الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال من كلام النبوة إذا لم تستحي فافعل ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة يضع اليمنى على اليسرى وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          15 - باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة

                                                                                                          أي اليمنى على اليسرى وإحدى بدل من اليدين .

                                                                                                          377 377 - ( مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق ) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبي أمية المعلم ( البصري ) نزيل مكة واسم أبيه قيس وقيل طارق ، قال في التمهيد : ضعيف متروك باتفاق أهل الحديث لقيه مالك بمكة ، وكان مؤدب كتاب حسن السمت فغره منه سمته ، ولم يكن من أهل بلده فيعرفه فروى عنه من المرفوع في الموطأ هذا الحديث الواحد فيه ثلاثة أحاديث مرسلة يتصل من غير روايته من وجوه صحاح ولم يرو عنه حكما إنما روى عنه [ ص: 547 ] ترغيبا وفضلا ، وكذلك غر الشافعي من إبراهيم بن أبي يحيى حذقه ونباهته فروى عنه وهو مجمع على ضعفه ، لكنه أيضا لم يحتج به في حكم أفرده به انتهى باختصار .

                                                                                                          وقد روى البخاري لعبد الكريم هذا في قيام الليل ، ومسلم في مقدمة صحيحه وأصحاب السنن إلا أن النسائي ما روى له إلا قليلا ، مات سنة ست وعشرين ومائة .

                                                                                                          ( أنه قال من كلام النبوة ) أي مما اتفق عليه شرائع الأنبياء لأنه جاء في أولاها ثم تتابعت بقيتها عليه ، ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم لأنه أمر أطبقت عليه العقول ( إذا لم تستح فافعل ما شئت ) قال ابن عبد البر : لفظه أمر ومعناه الخبر بأن من لم يكن له حياء يحجزه عن محارم الله فسواء عليه فعل الصغائر والكبائر ، ومنه حديث المغيرة مرفوعا : " من باع الخمر فليستفض الخنازير " وقال أبو دلف : إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع

                                                                                                          وفيه معنى التحذير والوعيد على قلة الحياء .

                                                                                                          ومنه أخذ القائل : إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فاصنع ما تشاء

                                                                                                          فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

                                                                                                          وقيل معناه : إذا كان الفعل مما لا يستحى منه شرعا فافعله ولا عليك من الناس .

                                                                                                          قال : وهذا تأويل ضعيف ، والأول هو المعروف عند العلماء ، والمشهور مخرجه عند العرب والفصحاء ، وهذا الحديث أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه من طريق منصور عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " ورواه بلفظ : فافعل ابن أبي شيبة .

                                                                                                          وليس في رواية البخاري الأولى .

                                                                                                          قال في فتح الباري : الناس بالرفع في جمع الطرق ويجوز النصب أي مما بلغ الناس ، قال : وهو أمر بمعنى الخبر أو هو للتهديد ، أي فإن الله يجزيك ، أو معناه انظر إلى ما تريد فعله فإن كان مما لا يستحى منه فافعله وإلا فدعه ، أو المعنى أنك إذا لم تستحي من الله من شيء يجب أن لا تستحي منه من أمر الدين فافعله ولا تبال بالخلق ، أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله أي لما لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء .

                                                                                                          ( ووضع اليدين أحدهما على الأخرى في الصلاة ) وقوله : ( يضع اليمنى على اليسرى ) من قول مالك ليس من الحديث وهو أمر مجمع عليه في هيئة وضع اليدين إحداهما على الأخرى .

                                                                                                          قاله أبو عمر في التقصي : قال ابن حبيب : ليس لذلك موضع معروف .

                                                                                                          وقال عبد الوهاب : المذهب وضعهما تحت الصدر [ ص: 548 ] وفوق السرة .

                                                                                                          وقال أبو حنيفة : السنة وضعهما تحت السرة ويقبض يمناه على الكوع وبعض المعصم من اليسرى ولا يعتمد عليها .

                                                                                                          قال العلماء : الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع .

                                                                                                          ومن اللطائف قول بعضهم : القلب موضع النية والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه .

                                                                                                          وروى أشهب عن مالك : لا بأس به في النافلة والفريضة ، وكذا قال أصحاب مالك المدنيون .

                                                                                                          وروى مطرف وابن الماجشون أن مالكا استحسنه .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول جمهور الصحابة والتابعين ، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره .

                                                                                                          وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه وروي أيضا عنه إباحته في النافلة لطول القيام وكرهه في الفريضة ، ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث تمسك معتمدا لقصد الراحة .

                                                                                                          ( وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور ) أخرج الطبراني في الكبير بسند صحيح عن ابن عباس : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إنا معاشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة " وروى الطبراني عن أبي الدرداء وابن عبد البر عن أبي هريرة رفعاه : " ثلاث من أخلاق النبوة : تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " ورواه سعيد بن منصور عن عائشة ، وللطبراني عن يعلى بن مرة رفعه : " ثلاث يحبها الله عز وجل : تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة " .




                                                                                                          الخدمات العلمية