( وأما فهو أيضا على قسمين : متوسط بنفسه ، ومتوسط بغيره . فالمتوسط بنفسه لا يخلو ذلك الساكن قبله من أن يكون ألفا أو ياء زائدة ، ولم يقع في القرآن منه واو زائدة . فإن كان ألفا فتسهيله بين بين ، أي : بين الهمزة وحركته بأي حركة تحرك نحو : ( شركاونا ، وجاوا ، وأولياوه ، وأوليك ، وخايفين ، والملايكة ، وجانا ، و الهمز المتوسط ) المتحرك الساكن ما قبله دعاء ونداء ) وإن كان ياء زائدة أبدل وأدغم كما تقدم في المتطرف ، وذلك نحو ( خطية ، وخطياتكم ، وهنيا ، ومريا ، وبريون ) وإن كان الساكن غير ذلك فهو أيضا إما أن يكون صحيحا أو ياء أو واوا أصليين ، حرف مد ، أو حرف لين ، فتسهيله بالنقل كما تقدم في المتطرف سواء . فمثال الساكن الصحيح مع الهمزة المضمومة : ( مسئولا ، و مذؤما ) ومع المكسورة ( الأفئدة ) لا غير ، ومع المفتوحة ( القرآن ، و الظمآن ، و شطأه ، و تجأرون ، وهزؤا ، وكفؤا ) على قراءة حمزة ومن معه ، وكذلك ( النشأة ، و جزء ) ومثال الياء الأصلية وهي حرف مد ( سيئت ) لا غير ، ومثالها حرف لين ( كهيئة ، و استيئس ، وأخواته ، و شيئا ) حيث وقع ( و ييئس الذين ) ومثال الواو وهي حرف مد ( السوأى ) لا غير ، ومثالها وهي حرف لين ( سوأة أخيه ، و سوآتكم ، و سوآتهما ، و موئلا ، و الموءودة ) [ ص: 434 ] لا غير ، والمتوسط بغيره من المتحرك الساكن ما قبله لا يخلو ذلك الساكن من أن يكون متصلا به رسما ، أو منفصلا عنه ، فالمتصل يكون ألفا وغير ألف . فالألف تكون في موضعين : ياء النداء ، وهاء التنبيه ، نحو : ( ياآدم ، ياأولي ، ياأيها ) كيف وقع ( و ها أنتم ، و هؤلاء ) وغير الألف في موضع واحد ، وهو لام التعريف حيث وقع نحو ( الارض ، والاخرة ، والاولى ، والاخرى ، والانسان ، والاحسان ) فإنها تسهل مع الألف بين بين ، ومع لام التعريف بالنقل هذا هو مذهب الجمهور من أهل الأداء ، وعليه العراقيون قاطبة ، وأكثر المصريين والمغاربة ، وهو مذهب أبي الفتح فارس بن أحمد ، وبه قرأ عليه الداني ، وقال : إنه هو مذهب الجمهور من أهل الأداء ، واختياري ، وبه قرأ صاحب " التجريد " على شيخه الفارسي ، ورواه منصوصا عن حمزة غير واحد . وكذا الحكم في سائر المتوسط بزائد ، وهو ما انفصل حكما واتصل رسما مما سيأتي في أقسامه . وذهب كثير من أهل الأداء إلى الوقف بالتحقيق في هذا القسم وإجرائه مجرى المبتدأ ، وهو مذهب أبي الحسن بن غلبون ، وأبيه أبي الطيب ، وأبي محمد مكي ، واختيار صالح بن إدريس وغيره من أصحاب ابن مجاهد ، وورد منصوصا أيضا عن حمزة ، وبه قرأ صاحب " التجريد " على عبد الباقي . وذكر الوجهين جميعا صاحب " التيسير " ، و " الشاطبية " ، و " الكافي " ، و " الهداية " ، و " التلخيص " ، واختار في " الهداية " في مثل ( ها أنتم ، و ياأيها ) التحقيق لتقدير الانفصال ، وفي غيره التخفيف لعدم تقدير انفصاله ، وقال في " الكافي " : التسهيل أحسن إلا في مثل ( ها أنتم ، و ياأيها ) .
