26 - بلى
لها موضعان :
أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28905تكون ردا لنفي يقع قبلها كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم ( النحل : 28 ) أي عملتم السوء . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38لا يبعث الله من يموت بلى ( النحل : 38 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ( آل عمران : 75 ) ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=76بلى ( آل عمران : 76 ) أي عليهم سبيل .
والثاني أن تقع جوابا لاستفهام ، دخل عليه نفي حقيقة فيصير معناها
nindex.php?page=treesubj&link=28905التصديق لما قبلها ، كقولك : ألم أكن صديقك ؟ ألم أحسن إليك ؟ فتقول : بلى . أي كنت صديقي . ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8ألم يأتكم نذير nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قالوا بلى قد جاءنا نذير ( الملك : 8 - 9 ) ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172ألست بربكم قالوا بلى ( الأعراف : 172 ) أي أنت ربنا فهي في هذا الأصل تصديق لما قبلها ، وفي الأول رد لما قبلها وتكذيب .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=14ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ( الحديد : 14 ) أي كنتم معنا . ويجوز أن يقرن النفي بالاستفهام مطلقا ، أعم من
[ ص: 230 ] الحقيقي والمجازي ، فالحقيقي كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=80أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ( الزخرف : 80 )
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى ( القيامة : 3 - 4 ) .
ثم قال الجمهور : التقدير : بل نحييها قادرين ، لأن الحساب إنما يقع من الإنسان على نفي جمع العظام ، وبلى إثبات فعل النفي فينبغي أن يكون الجمع بعدها مذكورا على سبيل الإيجاب .
وقال
الفراء : التقدير فلنحيها قادرين ، لدلالة " أيحسب " عليه ، وهو ضعيف ; لأن بلى حينئذ لم تثبت ما نفي من قبل التقدير " بل نقدر " وهو ضعيف ؛ لأنه عدول عن مجيء الجواب على نمط السؤال .
والمجازي كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172ألست بربكم قالوا بلى ( الأعراف : 172 ) فإن الاستفهام هنا ليس على حقيقته ، بل هو للتقرير لكنهم أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى .
وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لو قالوا نعم لكفروا ، ووجهه أن نعم تصديق لما بعد الهمزة نفيا كان أو إثباتا .
ونازع
السهيلي وغيره في المحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من وجه أن الاستفهام التقريري إثبات قطعا ، وحينئذ فنعم في الإيجاب تصديق له ، فهلا أجيب بما أجيب به الإيجاب ! فإن قولك : ألم أعطك درهما ! بمنزلة أعطيتك .
والجواب من أوجه :
[ ص: 231 ] أحدها : ذكره
الصفار ، أن المقرر قد يوافقه المقرر فيما يدعيه ، وقد لا . فلو قيل في جواب ألم أعطك ؟ " نعم " ، لم يدر هل أراد نعم لم تعطني ، فيكون مخالفا للمقرر ، أو نعم أعطيتني فيكون موافقا ، فلما كان يلتبس أجابوا على اللفظ ، ولم يلتفتوا إلى المعنى .
الثاني : وبه تخلص بعضهم فقال : إذا أتت بعد كلام منفي فتارة تكون جوابا ، وتارة لا تكون ، فإن كان جوابا فواضح ، وإن كان لغير الجواب لم يكن كذلك .
قال :
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس إنما قال : لو قالوا في الجواب نعم كفروا ; لأن الجواب لست ربنا ، ولو قالوا في التصديق نعم ، لكان محض الإيمان أي نعم أنت ربنا .
وتلخص أن الذي منعه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كون نعم جوابا ، وإن كان جوابا فهي تصديق لما بعد ألف الاستفهام ، والذين أجازوا إنما هو على أن يكون غير جواب .
تنبيهات
الأول : ما ذكرنا من كون
nindex.php?page=treesubj&link=28905بلى إنما يجاب بها النفي هو الأصل ، وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=59بلى قد جاءتك آياتي ( الزمر : 59 ) فإنه لم يتقدمها نفي لفظا لكنه مقدر ، فإن معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=57لو أن الله هداني ( الزمر : 57 ) ما هداني ، فلذلك أجيب ببلى التي هي جواب النفي المعنوي ، ولذلك حققه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=59قد جاءتك آياتي ( الزمر : 59 ) وهي من أعظم الهدايات .
ومثله :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين ( القيامة : 4 ) فإنه سبق نفي وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3ألن نجمع عظامه ( القيامة : 4 ) فجاءت الآية على جهة التوبيخ لهم في اعتقادهم أن الله لا يجمع عظامهم ، فرد عليهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين ( القيامة : 4 ) .
