تقدم أن شرط المد حرفه ، وأن سببه موجبه .
( فالشرط ) قد يكون لازما فيلزم في كل حال نحو : ( أولئك ، و قالوا آمنا ، و الحاقة ) أو يرد على الأصل نحو : ( وأمره إلى الله ، بعضهم إلى بعض ، به إليكم ) . وقد يكون عارضا فيأتي في بعض الأحوال نحو ( ملجأ ) حالة الوقف ، أو يجيء على غير الأصل نحو ( أأنتم ) عند من فصل ، ونحو ( أألد ، أأمنتم من ، و من السماء إلى ) عند من أبدل الثانية ، وقد يكون ثابتا فلا يتغير عن حالة السكون ، وقد يكون مغيرا نحو ( يضيء ) ، و ( سوء ) في وقف حمزة وهشام ، وقد يكون قويا فتكون حركة ما قبله من جنسه ، وقد يكون ضعيفا فيخالف حركة ما قبله من جنسه . وكذلك السبب قد يكون لازما نحو ( أتحاجوني ) [ ص: 351 ] و ( إسرائيل ) ، وقد يكون عارضا نحو ( والنجوم مسخرات ) حالة الإدغام والوقف و ( اؤتمن ) حالة الابتداء . وقد يكون مغيرا نحو ( الم الله حالة الوصل ) و ( هؤلاء إن ) حالة الوصل عند البزي وأبي عمرو وحالة الوقف عند حمزة ، وقد يكون قويا ، وقد يكون ضعيفا ، والقوة والضعف في السبب يتفاضل ، فأقواه ما كان لفظيا ، ثم أقوى اللفظي ما كان ساكنا أو متصلا وأقوى الساكن ما كان لازما ، وأضعفه ما كان عارضا . وقد يتفاضل عند بعضهم لزوما وعروضا ، فأقواه ما كان مدغما كما تقدم ويتلو الساكن العارض ما كان منفصلا ، ويتلوه ما تقدم الهمز فيه على حرف المد ، وهو أضعفها . وإنما قلنا : اللفظي أقوى من المعنوي ؛ لإجماعهم عليه ، وكان الساكن أقوى من الهمز ; لأن المد فيه يقوم مقام الحركة ، فلا يتمكن من النطق بالساكن بحقه إلا بالمد ; ولذلك اتفق الجمهور على مده قدرا واحدا ، وكان أقوى من المتصل لذلك ، وكان المتصل أقوى من المنفصل لإجماعهم على مده ، وإن اختلفوا في قدره ، ولاختلافهم في مد المنفصل وقصره وكان المنفصل أقوى مما تقدم فيه الهمز لإجماع من اختلف في المد بعد الهمز على مد المنفصل ، فمتى اجتمع الشرط والسبب مع اللزوم والقوة لزم المد ووجب إجماعا ، ومتى تخلف أحدهما أو اجتمعا ضعيفين ، أو غير الشرط أو عرض ولم يقو السبب - امتنع المد إجماعا ، ومتى ضعف أحدهما ، أو عرض السبب ، أو غير - جاز المد وعدمه على خلاف بينهم في ذلك كما سيأتي مفصلا ، ومتى اجتمع سببان عمل بأقواهما ، وألغي أضعفهما إجماعا ، وهذا معنى قول الجعبري : إن القوي ينسخ حكم الضعيف ، ويتخرج على هذه القواعد مسائل :
( الأولى ) : لا يجوز مد نحو ( خلوا إلى ، و ابني آدم ) كما تقدم ، وذلك لضعف الشرط باختلاف حركة ما قبله والسبب بالانفصال ، ويجوز مد نحو ( سوءة ، و هيئة ) من طريق لورش الأزرق كما تقدم ؛ لقوة السبب بالاتصال كما يجوز مد " عين " و " هذين " في الحالين ونحو : الموت ، والليل وقفا لقوة السبب بالسكون .
