وهو قبل القراءة إجماعا ، ولا يصح قول بخلافه ، عن أحد ممن يعتبر قوله ، وإنما آفة العلم التقليد ، قد نسب إلى حمزة وأبي حاتم ، ونقل عن [ ص: 255 ] رضي الله عنه ، أبي هريرة وابن سيرين وحكي عن وإبراهيم النخعي ، مالك ، 55 وذكر أنه مذهب وجماعته عملا بظاهر الآية وهو : داود بن علي الظاهري فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله فدل على أن بعد القراءة . وحكي قول آخر ، وهو الاستعاذة قبل وبعد . ذكره الاستعاذة في تفسيره ، ولا يصح شيء في هذا عمن نقل عنه ، ولا ما استدل به لهم ، أما الإمام فخر الدين الرازي حمزة وأبو حاتم فالذي ذكر ذلك عنهم هو أبو القاسم الهذلي ، فقال في كامله : قال حمزة في رواية ابن قلوقا : إنما يتعوذ بعد الفراغ من القرآن ، وبه قال أبو حاتم .
( قلت : ) أما رواية ابن قلوقا ، عن حمزة فهي منقطعة في الكامل لا يصح إسنادها ، وكل من ذكر هذه الرواية عن حمزة من الأئمة كالحافظين أبي عمرو الداني وأبي العلاء الهمداني وأبي طاهر بن سوار وأبي محمد سبط الخياط ، وغيرهم - لم يذكروا ذلك عنه ، ولا عرجوا عليه ، وأما أبو حاتم فإن الذين ذكروا روايته واختياره كابن سوار وابن مهران وأبي معشر الطبري ، وغيرهم - لم يذكروا شيئا ، ولا حكوه ، وأما والإمام أبي محمد البغوي فالذي نقل عنه رواه أبو هريرة في مسنده : أخبرنا الشافعي إبراهيم بن محمد ، عن ربيعة بن عثمان ، عن صالح بن أبي صالح أنه سمع وهو يؤم الناس رافعا صوته ( ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم ) في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن . وهذا الإسناد لا يحتج به ; لأن أبا هريرة إبراهيم بن محمد هو الأسلمي ، وقد أجمع أهل النقل والحديث على ضعفه ولم يوثقه سوى . قال الشافعي أبو داود : كان قدريا رافضيا مأبونا كل بلاء فيه ، وصالح بن أبي صالح الكوفي ضعيف واه ، وعلى تقدير صحته لا يدل على بل يدل أنه كان يستعيذ إذا فرغ من أم القرآن ، أي للسورة الأخرى ، وذلك واضح . فأما الاستعاذة بعد القراءة ، هو ممن عرف بالجهر بالاستعاذة ، وأما أبو هريرة ابن سيرين والنخعي فلا يصح عن واحد منهما عند أهل النقل ، وأما مالك فقد حكاه عنه القاضي في المجموعة ، وكفى في الرد والشناعة على قائله ، وأما أبو بكر بن العربي داود وأصحابه ، فهذه كتبهم موجودة [ ص: 256 ] لا تعد كثرة ، لم يذكر فيها أحد شيئا من ذلك . ونص إمام أهل الظاهر على ابن حزم ولم يذكر غير ذلك ( وأما الاستدلال ) بظاهر الآية فغير صحيح ، بل هي جارية على أصل لسان العرب وعرفه ، وتقديرها عند الجمهور : إذا أردت القراءة فاستعذ ، وهو كقوله تعالى : التعوذ قبل القراءة إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : ، وعندي أن الأحسن في تقديرها : إذا ابتدأت وشرعت ، كما في من أتى الجمعة فليغتسل جبريل - عليه السلام - : فصلى الصبح حين طلع الفجر . أي : أخذ في الصلاة عند طلوعه ، ولا يمكن القول بغير ذلك . وهذا بخلاف قوله في الحديث : حديث . فإن الصحيح أن المراد بهذا الابتداء ، خلافا لمن قال : إن المراد الانتهاء . ثم صلاها بالغد بعد أن أسفر
ثم إن يقتضي أن تكون قبل القراءة ؛ لأنها طهارة الفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له ، وتهيؤ لتلاوة كلام الله تعالى ، فهي التجاء إلى الله تعالى ، واعتصام بجنابه من خلل يطرأ عليه ، أو خطأ يحصل منه في القراءة وغيرها وإقرار له بالقدرة ، واعتراف للعبد بالضعف والعجز عن هذا العدو الباطن الذي لا يقدر على دفعه ومنعه إلا الله الذي خلقه ، فهو لا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بإحسان ، ولا يقبل رشوة ، ولا يؤثر فيه جميل ، بخلاف العدو الظاهر من جنس الإنسان كما دلت عليه الآي الثلاث من القرآن التي أرشد فيها إلى رد العدو الإنساني ، فقال تعالى في الأعراف : المعنى الذي شرعت الاستعاذة له خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فهذا ما يتعلق بالعدو الإنساني ، ثم قال : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله الآية ، وقال في " المؤمنون " ادفع بالتي هي أحسن السيئة ثم قال : وقل رب أعوذ بك الآية ، وقال في فصلت ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة الآيات ، وقلت في ذلك وفيه أحسن الاكتفاء وأملح الاقتفاء :
[ ص: 257 ]
شيطاننا المغوي عدو فاعتصم بالله منه والتجي وتعوذ وعدوك الإنسي دار وداده
تملكه وادفع بالتي فإذا الذي