إلا عابري سبيل أي : لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الأحوال إلا كونكم عابري سبيل أي : مجتازي طريق ، وقيل : إن إلا هنا صفة بمعنى غير ، ولم يلتفت صاحب هذا القول إلى ما اشترطه لذلك من تعذر الاستثناء ، ومن قال : إن المراد بالصلاة هنا حقيقتها فسر عابر السبيل هنا بالمسافر ، ومن قال : إن المراد بالصلاة مواضعها ـ أي المساجد ـ فسر بالمجتاز لحاجة ، قاله الأستاذ وغيره ، وقد استدل الشافعية بالآية على جواز ابن الحاجب ، وعلى تحريم المكث فيه عليه ، وقد علمت أن مرور الجنب في المسجد إذا كانت له حاجة يجيز أن يراد بالصلاة هنا حقيقتها ومكانها معا ، وحينئذ يجعل استثناء العبور باعتبار المكان ، وإني لأستبعد التعبير عن السفر بعبور السبيل ، والسفر مذكور في الآية وفي غيرها من الآيات بلفظ السفر ، فالمتعين عندي في العبور ما قاله الشافعية وغيرهم من مفسري السلف وهو بالمرور بالمسجد ; لأنه من قرب الصلاة سواء أريد بها المكان وحده ، أم المكان والحقيقة والمجاز معا أم الحقيقة وحدها ; لأن المكث في المسجد من مقدمات الصلاة ، فالمنع منه يدخل في النهي عن قرب الصلاة ، ويؤيد هذا ما هو معروف من كون بعض جيران المسجد النبوي كان لبيوتهم أبواب ومنافذ من المسجد ، فكانوا يعبرون منه إلى بيوتهم ، وكان كثير من فقراء الصحابة يقيمون في المسجد ، فلما نزلت فهموا منها [ ص: 96 ] ولا بد أن إقامة الجنب في المسجد تعد من قرب الصلاة ، فلو لم يستثن عابري السبيل لكان على أولئك الجيران حرج في إلزامهم ألا يخرجوا من بيوتهم قبل الاغتسال إذا كانوا جنبا ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسد تلك الأبواب والكوى إلا في آخر عمره الشريف ، وقد استثنى خوخة الشافعي ( ابن أبي قحافة أبي بكر رضي الله عنه ) والخوخة : الكوة والباب الصغير مطلقا ، أو ما كان في الباب الكبير ، بل ورد أن من أقام في المسجد ينتظر الصلاة فهو في صلاة .