( الثانية ) : لا يجوز المد في وقف [ ص: 352 ] حمزة وهشام على نحو ( وتذوقوا السوء ، وحتى تفيء ) حالة النقل إن وقف بالسكون ؛ لتغير حرف المد بنقل حركة الهمزة إليه ، ولا يقال إنه إذ ذاك حرف مد قبل همز مغير ; لأن الهمز لما زال حرك حرف المد ، ثم سكن حرف المد للوقف ، وأما قول السخاوي : وتقف على ( المسيء ) بإلقاء حركة الهمزة على الياء وحذف الهمزة ، ثم تسكن الياء للوقف ولا يسقط المد ; لأن الياء وإن زال سكونها فقد عاد إليها - فإن أراد المد الذي كان قبل النقل وهو الزيادة على المد الطبيعي فليس بجيد ; لأنه لا خلاف في إسقاطه ، وإن أراد المد الذي هو الصفة اللازمة قد عاد إلى الياء بعد أن لم يكن حالة حركتها بالنقل فمسلم ; لأنه يصير مثل ( هو وهي ) في الوقف من نحو قوله : ( وهو بكل ، وهي تجري ) ، وكذا قوله في ( ليسوءوا ) ، والله أعلم .
( الثالثة ) : لا يجوز عن من طريق ورش الأزرق مد نحو ( أألد ، أأمنتم من ، و " جاء أجلهم " ، و " السماء إلى " ، و " أولياء أولئك " ) حالة إبدال الهمزة الثانية حرف مد ، كما يجوز له مد نحو ( آمنوا ، وإيمان ) وأوتي لعروض حرف المد بالإبدال ، وضعف السبب لتقدمه على الشرط ، وقيل : للتكافؤ ، وذلك أن إبداله على غير الأصل من حيث إنه على غير قياس ، والمد أيضا غير الأصل ، فكافأ القصر الذي هو الأصل فلم يمد ، ويرد على هذا طردا نحو ( ملجأ ) فإن إبدال ألفه على الأصل وقصره إجماع ، ويرد عليه عكسا نحو ( أأنذرتهم ، و جاء أمرنا ) فإن إبدال ألفه على غير الأصل ومده إجماع ، فالأولى أن يقال : إن منع مده من ضعف سببه ليدخل نحو ( ملجأ ) لضعف السبب ، ويخرج نحو ( أأنذرتهم ) لقوته ، واختلف في نحو ( أأنتم ، و أينا ، و أأنزل ) في مذهب من أدخل بين الهمزتين ألفا من الألف فيها مفخمة جيء بها للفصل بين الهمزتين لثقل اجتماعهما ، فذهب بعضهم إلى الاعتداد بها ؛ لقوة سببية الهمز ، ووقوعه بعد حرف المد من كلمة ، فصار من باب المتصل ، وإن كانت عارضة كما اعتد بها من أبدل ومد لسببية السكون [ ص: 353 ] وهذا مذهب جماعة ، منهم أبو عبد الله بن شريح ، نص عليه في " الكافي " فقال في باب المد : فإن قيل : إن هشاما إذا استفهم وأدخل بين الهمزتين ألفا يمد الألف التي قبل الهمزة ، قيل : إنما يمد من أجل الهمزة الثانية ، فهو كـ ( خائفين ) ونحوه ( وقال ) في باب الهمزتين من كلمة : إن قالون وأبا عمرو وهشاما يدخلون بينهما ألفا فيمدون ، وهو ظاهر كلام " التيسير " في مسألة ( هاأنتم ) حيث قال : ومن جعلها - يعني الهاء - مبدلة وكان ممن يفصل بالألف زاد في التمكين سواء حقق الهمزة أو لينها ، وصرح بذلك في " جامع البيان " كما سيأتي مبينا عند ذكرها في باب الهمزة المفردة - إن شاء الله - وقال الأستاذ المحقق أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن أبي السداد المالقي في شرح " التيسير " من باب الهمزتين من كلمة ، عند قوله : وقالون وهشام وأبو عمرو يدخلونها - أي الألف - قال : فعلى هذا يلزم المد بين المحققة واللينة ، إلا أن مد هشام أطول ، ومد السوسي أقصر ، ومد قالون أوسط ، وكله من قبيل المد المتصل . ( قلت ) : إنما جعل مد والدوري السوسي أقصر ; لأنه يذهب إلى ظاهر كلام " التيسير " من جعل مراتب المتصل خمسة ، والدنيا منها لمن قصر المنفصل كما قدمنا ، وبزيادة المد قرأت من طريق " الكافي " في ذلك كله ، والله تعالى أعلم .
