المسألة الرابعة : ؟ : ما هو الصعيد
قال في القاموس : والصعيد التراب أو وجه الأرض ، وقال الثعالبي في فقه اللغة : الصعيد تراب وجه الأرض ، وفي المصباح : الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره ، قال : لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك ، وقال في المصباح أيضا : ويقال : الصعيد في كلام العرب على وجوه على التراب الذي على وجه الأرض ، وعلى وجه الأرض ، وعلى الطريق ، أقول : ولأجل هذا اختلف الفقهاء ، فقال بعضهم : يجوز أن يضرب يديه على أي مكان طاهر من الأرض ، ويمسح وجهه ويديه ، واستدلوا من الروايات بتيمم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الزجاج المدينة من جدار ، كما في الصحيحين من حديث أبي الجهم ، وبالحديثين اللذين تراهما في المسألة التاسعة ، وقال بعضهم : إنه لا يجزئ إلا بالتراب ، واستدلوا على ذلك بحديث : وهو عند وجعلت تربتها لنا طهورا مسلم من حديث حذيفة مرفوعا ، وفي رواية بلفظ : التراب ومثله حديث ابن خزيمة علي عند أحمد والبيهقي بإسناد حسن " " وجعلوا للتراب معنى مقصودا كما ستعلم في مسألة حكمة التيمم . وجعل التراب لنا طهورا
وأجاب الأولون عن هذا بأن لفظ التربة والتراب لا يؤخذ بمفهومه ؛ لأنه مفهوم لقب ذهب جمهور الأصوليين إلى عدم اعتباره ، فهو لا يخصص المنطوق وإنما قال به اثنان من الشافعية ، وواحد من المالكية ، وبعض الحنابلة ; على أن التراب هو الأعم الأكثر من صعيد الأرض فخص بالذكر في بعض الروايات لأجل ذلك ، وجاءت بعض الروايات بلفظ الأرض ، كحديث جابر المرفوع في الصحيحين : والنسائي واستدلوا بلفظ منه في سورة المائدة إذ قال : وجعلت لي الأرض طيبة وطهورا [ ص: 103 ] ومسجدا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ( 5 : 6 ) ، إن هذا لا يتحقق إلا فيما ينفصل منه شيء ، وعارضهم الآخرون بما تقدم ذكره من تيمم النبي من الجدار في المدينة ، ولهم أن يقولوا : إنه ربما كان عليه غبار ، وفي رواية : " أنه حكه بالعصا ، ثم مسح منه " وفيها مقال على أن ما ينفصل منه شيء ليس خاصا بالتراب ، فأكثر مواد الأرض ينفصل منها شيء إذا ديست ، أو سحقت ، ومن التراب اللزج الذي ييبس فلا ينفصل منه شيء بضرب اليدين عليه إلا أن يداس كثيرا أو يدق ، ويرى هؤلاء أن " من " في آية المائدة للابتداء لا للتبعيض ، وهو خلاف المتبادر ، وأقرب منه أن تكون لبيان ما هو الأكثر والأغلب ، ولو كان الغبار قيدا لا بد منه لذكر في آية النساء ; لأنها متقدمة في النزول على سورة المائدة ، وعمل الناس بإطلاقها زمنا طويلا ، وهي التي تسمى آية التيمم ، وهذا التقييد فيه عسر ينافي الرخصة ونفي الحرج الذي عللت به في سورة المائدة ، فإن المسافر يعسر عليه أن يجد التراب الطاهر الذي ينفصل منه الغبار في كل مكان ; ولهذا رأيت بعض المستمسكين بهذا المذهب يحملون في أسفارهم أكياسا فيها تراب ناعم يتيممون منه ، والعمل بإطلاق الآية أوسع من ذلك وأيسر ، ولم يفعل ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة الشافعي تبوك مثلا ، وما كان يوجد التراب إلا في بعض طريقها ، ولو كان الغبار مقصودا لما نفض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كفيه بعد أن ضرب بهما الأرض كما في رواية شقيق لحديث عمار ، ولما أمر بنفخهما في رواية له ، وهل يبقى بعد النفض والنفخ ما يكفي لإصابة الوجه واليدين من الضربة الواحدة ؟ فجملة القول : أن الدليل على اشتراط التراب أو الغبار غير قوي ، فيضرب المتيمم بيديه أي مكان طاهر من ظاهر الأرض حيث كان ويمسح ، فإن وجد مكانا فيه غبار واختاره للخروج من الخلاف فذاك ، ولكن ينبغي أن ينفض يديه أو ينفخهما من الغبار ، ولا يعفر وجهه به ، وإن عد بعضهم التعفير من حكمة التيمم ، فالسنة تخالفه . سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى