أم لهم نصيب من الملك قالوا : إن أم هنا منقطعة وهي عند جمهور البصريين للإضراب أو الاستفهام ، والمراد بالإضراب هنا : الانتقال من توبيخهم على الإيمان بالجبت والطاغوت وتفضيل المشركين على المؤمنين إلى توبيخهم على البخل والشح والأثرة ، واختار الأستاذ الإمام أن أم إذا وقعت في أول الكلام تكون للاستفهام المجرد [ راجع ص 24 ج 2 من التفسير ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ] ، والاستفهام هنا للإنكار ، والتوبيخ يستفاد من قرينة المقام ، أي : ليس لهم نصيب من الملك كما لهم نصيب من الكتاب ، بل فقدوا الملك كله بظلمهم وطغيانهم فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أي : ولو كان لهم نصيب من الملك لسلكوا فيه طريق البخل والأثرة بحصر منافعه ومرافقه في أنفسهم ، فلا يعطون الناس نقيرا منه إذ ذاك ، والنقير : هو النقرة أو النكتة في ظهر نواة التمر ، وهي الثقبة التي تنبت منها النخلة شبهت بما نقر بمنقار الطائر أو منقار الحديد الذي تحفر به الأرض الصلبة ، والنقير كالفتيل في الآية السابقة ( 49 ) يضرب به المثل في الشيء القليل والحقير التافه ، ويطلق النقير أيضا على ما نقر ، أي حفر من الحجر أو الخشب فجعل إناء ينبذ فيه ، وكذلك يضرب المثل بالقطمير وهي القشرة الدقيقة التي على النواة بينها وبين التمرة .
وحاصل المعنى : أن هؤلاء اليهود أصحاب أثرة شديدة وشح مطاع يشق عليهم أن ينتفع منهم أحد من غير أنفسهم ، فإذا صار لهم ملك حرصوا على منع الناس أدنى النفع وأحقره ، فكيف لا يشق عليهم أن يظهر نبي من العرب ويكون لأصحابه ملك يخضع لهم فيه بنو إسرائيل ؟ وهذه الصفة لا تزال غالبة على اليهود ظاهرة فيهم ، فإن تم لهم ما يسعون إليه من إعادة ملكهم إلى بيت المقدس ، وما حوله فإنهم يطردون المسلمين والنصارى من تلك الأرض المقدسة ولا يعطونهم منها نقيرا من نواة أو موضع زرع نخلة ، أو نقرة في أرض أو جبل ، وهم يحاولون الآن وحاولوا قبل الآن ذلك بقطع أسباب الرزق عن غيرهم ، فالنجار اليهودي في بيت المقدس يعمل لك العمل بأجرة أقل من الأجرة التي يرضى بها المسلم [ ص: 130 ] أو النصراني وإن كانت أقل من أجرة المثل ، ولعل جمعياتهم السياسية والخيرية تساعدهم على ذلك ، فالدلائل متوفرة على أن القوم يحاولون امتلاك الأرض المقدسة ، وحرمان غيرهم من جميع أسباب الرزق فيها ، يفعلون هذا وليس لهم نصيب من الملك " هذا وما كيف لو " .
وهل يعود إليهم الملك كما يبغون ؟ الآية لا تثبت ذلك ولا تنفيه ، وإنما تبين ما تقتضيه طباعهم فيه لو حصل ، وسيأتي البحث في ذلك في تفسير سورة الإسراء التي تسمى أيضا ( سورة بني إسرائيل ) ويدخل في ذلك ما تقتضيه من الكثرة وهم متفرقون ومتعلقون بأموالهم في كل الممالك ، ومن الاستعداد للحرب والزراعة ، وقد ضعف ذلك في أكثرهم ، ولكنهم يعتقدون اعتقادا دينيا أنهم سيقيمون الملك ، أو سوف يقيمونه في البلاد المقدسة ، وقد ادخروا لذلك مالا كثيرا ، فيجب على العثمانيين ألا يمكنوا لهم في فلسطين ولا يسهلوا لهم طرق امتلاك أرضها ، وكثرة المهاجرة إليها ، فإن في ذلك خطرا كبيرا كما نبهنا في تفسير الآيات السابقة من عهد قريب .