وذهب الجمهور إلى عدم الاعتداد بهذه الألف ؛ لعرضها ولضعف سببية الهمز عند السكون ، وهو مذهب العراقيين كافة وجمهور المصريين والشاميين والمغاربة ، وعامة أهل الأداء . وحكى بعضهم الإجماع عن ذلك ، قال الأستاذ فيما حكاه عنه أبو بكر بن مهران أبو الفخر حامد بن حسنويه الجاجاني في كتابه " حلية القراء " عند ذكره أقسام المد : أما مد الحجز ، ففي مثل قوله : ( أأنذرتهم ، و أؤنبئكم ، و " أإذا ) وأشباه ذلك ، قال : وإنما سمي مد الحجز ; لأنه أدخل بين الهمزتين حاجزا ، وذلك أن العرب تستثقل الجمع بين الهمزتين ، فتدخل بينهما مدة تكون حاجزة بينهما لإحداهما عن الأخرى ، قال : ومقداره ألف تامة بالإجماع ; لأن [ ص: 354 ] الحجز يحصل بهذا القدر ، ولا حاجة إلى الزيادة . انتهى ، وهو الذي يظهر من جهة النظر ; لأن المد إنما جيء به زيادة على حرف المد الثابت ؛ بيانا له وخوفا من سقوطه لخفائه ، واستعانة على النطق بالهمز بعده لصعوبته ، وإنما جيء بهذه الألف زائدة بين الهمزتين ؛ فصلا بينهما واستعانة على الإتيان بالثانية ، فزيادتها هنا كزيادة المد في حرف المد ، ثم فلا يحتاج إلى زيادة أخرى ، وهذا هو الأولى بالقياس والأداء ، والله تعالى أعلم .
( الرابعة ) يجوز المد وعدمه لعروض السبب ، ويقوى بحسب قوته ، ويضعف بحسب ضعفه ، فالمد في نحو : نستعين ، ويؤمنون ، وقفا عند من اعتد بسكونه أقوى منه في نحو ( إيذن ، و أؤتمن ) ابتداء عند من اعتد بهمزة ؛ لضعف سبب تقدم الهمز عن سكون الوقف ; ولذلك كان الأصح إجراء الثلاثة في الأول دون الثاني كما تقدم ، ومن ثم جرت الثلاثة في الوقف على ( ايت ) حالة الابتداء ؛ لقوة سبب السكون على سبب الهمز المتقدم ، والله أعلم .
( الخامسة ) يجوز المد وعدمه إذا غير سبب المد عن صفته التي من أجلها كان المد ، سواء كان السبب همزا أو سكونا ، وسواء كان تغيير الهمز بين بين ، أو بالإبدال ، أو بالنقل ، أو بالحذف كما سيأتي في الهمزتين من كلمتين ووقف حمزة وهشام وقراءة أبي جعفر ، وغير ذلك . فالمد لعدم الاعتداد بالعارض الذي آل إليه اللفظ واستصحاب حاله فيما كان أولا وتنزيل السبب المغير كالثابت والمعدوم - كالملفوظ والقصر اعتدادا بما عرض له من التغير والاعتبار بما صار إليه اللفظ . والمذهبان قويان ، والنظران صحيحان مشهوران معمول بهما نصا وأداء ، قرأت بهما جميعا ، والأول أرجح عند جماعة من الأئمة ، كأبي عمرو الداني وابن شريح وأبي العز القلانسي ، وغيرهم ، وحجتهم أن من مد عامل الأصل ، ومن قصر عامل اللفظ ، ومعاملة الأصل أوجه وأقيس ، وهذا اختيار والشاطبي ، الجعبري ، والتحقيق في ذلك أن يقال فيما ذهب بالتغير اعتباطا : هو الثاني ، وفيما بقي [ ص: 355 ] له أثر يدل عليه : هو الأول ؛ ترجيحا للموجود على المعدوم . فقد حكى أبو بكر الداجوني ، عن أحمد بن جبير وأصحابه ، عن نافع في الهمزتين المتفقتين نحو ( السماء أن تقع ) قال : يهمزون ولا يطولون ( السماء ) ولا يهمزونها ، وهذا نص منه على القصر من أجل الحذف ، وهو عين ما قلناه ، والله أعلم .