( قلت ) : كأنهما لحظا انفصال المد ، وإلا فهو متصل رسما ، فلا فرق بينه وبين سائر المتوسط بزائد ، والله أعلم . فلا يخلو أيضا ذلك الساكن من أن يكون صحيحا ، أو حرف علة ، فالصحيح نحو ( والمنفصل رسما من الهمز المتحرك الساكن ما قبله من آمن ، قد أفلح ، قل إني ، عذاب أليم ، يؤده إليك ) قد اختلف أهل الأداء في تسهيل هذا النوع وتحقيقه ، فروى كثير منهم عن حمزة تسهيله [ ص: 435 ] بالنقل ، وألحقوه بما هو من كلمة ، ورواه منصوصا أبو سلمة ، عن رجاله الكوفيين ، وهذا مذهب أبي علي البغدادي صاحب " الروضة " ، وأبي العز القلانسي في إرشاده ، وأبي القاسم الهذلي ، وهو أحد الوجهين في " الشاطبية " ، وذكره أيضا في كافيه ، وبه قرأ على صاحب " الروضة " ، وهؤلاء خصوا بالتسهيل من المنفصل هذا النوع وحده ، وإلا فمن عمم تسهيل جمع المنفصل متحركا وساكنا كما سيأتي في مذهب العراقيين ، فإنه يسهل هذا القسم أيضا ; لأنه لم يفرق بينهما . وروى الآخرون تحقيقه من أجل كونه مبتدأ ، وجاء أيضا منصوصا عن ابن شريح حمزة من طريق ابن واصل ، عن خلف ، وعن ، كلاهما عن ابن سعدان سليم ، عن حمزة ، وهو مذهب كثير من الشاميين والمصريين وأهل المغرب قاطبة ، وهو الذي لم يجوز غيره ، ومذهب شيخه أبو عمرو الداني أبي الفتح فارس بن أحمد ، وأبي الحسن طاهر بن غلبون ، وأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري من جميع طرقه ، وأبي عبد الله بن سفيان ، وأبي محمد مكي ، وسائر من حقق المتصل خطا من المنفصل ، بل هو عنده من باب أولى .
وقد غلط من نسب تسهيله إلى أبي الفتح ممن شرح قصيدة الشاطبي وظن أن تسهيله من زيادات الشاطبي على " التيسير " لا على طرق " التيسير " . فإن الصواب أن هذا مما زاد الشاطبي على " التيسير " ، وعلى طرق الداني ، فإن الداني لم يذكر في سائر مؤلفاته في هذا النوع سوى التحقيق ، وأجراه مجرى سائر الهمزات المبتدآت ، وقال في " جامع البيان " : وما رواه خلف نصا ، عن وابن سعدان سليم ، عن حمزة ، وتابعهما عليه سائر الرواة وعامة أهل الأداء من تحقيق الهمزات المبتدآت مع السواكن وغيرها وصلا ووقفا فهو الصحيح المعول عليه والمأخوذ به .
( قلت ) : والوجهان من النقل والتحقيق صحيحان معمول بهما ، وبهما قرأت ، وبهما آخذ ، والله أعلم . وإن كان الساكن حرف علة فلا يخلو إما أن يكون حرف لين أو حرف مد ، فإن كان حرف لين نحو ( خلوا إلى ، و ابني آدم ) فإنه يلحق بالنوع قبله ، وهو الساكن الصحيح كما تقدم في بابي النقل [ ص: 436 ] والسكت .
فمن روى نقل ذلك عن حمزة روى هذا أيضا من غير فرق بينهما . وحكى ابن سوار ، وأبو العلاء الهمذاني وغيرهما وجهين من هذا النوع . أحدهما : النقل كما ذكرنا . قالوا : والآخر أن يقلب حرف لين من جنس ما قبلها ، ويدغم الأول في الثاني ، قالوا : فيصير حرف لين مشددا .
