكيف يكون حال الناس إذا جمعهم الله ، وجاء بالشهداء عليهم وهم الأنبياء فما من أمة إلا ولها بشير ونذير ! .
هذه الشهادة هي التي غفل عنها الناس وبكى لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ; إذ أمر بعض الصحابة بأن يقرأ عليه شيئا من القرآن وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الناس بالقرآن .
هذه الشهادة يوم يجمع الله الناس مع أنبيائهم هي عبارة عن مقابلة عقائدهم ، وأخلاقهم وأعمالهم بعقائد الأنبياء ، وأعمالهم وأخلاقهم .
تعرض أعمال كل أمة على نبيها لا فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين وسائر أتباع الأنبياء ، فمن شهد لهم نبيهم بعد معرفة أعمالهم وظهورها ، بأنهم على ما جاء به وعمل وأمر الناس بالعمل به فهم الناجون .
إن كل أمة من أتباع الأنبياء تدعي اتباع نبيها ، وإن كانت قلوبهم مملوءة بالحقد والحسد والغل ، وأعمالهم كلها شرور أو مفاسد عليهم وعلى الناس ، فهؤلاء يتبرأ الأنبياء منهم وإن ادعوا هم اتباعهم والانتماء إليهم .
وقد اختلفوا في المراد بقوله : على هؤلاء شهيدا قيل : إن المراد به شهادة خاتم المرسلين على المرسلين قبله فهم يشهدون على أممهم ، وهو يشهد عليهم ، وقيل : هي شهادته على أمته وهذا هو الموافق لقوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ( 2 : 143 ) ، والخطاب للمؤمنين في عصر التنزيل ، وقد تقدم في تفسيره أن هذه الأمة تكون بسيرتها شهيدة على الأمم السابقة ، وحجة عليها في انحرافها عن هدي المرسلين ، وأن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يكون بسيرته العالية وسنته المعتدلة حجة على المفرطين والمفرطين من أمته اتباعا للبدع الطارئة والتقاليد المحدثة من بعده ، فراجع تفصيل ذلك في أول الجزء الثاني من التفسير ، وأما الحديث الذي أشار إليه الأستاذ فهو ما روى أحمد في صحيحه ، والبخاري والترمذي ، وغيرهم من حديث والنسائي أنه قال : قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ابن مسعود ، فقرأت [ ص: 90 ] سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : نعم ، أحب أن أسمعه من غيري فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد إلخ ، فقال : حسبك الآن ، فإذا عيناه تذرفان فليت شعري هل يعتبر المسلمون بهذا وهم المشهود عليهم كما اعتبر الشهيد الأعظم فيبكون لتذكر ذلك اليوم كما بكى ، ويستعدون باتباع سنته ، واجتناب جميع البدع والتقاليد الدينية التي لم تكن في عهده ، لأن يكونوا كأصحابه أمة وسطا لا تفريط عندها في الدين ، ولا إفراط لا في أمور الجسد ولا في أمور الروح ، أم يظلون سادرين في غلوائهم ، مقلدين لآبائهم ؟ ألا يعلمون كيف يكون حال الكافرين والعاصين في ذلك اليوم ؟ اقرأ علي ، قلت : يا رسول الله ،