ومما يدل على صحة ما ذكرناه ، ترجيح المد على القصر لأبي جعفر في قراءته ( إسراييل ) ونحوه بالتليين ؛ لوجود أثر الهمزة ، ومنع المد في ( شركاي ) ونحوه في رواية من حذف الهمزة عن البزي لذهاب الهمزة ، وقد يعارض استصحاب الحكم مانع آخر ، فيترجح الاعتداد بالعارض ، أو يمتنع ألبتة ; ولذلك يستثني جماعة ممن لم يعتد بالعارض من طريق لورش الأزرق ( آلآن ) في موضعي يونس لعارض غلبه التخفيف بالنقل ; ولذلك خص نافع نقلها من أجل توالي الهمزات ، فأشبهت اللازم ، وقيل : لثقل الجمع بين المدين ، فلم يعتد بالثانية لحصول الثقل بها ، واستثنى الجمهور منهم ( عادا الأولى ) لغلبة التغيير ، وتنزيله بالإدغام منزلة اللازم ، وأجمعوا على استثناء ( يواخذ ) ؛ للزوم البدل ، ولذلك لم يجز في الابتداء بنحو ( الإيمان ، المولى ، آلآن ) سوى القصر لغلبة الاعتداد بالعارض كما قدمنا .
( تنبيه ) لا يجوز بهذه القاعدة إلا المد على استصحاب الحكم ، أو القصر على الاعتداد بالعارض ، ولا يجوز التوسط إلا برواية ، ولا نعلمها ، والفرق بين عروض الموجب وتغييره واضح سيأتي في التنبيه العاشر ، والله أعلم .
ويتخرج على ما قلناه فروع :
( الأول ) إذا قرئ لأبي عمرو ومن وافقه على نحو ( هؤلاء إن كنتم صادقين ) بحذف إحدى الهمزتين في وجه قصر المنفصل وقدر حذف الأولى فيها على مذهب الجمهور ، فالقصر فيها لانفصاله مع وجهي المد والقصر في ( أولاء إن كنتم ) لعروض الحذف وللاعتداد بالعارض ، فإذا قرئ في وجه المد المنفصل فالمد في ( ها ) مع المد في ( أولاء إن ) وجها واحدا ، ولا يجوز المد في ( ها ) مع قصر ( أولاء إن ) ; لأن ( أولاء ) لا يخلو من أن يقدر متصلا أو منفصلا ، فإن قدر منفصلا مد مع مد ( ها ) أو قصر مع قصرها ، وإن قدر متصلا [ ص: 356 ] مد مع قصر ( ها ) فلا وجه حينئذ لمد ( ها ) المتفق على انفصاله وقصر ( أولاء ) المختلف في اتصاله ، ويكون جميع ما فيها ثلاثة أوجه فحسب .
( الثاني ) إذا قرئ في هذا ونحوه ومن وافقه بتسهيل الأولى - فالأربعة أوجه المذكورة جائزة ، فمع قصر ( ها ) المد والقصر في ( لقالون أولاء ) ومع مد ( ها ) كذلك استصحابا للأصل إلا اعتدادا بالعارض ، إلا أن المد في ( ها ) مع القصر في ( أولاء ) يضعف باعتبار أن سبب الاتصال - ولو تغير - أقوى من الانفصال ؛ لإجماع من رأى قصر المنفصل على جواز مد المتصل ، وإن غير سببه دون العكس ، والله أعلم .
( الثالث ) إذا قرئ ( هانتم هؤلاء ) لأبي عمرو وقالون ، وقدر أن ( ها ) في ( هانتم ) للتنبيه ، فمن مد المنفصل عنهما جاز له في " هانتم " وجهان ؛ لتغير الهمز ، ومن قصره فلا يجوز له إلا القصر فيهما ، ولا يجوز مد ( ها ) من " هانتم " وقصر ( ها ) من ( هؤلاء ) إذ لا وجه له ، والله أعلم ، وسيأتي ذلك .
