تنبيهات
( الأول ) : نحو إذا غلظت اللام في ذوات الياء صلى و يصلى إنما تغلظ مع فتح الألف المنقلبة ، وإذا أميلت الألف المنقلبة في ذلك إنما تمال مع ترقيق اللام سواء كانت رأس آية أم غيرها إذ الإمالة والتغليظ ضدان لا يجتمعان ، وهذا مما لا خلاف فيه .
( الثاني ) : قال أبو شامة : من مقام إبراهيم مصلى ففيه التغليظ في الوصل لأنه منون ، وفي الوقف الوجهان السابقان ، قال : ولا تترجح الإمالة وإن كان رأس آية إذ لا مؤاخاة لآي قبلها ، ولا بعدها انتهى ، فجعل أما مصلى رأس آية وليس كذلك ، بل لا خلاف بين العادين أنه ليس برأس آية فاعلم ذلك .
( الثالث ) : السوسي ، وغيره كما تقدم من قوله تعالى : إذا وقعت اللام من اسم الله تعالى بعد الراء الممالة في مذهب نرى الله جهرة ، أخباركم وسيرى الله جاز في اللام التفخيم والترقيق فوجه التفخيم عدم وجود الكسر الخالص قبلها ، وهو أحد الوجهين في التجريد ، وبه قرأ على أبي العباس بن نفيس ، وهو اختيار أبي القاسم الشاطبي وأبي الحسن السخاوي ، وغيرهم ، وهو قراءة الداني على أبي الفتح عن قراءته على عبد الله بن الحسين السامري . ووجه الترقيق عدم وجود الفتح الخالص قبلها ، وهو الوجه الثاني في التجريد ، وبه قرأ صاحب التجريد على شيخه عبد الباقي ، وعليه نص الحافظ أبو عمرو في جامعه ، وغيره ، وبه قرأ على شيخه أبي الفتح في رواية السوسي عن قراءته على أبي الحسن يعني عبد الباقي بن الحسن الخراساني ، وقال الداني : إنه القياس . وقال إنه الأولى لأمرين . أحدهما أن أصل هذه اللام الترقيق ، وإنما الأستاذ أبو عمرو بن الحاجب
[ ص: 117 ] فخمت للفتح والضم ، ولا فتح ، ولا ضم هنا فعدنا إلى الأصل ، قال : والثاني اعتبار ذلك بترقيق الراء في الوقف بعد الإمالة .
( قلت ) : والوجهان صحيحان في النظر ثابتان في الأداء - والله أعلم - .
( الرابع ) من طريق لورش الأزرق في نحو قوله تعالى : أفغير الله أبتغي ، إذا رققت الراء أغير الله تدعون ، ولذكر الله ، و يبشر الله وجب تفخيم اللام من اسم الله تعالى بعدها ، بلا نظر لوقوعها بعد فتحة وضمة خالصة ، ولا اعتبار بترقيق الراء قبل اللام في ذلك ; وممن نص على ذلك الإمام الأستاذ الكبير أبو عبد الله بن شريح قال في كتابه الكافي من باب اللامات بعد ذكر مذهب ، ما نصه : وكذلك لم يختلف في تفخيم لام اسم الله إذا كانت قبلها فتحة ، أو ضمة نحو ورش فالله هو الولي ، ولذكر الله أكبر والإمام العلامة المحقق أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في باب اللامات أيضا من شرحه قال : والراء المرققة غير المكسورة كغير المرققة يجب بعدها التفخيم لأن الترقيق لم يغير فتحها ، ولا ضمها .
وقال الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري في الباب المذكور فهي على تفخيمها نحو وهذه اللام - يعني من اسم الله - إذا وقعت بعد ترقيق خال من الكسر يبشر الله عباده ، أو بعد إمالة كبرى فوجهان .
وقال الأستاذ أبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي في كتابه الكنز في القراءات العشر : فإن أتى - يعني - اسم الله بعد حرف مرقق لا كسرة فيه نحو ذلك الذي يبشر الله في قراءة من رقق فليس إلا التفخيم وإن كان بعد إمالة كقوله تعالى : حتى نرى الله جهرة ففيه وجهان انتهى . وهو مما لا يحتاج إلى زيادة التنبيه عليه وتأكيد الإشارة إليه لظهوره ووضوحه ولولا أن بعض أهل الأداء من أهل عصرنا ، بلغنا عنه أنه رأى ترقيق اسم الله تعالى بعد الراء المرققة فأجرى الراء المرققة في ذلك مجرى الراء الممالة وبنى أصله على أن الضمة تمال كما تمال الفتحة لأن سيبويه رحمه الله حكى ذلك في ( مذعور ، و السمر ، و المنقر ) واستدل
[ ص: 118 ] بإطلاقهم على الترقيق إمالة . واستنتج من ذلك ترقيق اللام بعد المرققة ، وقطع بأن ذلك هو القياس الذي لا ينبغي أن يخالف مع اعترافه بأنه لم يقرأ بذلك على أحد من شيوخه ، ولكنه شيء ظهر له من جهة النظر فاتبعه لعدم وجود النص بخلافه على ما ادعاه ، وذلك كله غير مسلم له ، ولا موافق عليه .
فأما ادعاؤه أن الضمة تمال في مذعور فإنه غير ما نحن فيه فإن حركة الضمة التي هي على العين قربت إلى الكسر ولفظ بها كذلك ، وذلك مشاهد حسا والضمة التي هي على الراء في يبشر لم تقرب إلى الكسرة ، ولا غيرت عن حالتها ، ولو غيرت ولفظ بها كما لفظ بمذعور على لغة من أمال لكان لحنا ، وغير جائز في القراءة ، وإنما التغيير وقع على الراء فقط لا على حركتها ، وهذا هو الذي حكاه ابن سفيان ، وغيره من أن الراء المضمومة تكون عند ، بين اللفظين فعبروا عن الراء ، ولم يقولوا إن الضمة تكون بين اللفظين ، ومن زعم أن الضمة في ذلك تكون تابعة للراء فهو مكابر في المحسوس ، وأما كون الترقيق إمالة ، أو غير إمالة ، فقد تقدم الفرق بين الترقيق والإمالة في ، أول باب الراءات ، وإذا ثبت ذلك بطل القياس على ورش نرى الله .
وأما ادعاؤه عدم النص ، فقد ذكرنا نصوصهم على التفخيم وقول إنه لم يختلف في تفخيم اللام في ذلك . والناس كلهم في سائر الأعصار وأقطار الأمصار ممن أدركناهم وأخذنا عنهم وبلغتنا روايتهم ووصلت إلينا طرقهم لم يختلفوا في ذلك ، ولا حكوا فيه وجها ، ولا احتمالا ضعيفا ، ولا قويا فالواجب الرجوع إلى ما عليه إجماع الأئمة وسلف الأمة والله يوفقنا جميعا لفهم الحق واتباعه وسلوك سبيله بمنه وكرمه . ابن شريح
( الخامس ) إن قيل : وكان ينبغي أن لا يجوز ألبتة كما سبق في الراء المكسورة أنها تفخم وقفا ، ولا ترقق لذهاب الموجب للترقيق ، وهو الكسر وهاهنا قد ذهب الفتح الذي هو شرط في تغليظ اللام ، وكلا الذهابين عارض ؟ . لم كان التفخيم في الوقف على اللام المغلظة الساكنة وقفا أرجح
[ ص: 119 ]
( فالجواب ) أن سبب التغليظ هنا قائم ، وهو وجود حرف الاستعلاء ، وإنما فتح اللام شرط فلم يؤثر سكون الوقف لعروضه وقوة السبب فعمل السبب عمله لضعف المعارض في باب الوقف على الراء المكسورة أن السبب زال بالوقف ، وهو الكسر فافترقا .
( السادس ) ، ولو قيل : ؟ لم كانت الكسرة العارضة والمفصولة وجب ترقيق اللام من اسم الله ، ولا توجب ترقيق الراء
( فالجواب ) أن اللام لما كان أصلها الترقيق وكان التغليظ عارضا لم يستعملوه فيها إلا بشرط أن لا يجاورها مناف للتغليظ ، وهو الكسر فإذا جاورتها الكسرة ردتها إلى أصلها .
وأما الراء المتحركة بالفتح ، أو بالضم فإنها لما استحقت التغليظ بعد ثبوت حركتها لم تقو الكسرة غير اللازمة على ترقيقها واستصحبوا فيها حكم التغليظ الذي استحقته بسبب حركتها فإذا كانت الكسرة لازمة أثرت في لغة دون أخرى فرققت الراء لذلك وفخمت ، وقيل الفرق أن المراد من ترقيق الراء بإمالتها ، وذلك يستدعي سببا قويا للإمالة .
وأما ، وإنما التغليظ هو الزيادة فيها ، ولا تكون الحركة قبل لام اسم الله إلا مفصولة لفظا ، أو تقديرا . وأما الحركة قبل الراء فتكون مفصولة وموصولة فأمكن اعتبار ذلك فيها بخلاف اللام . ترقيق اللام فهو الإتيان بها على ماهيتها وسجيتها من غير زيادة شيء فيها
( السابع ) يصلبوا ، و طلقتم ، و ظل وجهه ، لا يقال : فيها إنه فصل بينها وبين حرف الاستعلاء فاصل فينبغي أن يجرى الوجهان لأن ذلك الفاصل أيضا لام أدغمت في مثلها فصار حرفا واحدا فلم تخرج اللام عن كون حرف الاستعلاء وليها . وقد شذ بعضهم فاعتبر ذلك فصلا مطلقا ، حكاه اللام المشددة نحو الداني . وبعضهم قد أثبته فيما تقدم - والله أعلم - .