( قلت ) : والصحيح الثابت رواية في هذا النوع هو النقل ليس إلا ، وهو الذي لم أقرأ بغيره على أحد من شيوخي ، ولا آخذ بسواه ، والله الموفق ، وإذا كان حرف مد فلا يخلو من أن يكون ألفا أو غيرها . فإن كان ألفا نحو ( بما أنزل ، لنا إلا ، و استوى إلى ) فإن بعض من سهل هذا الهمز بعد الساكن الصحيح بالنقل سهل الهمزة في هذا النوع بين بين ، وهو مذهب أبي طاهر بن هاشم ، وأبي بكر بن مقسم ، وأبي بكر بن مهران ، وأبي العباس ، والمطوعي ، وأبي الفتح بن شيطا ، وأبي بكر بن مجاهد ، فيما حكاه عنه وغيره ، وعليه أكثر العراقيين ، وهو المعروف من مذهبهم ، وبه قرأنا من طريقهم ، وهو مقتضى ما في كفاية مكي أبي العز ، ولم يذكر الحافظ أبو العلاء غيره ، وبه قرأ صاحب " المبهج " على شيخه الشريف ، عن الكارزيني ، عن المطوعي . وقال الأستاذ أبو الفتح بن شيطا : والتي تقع أولا تخفف أيضا ؛ لأنها تصير باتصالها بما قبلها في حكم المتوسطة . وهذا هو القياس الصحيح ، قال : وبه قرأت . قال ابن مهران : وعلى هذا - يعني تسهيل المبتدأة حالة وصلها بالكلمة قبلها - يدل كلام المتقدمين ، وبه كان يأخذ ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها إلا إذا ابتدأ بها ، فإنه لا بد له منها ، ولا يجد السبيل إلى تركها . انتهى . وذهب الجمهور من أهل الأداء إلى التحقيق في هذا النوع وفي كل ما وقع الهمز فيه محركا منفصلا ، سواء كان قبله ساكن أو محرك ، وهو الذي لم يذكر أكثر المؤلفين سواه ، وهو الأصح رواية ، وبه قرأ أبو بكر بن مقسم على أبو طاهر بن سوار ابن شيطا ، وكذلك قرأ صاحب " المبهج " على شيخه الشريف العباسي ، عن الكارزيني ، عن أبي بكر الشذائي ، وروى أبو إسحاق الطبري بإسناده ، عن جميع من عده من أصحاب حمزة - الهمز في الوقف إذا كانت الهمزة [ ص: 437 ] في أول الكلمة . وكذا روى الداني ، عن جميع شيوخه من جميع طرقه ، فإذا كان غير ألف فإما أن يكون ياء أو واوا ، فإن من سهل القسم قبلها مع الألف أجرى التسهيل معها بالنقل والإدغام مطلقا ، سواء كانت الياء والواو في ذلك من نفس الكلمة نحو ( تزدري أعينكم ، وفي أنفسكم ، و أدعو إلى ) ضميرا ، أو زائدا نحو ( تاركوا آلهتنا ، ظالمي أنفسهم ، قالوا آمنا ، نفسي إن ) وبمقتضى إطلاقهم يجري الوجهان في الزائد للصلة نحو ( به أحدا ، وأمره إلى ، وأهله أجمعين ) والقياس يقتضي فيه الإدغام فقط ، والله أعلم .
وانفرد الحافظ أبو العلاء بإطلاق تخفيف هذا القسم مع قسم الألف قبله كتخفيفه بعد الحركة ، كأنه يلغي حروف المد ويقدر أن الهمزة وقعت بعد متحرك ، فتخفف بحسب ما قبلها على القياس ، وذلك ليس بمعروف عند القراء ولا عند أهل العربية ، والذي قرأت به في وجه التسهيل هو ما قدمت لك ، ولكني آخذ في الياء والواو بالنقل ، إلا فيما كان زائدا صريحا لمجرد المد والصلة فبالإدغام ، وذلك كان اختيار شيخنا أبي عبد الله الصائغ المصري ، وكان إمام زمانه في العربية والقراءات ، والله تعالى أعلم .