المسألة الثانية ـ : محل التيمم
نص الآية أن محله الوجه واليدان ، ولكن اليد تطلق كثيرا على ما تزاول به الأعمال من الكف والأصابع وحدها الرسغ ، وإن شئت قلت : المفصل الذي يربط الكف بالساعد وهي التي تقطع في حد السرقة ، وتطلق على الذراع من أطراف الأصابع إلى المرفق ، وتطلق على مجموع الذراع والعضد إلى الإبط والكتف ; ولذلك اختلف الناس في على ثلاثة أقوال ، واختلفت الروايات فيه أيضا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة والتابعين ، وإننا نلخص ذلك مع بيان الراجح فنقول : جاء في الصحيحين من مسح اليدين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له : " إنما كان يكفيك هكذا " ، وضرب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكفيه الأرض ، ونفخ فيهما ، ثم مسح بهما وجهه وكفيه عمار بن ياسر ـ وسيأتي نصه وسببه وما قيل فيه ـ وفي لفظ حديث : للدارقطني وذكر إنما يكفيك أن تضرب بكفيك في التراب ، ثم تنفخ فيهما ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين النووي في شرح مسلم أن هذا مذهب عطاء ، ومكحول ، ، والأوزاعي وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث .
أقول : [ ص: 101 ] وعليه الشيعة الإمامية أيضا ، وروى الترمذي أن احتج له بإطلاق الأيدي في آية السرقة ، والاتفاق على أن المراد بهما الكفان ، ورد الحافظ ما أوله به ابن عباس النووي ، وروى الدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث مرفوعا : ابن عمر وهذا هو عمدة جمهور الفقهاء من الحنفية ، والشافعية ، وغيرهم ، وفي إسناده التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين علي بن ظبيان وثقه ، يحيى بن القطان وهشيم وغيرهما ، ولكن قال الحافظ ابن حجر : هو ضعيف ضعفه ابن القطان وغير واحد . وابن معين
وفي رواية من حديث عمار : إن المسح إلى الإبطين ، وبها أخذ ، وستعلم ما فيها ، ولفظ حديث الزهري عمار في رواية الصحيحين وغيرهما عن " سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال : إني أجنبت ولم أجد ماء ، فقال له : لا تصل ، فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية ، فأصابتنا جنابة فلم نجد الماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إنما كان يكفيك أن تضرب بيدك في الأرض ، ثم تنفخ ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك " ، فقال عمر : اتق الله يا عمار ، فقال : إن شئت لم أحدث به ، فقال : نوليك ما توليت " : أي : بل نكلك إلى ما قلت ونرد إليك ما وليته نفسك ، وذلك إذن له برواية الحديث والإفتاء به ، وهذا هو المعتمد الذي لا حجة على غيره ، وله بوب أن رجلا أتى في صحيحه ، قال الحافظ في الفتح : البخاري
" قوله : باب التيمم للوجه والكفين ، أي : هو الواجب المجزئ ، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله ، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهم وعمار ، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه ، والراجح عدم رفعه ، فأما حديث أبي جهم فورد بذكر اليدين مجملا ، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين ، وبذكر المرفقين في السنن ، وفي رواية إلى نصف الذراع ، وفي رواية إلى الآباط ، فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيها مقال ، وأما رواية الآباط ، فقال وغيره : إن كان ذلك وقع بأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكل تيمم صح للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو ناسخ له ، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به ، ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون الشافعي عمار كان يفتي بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك ، وراوي الحديث أعلم بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد ، انتهى كلام الحافظ ابن حجر وهو فصل الخطاب في المسألة .