( الرابع ) إذا قرئ لحمزة وهشام في أحد وجهيه نحو ( هم السفهاء ، و من السماء ) وقفا في وجه الروم جاز المد والقصر على القاعدة ، وإذا قرئ بالبدل وقدر حذف المبدل فالمد على المرجوح والقصر على الأرجح من أجل الحذف ، وتظهر فائدة هذا الخلاف في نحو ( هؤلاء ) إذا وقف عليها بالروم لحمزة ، وسهلت الهمزة الأولى لتوسطها بعد الألف جاز في الألفين المد والقصر معا لتغير الهمزتين بعد حرفي المد ، ولا يجوز مد أحدهما وقصر الآخر من أجل التركيب ، وإن وقف بالبدل وقدر الحذف كما تقدم جاز في ألف ( ها ) الوجهان مع قصر ألف ( أولاء ) على الأرجح ؛ لبقاء أثر التغير في الأولى وذهابه إلى الثانية ، وجاز مدهما وقصرهما كما جاز في وجه الروم على وجه التفرقة بين ما بقي أثره وذهب ، والله تعالى أعلم ، وسيأتي بيان ذلك بحقه في باب وقف حمزة وهشام على الهمز .
( الخامس ) لو وقف على زكريا لهشام في وجه التخفيف جاز حالة البدل المد والقصر جريا على القاعدة ، فلو وقف عليه لحمزة لم يجز له سوى القصر ؛ للزوم التخفيف لغة ; ولذلك لم يجز في نحو ( لورش ترى ) سوى القصر .
( السادس ) [ ص: 357 ] لا يمتنع بعموم القاعدة المذكورة إجراء المد والقصر في حرف المد بعد الهمز المغير في مذهب من طريق ورش الأزرق ، بل القصر ظاهر عبارة صاحب " العنوان " و " الكامل " ، و " التلخيص " ، و " الوجيز " ; ولذلك لم يستثن أحد منهم ما أجمع على استثنائه من ذلك نحو ( يؤاخذ ) ولا ما اختلف فيه من ( آلآن ، و عادا الأولى ) ولا مثل أحد منهم بشيء من المغير ولا تعرضوا له ، ولم ينصوا إلا على الهمز المحقق ، ولا مثلوا إلا به كما تقدم ، وهذا صريح ، أو كالصريح في الاعتداد بالعارض ، وله وجه قوي ، وهو ضعف سبب المد بالتقدم وضعفه بالتغير ، وتظهر فائدة الخلاف في ذلك في نحو ( من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ) فمن لم يعتد بالعارض في ( الآخر ) ساوى بين " آمنا " وبين " الآخر " مدا وتوسطا وقصرا ، ومن اعتد به مدا توسط في ( آمنا ) وقصر في " الآخر " ، ولكن العمل على عدم الاعتداد بالعارض في الباب كله سوى ما استثني من ذلك فيما تقدم ، وبه قرأت وبه آخذ ، ولا أمنع الاعتداد بالعارض خصوصا من طرق من ذكرت ، والله أعلم .
( السابع ) ( آلآن ) في موضعي يونس إذا قرئ لنافع وأبي جعفر وجه إبدال همزة الوصل ألفا ، ونقل حركة الهمزة بعد اللام إليها - جاز لهما في هذه الألف المبدلة المد باعتبار استصحاب حكم المد للساكن والقصر باعتبار الاعتداد بالعارض على القاعدة المذكورة ، فإن وقف لهما عليها جاز مع كل واحد من هذين الوجهين في الألف التي بعد اللام ما يجوز لكون الوقف ، وهو المد والتوسط والقصر ، وهذه الثلاثة يجوز أيضا لحمزة في حال وقفه بالنقل . وأما من طريق ورش الأزرق فله حكم آخر من حيث وقوع كل من الألفين بعد الهمز ، إلا أن الهمزة الأولى محققة ، والثانية مغيرة بالنقل .
