والله عزيز حكيم والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير
لما ذكر سبحانه حكم من يأخذ المال جهارا وهو المحارب ، عقبه بذكر من يأخذ المال خفية وهو السارق ، وذكر السارقة مع السارق لزيادة البيان ؛ لأن غالب القرآن الاقتصار على الرجال في تشريع الأحكام ، وقد اختلف أئمة النحو في خبر السارق والسارقة هل هو مقدر أم هو فاقطعوا ؟ فذهب إلى الأول ، وقال تقديره : فيما فرض عليكم أو فيما يتلى عليكم السارق والسارقة ؛ أي : حكمهما ، وذهب سيبويه المبرد إلى الثاني ، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ؛ إذ المعنى : الذي سرق والتي سرقت ، وقرئ ( والسارق والسارقة ) بالنصب على تقدير ( اقطعوا ) ، ورجح هذه القراءة والزجاج ، قال : الوجه في كلام العرب النصب كما تقول زيدا اضربه ، ولكن العامة أبت إلا الرفع ، يعني عامة القراء ، والسرقة بكسر الراء اسم الشيء المسروق والمصدر من سرق يسرق سرقا ، قاله سيبويه الجوهري : وهو أخذ الشيء في خفية من الأعين ، ومنه استرق السمع ، وسارقه النظر .
قوله : ( فاقطعوا ) القطع معناه الإبانة والإزالة ، وجمع الأيدي لكراهة الجمع بين تثنيتين ، وقد بينت السنة المطهرة أن الرسغ ، وقال قوم : يقطع من المرفق ، وقال موضع القطع الخوارج : من المنكب .
، والسرقة لا بد أن تكون ربع دينار فصاعدا كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة ، وقد ذهب إلى اعتبار الربع الدينار الجمهور ، وذهب قوم إلى التقدير بعشرة دراهم ، وذهب الجمهور إلى اعتبار الحرز ، وقال الحسن البصري إذا جمع الثياب في البيت قطع ، وقد أطال الكلام في بحث السرقة أئمة الفقه وشراح الحديث بما لا يأتي التطويل به هاهنا بكثير فائدة . ولا بد أن تكون من حرز
قوله : ( جزاء بما كسبا ) مفعول له ؛ أي : فاقطعوا للجزاء ، أو مصدر مؤكد لفعل محذوف ؛ أي : فجاوزهما جزاء ، والباء سببية ، وما مصدرية ؛ أي : بسبب كسبهما ، أو موصولة ؛ أي : جزاء بالذي كسباه من السرقة .
وقوله : ( نكالا ) بدل من ( جزاء ) وقيل : هو علة للجزاء : والجزاء علة للقطع ، يقال نكلت به : إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل .
قوله : فإن الله يتوب عليه ولكن اللفظ عام فيشمل السارق وغيره من المذنبين ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
وقد استدل [ ص: 372 ] بهذا عطاء وجماعة على أن القطع يسقط بالتوبة ، وليس هذا الاستدلال بصحيح ؛ لأن هذه الجملة الشرطية لا تفيد إلا مجرد قبول التوبة ، وإن الله يتوب على من تاب ، وليس فيها ما يفيد أنه لا قطع على التائب ، وقد كان في زمن النبوة يأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم - من وجب عليه حد - تائبا عن الذنب الذي ارتكبه طالبا لتطهيره بالحد ، فيحده النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه أنه قال للسارق بعد قطعه : تب إلى الله ، ثم قال : تاب الله عليك من حديث الدارقطني . وأخرج أبي هريرة أحمد وغيره ، أن هذه الآية نزلت في المرأة التي كانت تسرق المتاع ، لما قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد قطعها : هل لي من توبة ، وقد ورد في السنة ما يدل على أن الحدود إذا رفعت إلى الأئمة وجبت وامتنع إسقاطها .
قوله : ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض هذا الاستفهام للإنكار مع تقرير العلم وهو كالعنوان لقوله : يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء أي : من كان له ملك السماوات والأرض ، فهو قادر على هذا التعذيب الموكول إلى المشيئة والمغفرة الموكولة إليها ، وقد أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : جزاء بما كسبا نكالا من الله قال : لا ترثوا لهم فيه ، فإنه أمر الله الذي أمر به .
قال : وذكر لنا أن كان يقول : اشتدوا على الفساق واجعلوهم يدا يدا ورجلا رجلا . وأخرج عمر بن الخطاب عبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه يقول : الحد كفارته ، والأحاديث في قدر نصاب السرقة وفي سائر ما يتعلق بتفاصيل هذا الحد مذكورة في كتب الحديث فلا نطيل بذلك .