الثالث : : خطاب الخاص والمراد به العموم
كقوله - تعالى - : ياأيها النبي إذا طلقتم النساء ( الطلاق : 1 ) فافتتح الخطاب بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد سائر من يملك الطلاق .
ومنه قوله - تعالى - : [ ص: 350 ] ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ( الأحزاب : 50 ) .
وقال : كان ابتداء الخطاب له ، فلما قال في الموهوبة : أبو بكر الصيرفي خالصة لك ( الأحزاب : 50 ) علم أن ما قبلها له ولغيره - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله - تعالى - : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ( النساء : 102 ) وجرى أبو يوسف على الظاهر ، فقال : إن صلاة الخوف من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأجاب الجمهور : بأنه لم يذكر ( فيهم ) على أنه شرط بل على أنه صفة حال ، والأصل في الخطاب أن يكون لمعين .
وقد يخرج على غير معين ليفيد العموم ؛ كقوله - تعالى - : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات ( البقرة : 25 ) وفائدته الإيذان بأنه خليق بأن يؤمر به كل أحد ليحصل مقصوده الجميل .
وكقوله : ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ( سبأ : 51 ) أخرج في صورة الخطاب لما أريد العموم للقصد إلى تفظيع حالهم ، وأنها تناهت في الظهور حتى امتنع خفاؤها ، فلا نخص بها رؤية راء ، بل كل من يتأتى منه الرؤية داخل في هذا الخطاب ، كقوله - تعالى - : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ( الإنسان : 20 ) لم يرد به مخاطب معين ، بل عبر بالخطاب ليحصل لكل واحد فيه مدخل ؛ مبالغة فيما قصد الله من وصف ما في ذلك المكان من النعيم والملك ، ولبناء الكلام في الموضعين على العموم لم يجعل لـ ( ترى ) ولا لـ ( رأيت ) مفعولا ظاهرا ولا مقدرا ليشيع ويعم .
وأما قوله - تعالى - : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ( السجدة : 12 ) [ ص: 351 ] فقيل : إنه من هذا الباب ، ومنعه قوم ، وقال : الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولو للتمني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالترجي في : لعلهم يهتدون ( الأنبياء : 31 ) لأنه تجرع من عداوتهم الغصص ، فجعله الله كأنه تمنى أن يراهم على تلك الحالة الفظيعة ، من نكس الرءوس صما عميا ليشمت بهم . ويجوز أن تكون ( لو ) امتناعية ، وجوابها محذوف ؛ أي لرأيت أسوأ حال يرى .