وقد اختلف في إبدال همزة الوصل التي نشأت عنها الألف الأولى وفي تسهيلها بين بين ، فمنهم من رأى إبدالها لازما ، ومنهم من رآه جائزا ، ومنهم من رأى تسهيلها لازما ، ومنهم من رآه جائزا ، وسيأتي تحقيقه في باب الهمزتين من كلمة ، فعلى القول بلزوم البدل يلتحق بباب المد الواقع بعد همز ، ويصير حكمها حكم ( آمن ) فيجري فيها للأزرق المد والتوسط والقصر ، وعلى [ ص: 358 ] القول الآخر بجواز البدل يلتحق باب ( آنذرتهم ، و آلد ) للأزرق ، عن ، فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض ، فيقصر مثل ( ورش أألد ) وعدم الاعتداد به فيمد كـ ( آنذرتهم ) ولا يكون من باب ( آمن ) وشبهه ، فذلك لا يجري فيها على هذا التقدير توسط ، وتظهر فائدة هذين التقديرين في الألف الأخرى ، فإذا قرئ بالمد في الأولى جاز في الثانية ثلاثة ، وهي المد والتوسط والقصر ، فالمد على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها ، وعلى تقدير لزوم البدل في الأولى ، وعلى تقدير جوازه فيها إن لم يعتد بالعارض . وهذا في " التبصرة " لمكي وفي " الشاطبية " ، ويحتمل لصاحب " التجريد " ، والتوسط في الثانية مع مد الأولى بهذين التقديرين المذكورين ، وهو في " التيسير " و " الشاطبية " ، والقصر في الثانية مع الأولى ، وعلى تقدير الاعتداد بالعارض في الثانية ، وعلى تقدير لزوم البدل في الأولى ، ولا يحسن أن يكون على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها لتصادم المذهبين ، وهذا الوجه في " الهداية " و " الكافي " وفي " الشاطبية " أيضا ، ويحتمل لصاحب " تلخيص العبارات " ، و " التجريد " و " الوجيز " ، وإذا قرئ بالتوسط في الأولى جاز في الثانية وجهان ، وهما التوسط والقصر ، ويمتنع المد فيها من أجل التركيب ، فتوسط الأولى على تقدير لزوم البدل ، وتوسط الثانية على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها ، وهذا الوجه طريق أبي القاسم خلف بن خاقان ، وهو أيضا في " التيسير " ، ويخرج من " الشاطبية " ، ويظهر من " تلخيص العبارات " و " الوجيز " ، وقصر الثانية على تقدير الاعتداد بالعارض فيها ، وعلى تقدير لزوم البدل في الأولى ، وهو في " جامع البيان " ، ويخرج من الشاطبية ، ويحتمل من تلخيص ابن بليمة و " الوجيز " . وإذا قرئ بقصر الأولى جاز في الثانية القصر ليس إلا ; لأن قصر الأولى إما أن يكون على تقدير لزوم البدل فيكون على مذهب من لم ير المد بعد الهمز كطاهر بن غلبون فعدم جوازه في الثانية من باب أولى ، وإما أن يكون على تقدير جواز البدل والاعتداد معه بالعارض كظاهر ما يخرج من " الشاطبية " ، فحينئذ يكون الاعتداد بالعارض في الثانية أولى وأحرى [ ص: 359 ] فيمتنع إذا مع قصر الأولى مد الثانية وتوسطها ، فخذ تحرير هذه المسألة بجميع أوجهها ، وطرقها ، وتقديراتها ، وما يجوز وما يمتنع ، فلست تراه في غير ما ذكرت لك ، ولي فيها إملاء قديم لم أبلغ فيه هذا التحقيق ، ولغيري عليها أيضا كلام مفرد بها ، فلا يعول على خلاف ما ذكرت هنا ، والحق أحق أن يتبع ، وقد نظمت هذه الأوجه التي لا يجوز غيرها على مذهب من أبدل ، فقلت :
للأزرق في الآن ستة أوجه على وجه إبدال لدى وصله تجري فمد وثلث ثانيا ثم وسطن
به وبقصر ثم بالقصر مع قصر
( المد ) وهو ظاهر كلام الشاطبي وكلام الهذيل ، ويحتمله كتاب " العنوان " .