[ ص: 232 ] وقال
ابن عطية : حق " بلى " أن تجيء بعد نفي عليه تقرير ، وهذا القيد الذي ذكره في النفي لم يذكره غيره ، وأطلق النحويون أنها جواب النفي .
وقال الشيخ
أثير الدين : حقها أن تدخل على النفي ، ثم حمل التقرير على النفي ، ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب ، وأجابه بنعم .
وسأل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هلا قرن الجواب بما هو جواب له ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=57أن الله هداني ( الزمر : 57 ) ، وأجاب بأنه إن تقدم على إحدى القرائن الثلاث فرق بينهن وبين النظم ، فلم يحسن ، وإن تأخرت القرينة الوسطى نقض الترتيب وهو التحسر على التفريط في الطاعة ، ثم التعليل بفقد الهداية ، ثم تمني الرجعة ، فكان الصواب ما جاء عليه وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ، ثم أجاب عما اقتضى الجواب من بينها .
الثاني : اعلم أنك متى رأيت
nindex.php?page=treesubj&link=28905بلى أو نعم بعد كلام يتعلق بها تعلق الجواب ، وليس قبلها ما يصلح أن يكون جوابا له ، فاعلم أن هناك سؤالا مقدرا ، لفظه لفظ الجواب ، ولكنه اختصر وطوي ذكره ، علما بالمعنى كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ( البقرة : 112 ) فقال المجيب : بلى ، ويعاد السؤال في الجواب .
وكذا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ( البقرة : 81 ) ليست بلى فيه جوابا لشيء قبلها ، بل ما قبلها دال على ما هي جواب له ، والتقدير : ليس من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته خالدا في النار أو يخلد في النار ، فجوابه الحق بلى .
[ ص: 233 ] وقد يكتفى بذكر بعض الجواب دالا على باقيه ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين ( القيامة : 4 ) أي بلى نجمعها قادرين ، فذكر الجملة بمثابة ذكر الجزاء من الجملة ، وكان عنها من القواعد النافعة : أن الجواب إما أن يكون لملفوظ به أو مقدر .
فإن كان لمقدر ، فالجواب بالكلام ، كقولك لمن تقدره مستفهما عن قيام زيد : قام زيد ، أو لم يقم زيد ، ولا يجوز أن تقول : " نعم " ولا " لا " لأنه لا يعلم ما يعني بذلك ، وإن كان الجواب لملفوظ به فإن أردت التصديق قلت : " نعم " . وفي تكذيبه : " بلى " فتقول في جواب من قال : أما قام زيد ؟ نعم . إذا صدقته ، وبلى إذا كذبته .
وكذلك إذا أدخلت أداة الاستفهام على النفي ، ولم ترد التقرير ، بل أبقيت الكلام على نفيه ، فتقول في تصديق النفي : نعم وفي تكذيبه : بلى ، نحو : ألم يقم زيد ؟ فتقول في تصديق النفي : نعم وفي تكذيبه : بلى . ولا يجوز في هذا الموضع أن ترد . . . . . مخافة اللبس لاحتمال أن يكون المعنى تكذيبه أو تصديقه فلهذا تعين بلى ، لأن المعنى تكذيبه ، فإن يكن جوابا لبقي صريح " بل " لا بجواب محض كان ردا وتصديقه بنعم ، فإذا قيل قام زيد ، فإن كذبته قلت " لا " وإن صدقته قلت : نعم .
الثالث : يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=28905الإثبات والحذف بعد بلى فالإثبات كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8ألم يأتكم نذير nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قالوا بلى قد جاءنا نذير ( الملك : 8 - 9 ) . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ( سبأ : 3 ) .
[ ص: 234 ] ومن الحذف قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=124بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=125بلى إن تصبروا ( آل عمران : 124 - 125 ) فالفعل المحذوف بعد بلى في هذا الموضع يكفيكم ، أي بلى يكفيكم إن تصبروا .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=260أولم تؤمن قال بلى ( البقرة : 260 ) أي قد آمنت . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ( البقرة : 80 ) ثم قال : بلى ، أي تمسسكم أكثر من ذلك . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( البقرة : 111 ) ثم قال : بلى ، أي يدخلها غيرهم . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=14ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ( الحديد : 14 ) .
وقد تحذف بلى وما بعدها ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=75قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( الكهف : 75 ) أي بلى قلت لي .
26 - بَلَى
لَهَا مَوْضِعَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28905تَكُونَ رَدًّا لِنَفْيٍ يَقَعُ قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ ( النَّحْلِ : 28 ) أَيْ عَمِلْتُمُ السُّوءَ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى ( النَّحْلِ : 38 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ( آلِ عِمْرَانَ : 75 ) ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=76بَلَى ( آلِ عِمْرَانَ : 76 ) أَيْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ .
