قال الأستاذ الإمام : الخطاب لضعفاء الإيمان من المسلمين - لا للمنافقين - والمستضعفون هم المؤمنون المحصورون في
مكة يضطهدهم المشركون ويظلمونهم ، وقد جعل لهم سبيلا خاصا عطفه على سبيل الله مع أنه داخل فيه كما علم من تفسيرنا له ، والنكتة فيه إثارة النخوة ، وهز الأريحية الطبيعية ، وإيقاظ شعور الأنفة والرحمة ; ولذلك مثل حالهم بما يدعو إلى نصرتهم ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75nindex.php?page=treesubj&link=28975الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ، أقول : بين أنهم فقدوا من قومهم - لأجل دينهم - كل عون ونصير ، وحرموا كل مغيث وظهير ، فهم لتقطع أسباب الرجاء بهم يستغيثون ربهم ، ويدعونه ليفرج كربهم ، ويخرجهم من تلك القرية وهي وطنهم لظلم أهلها لهم ، ويسخر لهم بعنايته الخاصة من يتولى أمرهم وينصرهم على من ظلمهم ليهاجروا إليكم ويتصلوا بكم ; فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28802رابطة الإيمان أقوى من روابط الأنساب والأوطان ، وإن جهل ذلك في هذا الزمان من لا حظ لهم من الإسلام فليكن كل منكم وليا لهم ونصيرا ، وقد بينا بعض ما كان عليه مشركو
مكة من ظلم المسلمين وتعذيبهم ليردوهم عن دينهم في تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191والفتنة أشد من القتل ( 2 : 191 ) ، من سورة البقرة ، حتى كان ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=29300_29301سبب الهجرة وما كل أحد قدر على الهجرة ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه - رضي الله عنه - هاجرا ليلا ، ولو ظفروا بهما لقتلوهما إن استطاعوا ، وكانوا يصدون سائر المسلمين عن الهجرة ، ويعذبون مريدها عذابا نكرا ، وما كان
nindex.php?page=treesubj&link=7920_7923سبب شرع القتال إلا عدم حرية الدين ، وظلم المشركين للمسلمين ، ومع هذا كله ، وما أفاضت به الآيات من بيانه ، يقول الجاهلون والمتجاهلون : إن الإسلام نشر بالسيف والقوة ، فأين كانت القوة من أولئك المستضعفين ؟ !
القتال في نفسه أمر قبيح ، ولا يجيز العقل السليم ارتكاب القبيح إلا لإزالة شر أقبح منه ، والأمور بمقاصدها وغاياتها ، ولذلك بين القرآن في عدة مواضع
nindex.php?page=treesubj&link=7919حكمة القتال وكونه للضرورة وإزالة المفسدة ، وإدالة المصلحة ، ولم يكتف هنا ببيان ما في هذه الآية من كون القتال المأمور به مقيدا بكونه في سبيل الله وهي سبيل الحق والعدل ، وإنقاذ المستضعفين المظلومين من الظلم ، حتى أكده بإعادة ذكره ، مع مقابلته بضده ، وهو ما يقاتل الكفار لأجله ، فقال :
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : الْخِطَابُ لِضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - لَا لِلْمُنَافِقِينَ - وَالْمُسْتَضْعَفُونَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمَحْصُورُونَ فِي
مَكَّةَ يَضْطَهِدُهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَيَظْلِمُونَهُمْ ، وَقَدْ جَعَلَ لَهُمْ سَبِيلًا خَاصًّا عَطَفَهُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِنَا لَهُ ، وَالنُّكْتَةُ فِيهِ إِثَارَةُ النَّخْوَةِ ، وَهَزُّ الْأَرْيَحِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ ، وَإِيقَاظُ شُعُورِ الْأَنَفَةِ وَالرَّحْمَةِ ; وَلِذَلِكَ مَثَّلَ حَالَهُمْ بِمَا يَدْعُو إِلَى نُصْرَتِهِمْ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75nindex.php?page=treesubj&link=28975الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلْيًا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ، أَقُولُ : بَيَّنَ أَنَّهُمْ فَقَدُوا مِنْ قَوْمِهِمْ - لِأَجْلِ دِينِهِمْ - كُلَّ عَوْنٍ وَنَصِيرٍ ، وَحُرِمُوا كُلَّ مُغِيثٍ وَظَهِيرٍ ، فَهُمْ لِتَقَطُّعِ أَسْبَابِ الرَّجَاءِ بِهِمْ يَسْتَغِيثُونَ رَبَّهُمْ ، وَيَدْعُونَهُ لِيُفَرِّجَ كَرْبَهُمْ ، وَيُخْرِجَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَهِيَ وَطَنُهُمْ لِظُلْمِ أَهْلِهَا لَهُمْ ، وَيُسَخِّرَ لَهُمْ بِعِنَايَتِهِ الْخَاصَّةِ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ لِيُهَاجِرُوا إِلَيْكُمْ وَيَتَّصِلُوا بِكُمْ ; فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28802رَابِطَةَ الْإِيمَانِ أَقْوَى مِنْ رَوَابِطِ الْأَنْسَابِ وَالْأَوْطَانِ ، وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ لَا حَظَّ لَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ فَلْيَكُنْ كُلٌّ مِنْكُمْ وَلِيًّا لَهُمْ وَنَصِيرًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مُشْرِكُو
مَكَّةَ مِنْ ظُلْمِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْذِيبِهِمْ لِيَرُدُّوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ فِي تَفْسِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ( 2 : 191 ) ، مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، حَتَّى كَانَ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=29300_29301سَبَبَ الْهِجْرَةِ وَمَا كُلُّ أَحَدٍ قَدَرَ عَلَى الْهِجْرَةِ ، فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَاجَرَا لَيْلًا ، وَلَوْ ظَفِرُوا بِهِمَا لَقَتَلُوهُمَا إِنِ اسْتَطَاعُوا ، وَكَانُوا يَصُدُّونَ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْهِجْرَةِ ، وَيُعَذِّبُونَ مُرِيدَهَا عَذَابًا نُكْرًا ، وَمَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=7920_7923سَبَبُ شَرْعِ الْقِتَالِ إِلَّا عَدَمَ حُرِّيَّةِ الدِّينِ ، وَظُلْمَ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ ، وَمَا أَفَاضَتْ بِهِ الْآيَاتُ مِنْ بَيَانِهِ ، يَقُولُ الْجَاهِلُونَ وَالْمُتَجَاهِلُونَ : إِنَّ الْإِسْلَامَ نُشِرَ بِالسَّيْفِ وَالْقُوَّةِ ، فَأَيْنَ كَانَتِ الْقُوَّةُ مِنْ أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ ؟ !
الْقِتَالُ فِي نَفْسِهِ أَمْرٌ قَبِيحٌ ، وَلَا يُجِيزُ الْعَقْلُ السَّلِيمُ ارْتِكَابَ الْقَبِيحِ إِلَّا لِإِزَالَةِ شَرٍّ أَقْبَحَ مِنْهُ ، وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا وَغَايَاتِهَا ، وَلِذَلِكَ بَيَّنَ الْقُرْآنُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ
nindex.php?page=treesubj&link=7919حِكْمَةَ الْقِتَالِ وَكَوْنِهِ لِلضَّرُورَةِ وَإِزَالَةِ الْمَفْسَدَةِ ، وَإِدَالَةِ الْمَصْلَحَةِ ، وَلَمْ يَكْتَفِ هُنَا بِبَيَانِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كَوْنِ الْقِتَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهِيَ سَبِيلُ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، وَإِنْقَاذِ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظُّلْمِ ، حَتَّى أَكَّدَهُ بِإِعَادَةِ ذِكْرِهِ ، مَعَ مُقَابَلَتِهِ بِضِدِّهِ ، وَهُوَ مَا يُقَاتِلُ الْكُفَّارُ لِأَجْلِهِ ، فَقَالَ :