( والتوسط ) طريق أبي الفتح فارس ، وهو في " التيسير " ، وظاهر كلام الشاطبي أيضا .
( والقصر ) وهو غريب في طريق الأزرق ; لأن أبا الحسن طاهر بن غلبون وابن بليمة اللذين رويا عنه القصر في باب " آمن " مذهبهما في همزة الوصل الإبدال لا التسهيل ، ولكنه ظاهر من كلام الشاطبي مخرج من اختياره ، ويحتمل احتمالا قويا في " العنوان " ، نعم هو طريق الأصبهاني ، عن وهو أيضا ورش ، لقالون وأبي جعفر ، والله تعالى أعلم .
( الثامن ) إذا قرئ ( الم ) بالوصل جاز لكل من القراء في الياء من ( ميم ) المد ، والقصر باعتبار استصحاب حكم المد والاعتداد بالعارض على القاعدة المذكورة ، وكذلك يجوز ومن وافقه عن النقل في ( لورش الم ، أحسب ) الوجهان المذكوران بالقاعدة المذكورة ، وممن نص على ترك المد إسماعيل بن عبد الله النخاس ، ومحمد بن عمر بن خيرون القيرواني ، عن أصحابهما ، عن وقال الحافظ ورش . : والوجهان جيدان ، وممن نص على الوجهين أيضا أبو عمرو الداني أبو محمد مكي وأبو العباس [ ص: 360 ] المهدوي . وقال الأستاذ أبو الحسن طاهر بن غلبون في " التذكرة " : وكلا القولين حسن غير أني بغير مد قرأت فيهما ، وبه آخذ .
( قلت ) : إنما رجح القصر من أجل أن الساكن ذهب بالحركة ، وأما قول أبي عبد الله الفاسي : ولو أخذ بالتوسط في ذلك مراعاة لجانبي اللفظ والحكم لكان وجها - فإنه تفقه وقياس لا يساعده نقل ، وسيأتي علة منعه والفرق في التنبيه العاشر قريبا ، والله أعلم .
( التاسع ) إذا قرئ لورش بإبدال الهمزة الثانية من المتفقتين في كلمتين حرف مد وحرك ما بعد الحرف المبدل بحركة عارضة وصلا ، إما لالتقاء الساكنين نحو ( لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ) أو بإلقاء الحركة نحو ( على البغا إن أردن ) ، و للنبي إن أراد جاز القصر إن اعتد بحركة الثاني ، فيصير مثل ( في السما إله ) ، وجاز المد إن لم يعتد بها فيصير مثل ( هؤلاء إن كنتم ) ، وذلك على القاعدة المذكورة .
( العاشر ) تقدم التنبيه على أنه لا يجوز التوسط فيما تغير سبب المد فيه على القاعدة المذكورة ، ويجوز فيما تغير سبب القصر نحو ( نستعين ) . في الوقف ، وإن كان كل منهما على الاعتداد بالعارض فيهما وعدمه ، والفرق بينهما أن المد في الأول هو الأصل ، ثم عرض التغيير في السبب ، والأصل أن لا يعتد بالعارض فمد على الأصل ، وحيث اعتد بالعارض قصر إذا كان القصر ضدا للمد ، والقصر لا يتفاوت ، وأما القصر في الثاني فإنه هو الأصل عدما للاعتداد بالعارض ، فهو كالمد في الأول ، ثم عرض سبب المد ، وحيث اعتد بالعارض مد ، وإن كان ضدا للقصر ، إلا أنه يتفاوت طولا وتوسطا ، فأمكن التفاوت فيه ، واطردت في ذلك القاعدة ، والله أعلم .
( المسألة السادسة ) في العمل بأقوى السببين ، وفيه فروع :
( الأول ) إذا قرئ نحو قوله : ( لا إله إلا الله ) ، و ( لا إكراه في الدين ) ، و ( فلا إثم عليه ) لحمزة في مذهب من روى المد للمبالغة عنه ، فإنه يجتمع في ذلك السبب [ ص: 361 ] اللفظي والمعنوي ، واللفظي أقوى كما تقدم ، فيمد له فيه مدا مشبعا على أصله في المد لأجل الهمزة ، كما يمد ( بما أنزل ) ويلغى المعنوي فلا يقرأ فيه بالتوسط له كما لا يقرأ ( لا ريب فيه ) و ( لا جرم ) و ( لا عوج ) وشبهه ؛ إعمالا للأقوى وإلغاء للأضعف .