وَالثَّانِي أَنْ تَقَعَ جَوَابًا لِاسْتِفْهَامِ ، دَخَلَ عَلَيْهِ نَفْيُ حَقِيقَةٍ فَيَصِيرُ مَعْنَاهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28905التَّصْدِيقَ لِمَا قَبْلَهَا ، كَقَوْلِكَ : أَلَمْ أَكُنْ صَدِيقَكَ ؟ أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ ؟ فَتَقُولُ : بَلَى . أَيْ كُنْتَ صَدِيقِي . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ ( الْمُلْكِ : 8 - 9 ) وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ( الْأَعْرَافِ : 172 ) أَيْ أَنْتَ رَبُّنَا فَهِيَ فِي هَذَا الْأَصْلِ تَصْدِيقٌ لِمَا قَبْلَهَا ، وَفِي الْأَوَّلِ رَدٌّ لِمَا قَبْلَهَا وَتَكْذِيبٌ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=14يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى ( الْحَدِيدِ : 14 ) أَيْ كُنْتُمْ مَعَنَا . وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَنَ النَّفْيُ بِالِاسْتِفْهَامِ مُطْلَقًا ، أَعَمُّ مِنَ
[ ص: 230 ] الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ، فَالْحَقِيقِيُّ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=80أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى ( الزُّخْرُفِ : 80 )
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى ( الْقِيَامَةِ : 3 - 4 ) .
ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ : التَّقْدِيرُ : بَلْ نُحْيِيهَا قَادِرِينَ ، لِأَنَّ الْحِسَابَ إِنَّمَا يَقَعُ مِنَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْيِ جَمْعِ الْعِظَامِ ، وَبَلَى إِثْبَاتُ فِعْلِ النَّفْيِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَعْدَهَا مَذْكُورًا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ .
وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : التَّقْدِيرُ فَلْنُحْيِهَا قَادِرِينَ ، لِدَلَالَةِ " أَيَحْسَبُ " عَلَيْهِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ بَلَى حِينَئِذٍ لَمْ تُثْبِتْ مَا نُفِيَ مِنْ قَبْلِ التَّقْدِيرِ " بَلْ نَقْدِرُ " وَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ مَجِيءِ الْجَوَابِ عَلَى نَمَطِ السُّؤَالِ .
وَالْمَجَازِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ( الْأَعْرَافِ : 172 ) فَإِنَّ الِاسْتِفْهَامَ هُنَا لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيرِ لَكِنَّهُمْ أَجْرَوُا النَّفْيَ مَعَ التَّقْرِيرِ مَجْرَى النَّفْيِ الْمُجَرَّدِ فِي رَدِّهِ بِبَلَى .
وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَوْ قَالُوا نَعَمْ لَكَفَرُوا ، وَوَجْهُهُ أَنَّ نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِمَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ نَفْيًا كَانَ أَوْ إِثْبَاتًا .
وَنَازَعَ
السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَحْكِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهِ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ التَّقْرِيرِيَّ إِثْبَاتٌ قَطْعًا ، وَحِينَئِذٍ فَنَعَمْ فِي الْإِيجَابِ تَصْدِيقٌ لَهُ ، فَهَلَّا أُجِيبَ بِمَا أُجِيبَ بِهِ الْإِيجَابُ ! فَإِنَّ قَوْلَكَ : أَلَمْ أُعْطِكَ دِرْهَمًا ! بِمَنْزِلَةِ أَعْطَيْتُكَ .
وَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ :
[ ص: 231 ] أَحَدُهَا : ذَكَرَهُ
الصَّفَّارُ ، أَنَّ الْمُقَرِّرَ قَدْ يُوَافِقُهُ الْمُقَرَّرُ فِيمَا يَدَّعِيهِ ، وَقَدْ لَا . فَلَوْ قِيلَ فِي جَوَابِ أَلَمْ أُعْطِكَ ؟ " نَعَمْ " ، لَمْ يُدْرَ هَلْ أَرَادَ نَعَمْ لَمْ تُعْطِنِي ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمُقَرِّرِ ، أَوْ نَعَمْ أَعْطَيْتَنِي فَيَكُونُ مُوَافِقًا ، فَلَمَّا كَانَ يَلْتَبِسُ أَجَابُوا عَلَى اللَّفْظِ ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الْمَعْنَى .
الثَّانِي : وَبِهِ تَخَلَّصَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : إِذَا أَتَتْ بَعْدَ كَلَامٍ مَنْفِيٍّ فَتَارَةً تَكُونُ جَوَابًا ، وَتَارَةً لَا تَكُونُ ، فَإِنْ كَانَ جَوَابًا فَوَاضِحٌ ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْجَوَابِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ .
