( رابعها ) قول أئمة الوقف : لا يوقف على كذا معناه أن لا يبتدأ بما بعده ، إذ كلما أجازوا عليه أجازوا الابتداء بما بعده . وقد أكثر الوقف السجاوندي من هذا القسم وبالغ في كتابه ( لا ) والمعنى عنده لا تقف ، وكثير منه يجوز الابتداء بما بعده وأكثره يجوز الوقف عليه ، وقد توهم من لا معرفة له من مقلدي السجاوندي أن منعه من الوقف على ذلك يقتضي أن الوقف عليه قبيح ، أي : لا يحسن الوقف عليه ، ولا الابتداء بما بعده وليس كذلك ، بل هو من الحسن يحسن الوقف عليه ، ولا يحسن الابتداء بما بعده فصاروا إذا اضطرهم النفس يتركون الوقف الحسن الجائز ويتعمدون الوقف على القبيح الممنوع ، فتراهم يقولون صراط الذين أنعمت عليهم غير ثم يقولون غير المغضوب عليهم ويقولون هدى للمتقين الذين ثم يبتدئون الذين يؤمنون بالغيب فيتركون الوقف على ( عليهم ، و على المتقين ) الجائزين قطعا ويقفون على ( غير ، و الذين ) اللذين تعمد الوقف عليهما قبيح بالإجماع ; لأن الأول مضاف والثاني موصول وكلاهما ممنوع من تعمد الوقف عليه وحجتهم في ذلك قول السجاوندي ( لا ) فليت شعري ، إذ منع من الوقف عليه هل أجاز الوقف على : غير أو : الذين ؟ فليعلم أن مراد السجاوندي بقوله : ( لا ) ، أي : لا يوقف عليه على أن يبتدأ بما بعده كغيره من الأوقاف .
ومن السجاوندي الوقف عليها ، وهو من الكافي الذي يجوز الوقف عليه ويجوز الابتداء بما بعده قوله تعالى : المواضع التي منع هدى للمتقين مع الوقف عليه . قال : لأن الذين صفتهم ، وقد تقدم جواز كونه تاما وكافيا وحسنا ، واختار كثير من أئمتنا كونه كافيا ، وعلى كل تقدير فيجوز الوقف عليه والابتداء بما بعده ، فإنه وإن كان صفة للمتقين ، فإنه يكون من الحسن وسوغ ذلك كونه رأس آية ، وكذلك منع الوقف على ينفقون للعطف وجوازه كما تقدم ظاهر ، وقد [ ص: 235 ] ذكرنا في ( الاهتداء ) رواية أبي الفضل الخزاعي عن - رضي الله عنهما - أنه صلى الغداة فقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وب ابن عباس الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين وفي الثانية بفاتحة الكتاب وب الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ثم سلم ، وأي مقتدى به أعظم من ترجمان القرآن ، ومن ذلك : ابن عباس في قلوبهم مرض منع الوقف عليه ; لأن الفاء للجزاء ، فكان تأكيدا لما في قلوبهم ، ولو عكس فجعله من الوقف اللازم لكان ظاهرا ، وذلك على وجه أن تكون الجملة دعاء عليهم بزيادة المرض ، وهو قول جماعة من المفسرين والمعربين ، والقول الآخر أن الجملة خبر ، ولا يمتنع أن يكون الوقف على هذا كافيا للتعلق المعنوي فقط ، فعلى كل تقدير لا يمتنع الوقف عليه ; ولذلك قطع الحافظ بكونه كافيا ولم يحك غيره ، ومن ذلك أبو عمرو الداني فهم لا يرجعون منع الوقف عليه للعطف بأو ، وهي للتخيير ، قال : ومعنى التخيير لا يبقى مع الفصل ، وقد جعله الداني وغيره كافيا أو تاما .
( قلت ) : وكونه كافيا أظهروا " أو " هنا ليست للتخيير كما قال السجاوندي ; لأن " أو " إنما تكون للتخيير في الأمر أو ما في معناه لا في الخبر ، بل هي للتفصيل ، أي : من الناظرين من يشبههم بحال ذوي صيب والكاف من كصيب في موضع رفع لأنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : مثلهم كمثل صيب وفي الكلام حذف ، أي : كأصحاب صيب ويجوز أن تكون معطوفة على ما موضعه رفع وهو كمثل الذي ، وكذا قوله سريع الحساب والابتداء بقوله : أو كظلمات وقطع الداني بأنه تام ومن ذلك : لعلكم تتقون منع الوقف عليه ; لأن " الذي " صفة الرب تعالى وليس بمتعين أن يكون صفة للرب كما ذكر بل جوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الذي وحسن القطع فيه ; لأنه صفة مدح ، وجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعني وأجاز أيضا نصبه مفعولا ب " مكي تتقون " وكلاهما بعيد ، ومن ذلك إلا الفاسقين منع الوقف عليه ; لأن " الذين " صفتهم ، وهو كـ [ ص: 236 ] الذين يؤمنون بالغيب سواء ومثل ذلك كثير في وقوف السجاوندي فلا يغتر بكل ما فيه ، بل يتبع فيه الأصوب ويختار منه الأقرب .