( الثاني ) إذا وقفت على نحو ( يشاء ) و ( تفيء ) و ( السوء ) بالسكون ، لا يجوز فيه القصر على أحد وإن كان ساكنا للوقف ، وكذا لا يجوز التوسط وفقا لمن مذهبه الإشباع وصلا ، بل يجوز عكسه ، وهو الإشباع وفقا لمن مذهبه التوسط وصلا إعمالا للسبب الأصلي دون السبب العارض ، فلو وقف القارئ لأبي عمرو مثلا على ( السماء ) بالسكون ، فإن لم يعتد بالعارض كان مثله في حالة الوصل ، ويكون كمن وقف له على ( الكتاب ، و الحساب ) بالقصر حالة السكون ، وإن اعتد بالعارض زيد في ذلك إلى الإشباع ، ويكون كمن وقف بزيادة المد في الكتاب والحساب ، ولو وقف مثلا عليه لورش لم يجز له غير الإشباع ، ولا يجوز له ما دون ذلك من توسط أو قصر ، ولم يكن ذلك من سكون الوقف ; لأن سبب المد لم يتغير ، ولم يعرض حالة الوقف ، بل ازداد قوة إلى قوته بسكون الوقف ، ولم يجز لورش من طريق الأزرق في الوقف على شيء إلا المد والتوسط ، ويمتنع له القصر ويجوز لغيره كما تقدم ، والله أعلم .
( الثالث ) إذا وقف من طريق لورش الأزرق على نحو ( يستهزئون ، ومتكئين ، و المآب ) فمن روى عنه المد وصلا وقف كذلك ، سواء اعتد بالعارض ، أو لم يعتد ، ومن روى التوسط وصلا وقف به إن لم يعتد بالعارض ، وبالمد إن اعتد به كما تقدم ، ومن روى القصر كأبي الحسن بن غلبون وأبي علي الحسن بن بليمة وقف كذلك إذا لم يعتد بالعارض وبالتوسط ، أو الإشباع إن اعتد به ، وتقدم .
( الرابع ) إذا قرئ له أيضا نحو ( رأى أيديهم ، وجاءوا أباهم ، و السوءى [ ص: 362 ] أن كذبوا ) وصلا مد وجها واحدا مشبعا عملا بأقوى السببين ، وهو المد لأجل الهمز بعد حرف المد في ( أيديهم ، وأباهم ، وأن كذبوا ) فإن وقف على ( رأى ، وجاءوا ، و السوءى ) جازت الثلاثة الأوجه بسبب تقدم الهمز على حرف المد ، وذهاب سببية الهمز بعده ، وكذلك لا يجوز له في نحو ( برآء ، وآمين البيت ) إلا الإشباع وجها واحدا في الحالين ؛ تغليبا لأقوى السببين ، وهو الهمز والسكون ، وألغي الأضعف ، وهو تقدم الهمز عليه .
( الخامس ) إذا وقف على المشدد بالسكون نحو ( صواف ، و دواب ، و تبشرون ) عند من شدد النون . وكذلك ( الذان ، والذين ، وهاتين ) فمقتضى إطلاقهم لا فرق في قدر هذا المد وقفا ووصلا ، ولو قيل بزيادته في الوقف على قدره في الوصل لم يكن بعيدا ، فقد قال كثير منهم بزيادة ما شدد على غير المشدد ، وزادوا مد ( لام ) من ( الم ) على مد ( ميم ) من أجل التشديد ، فهذا أولى لاجتماع ثلاثة سواكن . وقد ذهب الداني إلى الوقف بالتخفيف في هذا النوع من أجل اجتماع هذه السواكن ما لم يكن أحدها ألفا ، وفرق بين الألف وغيرها ، وهو مما لم يقل به أحد غيره ، وسيأتي ذكر ذلك في موضعه في آخر باب الوقف .