قَالَ :
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا قَالَ : لَوْ قَالُوا فِي الْجَوَابِ نَعَمْ كَفَرُوا ; لَأَنَّ الْجَوَابَ لَسْتَ رَبَّنَا ، وَلَوْ قَالُوا فِي التَّصْدِيقِ نَعَمْ ، لَكَانَ مَحْضَ الْإِيمَانِ أَيْ نَعَمْ أَنْتَ رَبُّنَا .
وَتَلَخَّصَ أَنَّ الَّذِي مَنَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ كَوْنُ نَعَمْ جَوَابًا ، وَإِنْ كَانَ جَوَابًا فَهِيَ تَصْدِيقٌ لِمَا بَعْدَ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَالَّذِينَ أَجَازُوا إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَوَابٍ .
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ : مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28905بَلَى إِنَّمَا يُجَابُ بِهَا النَّفْيُ هُوَ الْأَصْلُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=59بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي ( الزُّمَرِ : 59 ) فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا نَفْيٌ لَفْظًا لَكِنَّهُ مُقَدَّرٌ ، فَإِنَّ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=57لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي ( الزُّمَرِ : 57 ) مَا هَدَانِي ، فَلِذَلِكَ أُجِيبَ بِبَلَى الَّتِي هِيَ جَوَابُ النَّفْيِ الْمَعْنَوِيِّ ، وَلِذَلِكَ حَقَّقَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=59قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي ( الزُّمَرِ : 59 ) وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْهِدَايَاتِ .
وَمِثْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ ( الْقِيَامَةِ : 4 ) فَإِنَّهُ سَبَقَ نَفْيٌ وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ( الْقِيَامَةِ : 4 ) فَجَاءَتِ الْآيَةُ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ لَهُمْ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ عِظَامَهُمْ ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ ( الْقِيَامَةِ : 4 ) .
[ ص: 232 ] وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : حَقُّ " بَلَى " أَنْ تَجِيءَ بَعْدَ نَفْيٍ عَلَيْهِ تَقْرِيرٌ ، وَهَذَا الْقَيْدُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي النَّفْيِ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ ، وَأَطْلَقَ النَّحْوِيُّونَ أَنَّهَا جَوَابُ النَّفْيِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ
أَثِيرُ الدِّينِ : حَقُّهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى النَّفْيِ ، ثُمَّ حَمْلُ التَّقْرِيرِ عَلَى النَّفْيِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعَرَبِ ، وَأَجَابَهُ بِنَعَمْ .
وَسَأَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هَلَّا قُرِنَ الْجَوَابُ بِمَا هُوَ جَوَابٌ لَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=57أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي ( الزُّمَرِ : 57 ) ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ إِنْ تَقَدَّمَ عَلَى إِحْدَى الْقَرَائِنِ الثَّلَاثِ فُرِقَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ النَّظْمِ ، فَلَمْ يَحْسُنْ ، وَإِنْ تَأَخَّرَتِ الْقَرِينَةُ الْوُسْطَى نُقِضَ التَّرْتِيبُ وَهُوَ التَّحَسُّرُ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي الطَّاعَةِ ، ثُمَّ التَّعْلِيلُ بِفَقْدِ الْهِدَايَةِ ، ثُمَّ تَمَنِّي الرَّجْعَةِ ، فَكَانَ الصَّوَابُ مَا جَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ حَكَى أَقْوَالَ النَّفْسِ عَلَى تَرْتِيبِهَا وَنَظْمِهَا ، ثُمَّ أَجَابَ عَمَّا اقْتَضَى الْجَوَابُ مِنْ بَيْنِهَا .
الثَّانِي : اعْلَمْ أَنَّكَ مَتَى رَأَيْتَ
nindex.php?page=treesubj&link=28905بَلَى أَوْ نَعَمْ بَعْدَ كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا تَعَلُّقَ الْجَوَابِ ، وَلَيْسَ قَبْلَهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لَهُ ، فَاعْلَمْ أَنَّ هُنَاكَ سُؤَالًا مُقَدَّرًا ، لَفْظُهُ لَفْظُ الْجَوَابِ ، وَلَكِنَّهُ اخْتُصِرَ وَطُوِيَ ذِكْرُهُ ، عِلْمًا بِالْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ( الْبَقَرَةِ : 112 ) فَقَالَ الْمُجِيبُ : بَلَى ، وَيُعَادُ السُّؤَالُ فِي الْجَوَابِ .
وَكَذَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ( الْبَقَرَةِ : 81 ) لَيْسَتْ بَلَى فِيهِ جَوَابًا لِشَيْءٍ قَبْلَهَا ، بَلْ مَا قَبْلَهَا دَالٌّ عَلَى مَا هِيَ جَوَابٌ لَهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : لَيْسَ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ خَالِدًا فِي النَّارِ أَوْ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ، فَجَوَابُهُ الْحَقُّ بَلَى .
[ ص: 233 ] وَقَدْ يُكْتَفَى بِذِكْرِ بَعْضِ الْجَوَابِ دَالًّا عَلَى بَاقِيهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ ( الْقِيَامَةِ : 4 ) أَيْ بَلَى نَجْمَعُهَا قَادِرِينَ ، فَذِكْرُ الْجُمْلَةِ بِمَثَابَةِ ذِكْرِ الْجَزَاءِ مِنَ الْجُمْلَةِ ، وَكَانَ عَنْهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ النَّافِعَةِ : أَنَّ الْجَوَابَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَلْفُوظٍ بِهِ أَوْ مُقَدَّرٍ .
فَإِنْ كَانَ لِمُقَدَّرٍ ، فَالْجَوَابُ بِالْكَلَامِ ، كَقَوْلِكَ لِمَنْ تُقَدِّرُهُ مُسْتَفْهِمًا عَنْ قِيَامِ زَيْدٍ : قَامَ زَيْدٌ ، أَوْ لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ : " نَعَمْ " وَلَا " لَا " لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا يَعْنِي بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ لِمَلْفُوظٍ بِهِ فَإِنْ أَرَدْتَ التَّصْدِيقَ قُلْتَ : " نَعَمْ " . وَفِي تَكْذِيبِهِ : " بَلَى " فَتَقُولُ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ : أَمَا قَامَ زَيْدٌ ؟ نَعَمْ . إِذَا صَدَّقْتَهُ ، وَبَلَى إِذَا كَذَّبْتَهُ .
وَكَذَلِكَ إِذَا أَدْخَلْتَ أَدَاةَ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى النَّفْيِ ، وَلَمْ تُرِدِ التَّقْرِيرَ ، بَلْ أَبْقَيْتَ الْكَلَامَ عَلَى نَفْيِهِ ، فَتَقُولُ فِي تَصْدِيقِ النَّفْيِ : نَعَمْ وَفِي تَكْذِيبِهِ : بَلَى ، نَحْوُ : أَلَمْ يَقُمْ زَيْدٌ ؟ فَتَقُولُ فِي تَصْدِيقِ النَّفْيِ : نَعَمْ وَفِي تَكْذِيبِهِ : بَلَى . وَلَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ تَرِدَ . . . . . مَخَافَةَ اللَّبْسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى تَكْذِيبَهُ أَوْ تَصْدِيقَهُ فَلِهَذَا تَعَيَّنَ بَلَى ، لِأَنَّ الْمَعْنَى تَكْذِيبُهُ ، فَإِنْ يَكُنْ جَوَابًا لَبَقِيَ صَرِيحُ " بَلْ " لَا بِجَوَابٍ مَحْضٍ كَانَ رَدًّا وَتَصْدِيقُهُ بِنَعَمْ ، فَإِذَا قِيلَ قَامَ زَيْدٌ ، فَإِنْ كَذَّبْتَهُ قُلْتَ " لَا " وَإِنْ صَدَّقْتَهُ قُلْتَ : نَعَمْ .
الثَّالِثُ : يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=28905الْإِثْبَاتُ وَالْحَذْفُ بَعْدَ بَلَى فَالْإِثْبَاتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ ( الْمُلْكِ : 8 - 9 ) . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ( سَبَأٍ : 3 ) .
[ ص: 234 ] وَمِنَ الْحَذْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=124بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=125بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا ( آلِ عِمْرَانَ : 124 - 125 ) فَالْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ بَعْدَ بَلَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَكْفِيكُمْ ، أَيْ بَلَى يَكْفِيكُمْ إِنْ تَصْبِرُوا .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=260أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى ( الْبَقَرَةِ : 260 ) أَيْ قَدْ آمَنْتُ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ( الْبَقَرَةِ : 80 ) ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، أَيْ تَمْسَسْكُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ( الْبَقَرَةِ : 111 ) ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، أَيْ يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=14يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى ( الْحَدِيدِ : 14 ) .
وَقَدْ تُحْذَفُ بَلَى وَمَا بَعْدَهَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=75قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ( الْكَهْفِ : 75 ) أَيْ بَلَى قُلْتَ لِي .