الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1764 [ ص: 142 ] حديث أول لأبي بكر بن نافع

مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بإحفاء الشوارب ، وإعفاء اللحى .

التالي السابق


هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه ، عن ابن عمر وكذلك رواه جماعة الرواة عنه ، إلا أن بعض رواة ابن بكير رواه ، عن ابن بكير عن مالك عن نافع عن ابن عمر وكذلك بعض رواة ابن وهب أيضا رواه عن ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهذا لا يصح عند أهل العلم بحديث مالك وإنما هذا الحديث لمالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه ، عن ابن عمر هذا هو الصحيح ، عن مالك في إسناد هذا الحديث ، كما رواه يحيى وسائر الرواة ، عن مالك .

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب قال : أخبرني مالك وعبد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : احفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى .

[ ص: 143 ] وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا هارون بن عبد الله قال : حدثنا معن بن عيسى وروح بن عبادة وعبد الله بن نافع قالوا : حدثنا مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإحفاء الشوارب ، وإعفاء اللحى .

وحدثنا سعيد حدثنا قاسم حدثنا محمد حدثنا أبو بكر حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : احفوا الشوارب وأعفوا اللحى .

فقال أهل اللغة أبو عبيد والأخفش وجماعة : الإحفاء : الاستئصال ، والإعفاء : ترك الشعر لا يحلقه .

وإلى هذا ذهبت طائفة من علماء المسلمين ، وفقهائهم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهم .

وروي عن أبي سعيد الخدري وأبي أسيد الساعدي ورافع بن خديج وقيس بن سعد وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة أنهم كانوا يحفون شواربهم ، وكان عبد الله بن عمر يحلقه حتى يبدو الجلد ، وكان أحمد بن حنبل يحفي شاربه إحفاء شديدا ، ويحلقه حتى يبدو جلده ، ويقول السنة الإحفاء كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ولم يحك ذلك عنه الأثرم وغيره .

ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن الذي يحفى من الشارب هو الإطار ، وهو طرف الشفة العليا ، وأصل الإطار جوانب الفم المحدقة به مع طرف الشارب المحدق بالفم ، وكل شيء يحدق بشيء ، ويحيط [ ص: 144 ] به فهو إطاره ، وحجة من ذهب هذا المذهب ، قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس من الفطرة فذكر منهن قص الشارب ، فقوله : قص الشارب يفسر قوله إحفاء الشوارب ، والله أعلم .

وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثنا مسلمة بن القاسم قال : حدثنا ابن الأعرابي حدثنا محمد بن عيسى المدائني حدثنا شعيب بن حرب قال : حدثنا يوسف بن صهيب عن حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من لم يأخذ من شاربه فليس منا .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبي قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا مالك بن عيسى حدثنا محمد بن عوف قال : حدثنا جنادة بن مروان الأزدي عن حريز بن عثمان عن عبد الله بن بسر قال : كان شارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيال شفته .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا مسعر عن جامع بن شداد أبي صخرة عن المغيرة بن عبد الله الثقفي عن المغيرة بن شعبة قال : ضفت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ، وأمر لي بجنب فشوي ، وأخذ من شاربي على سواك .

وأما قوله : وإعفاء اللحى ، فقال أبو عبيد يعني توفر وتكثر ، يقال منه : عفا الشعر إذا كثر فهو عاف ، وقد عفوته ، وأعفيته لغتان ، قال [ ص: 145 ] الله : ( حتى عفوا ) يعني كثروا ، وهذه اللفظة متصرفة يقال هذا : عفا الشيء إذا درس وأمحى .

قال لبيد :


عفت الديار محلها فمقامها



هذا كله قول أبي عبيد .

وقال ابن الأنباري : يقال عفا الشيء يعفو عفوا إذا كثر ، وقد عفوته أعفوه ، وأعفيته أعفيه إعفاء إذا كثرته ، وعفا القوم إذا كثروا ، وعفوا إذا قلوا ، وهو من الأضداد ، والعافي الطالب ، والعافي عن الجرم .

قال الله - عز وجل - : ( وليعفوا وليصفحوا )

قال أبو عمر :

أما اللغة في أعفوا فمحتملة للشيء وضده ، كما قال أهل اللغة ، واختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية ، فكره ذلك قوم ، وأجازه آخرون .

وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم قال : حدثنا أصبغ عن ابن القاسم قال : سمعت مالكا يقول : لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ ، قال : فقيل لمالك : فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول ، قال : أرى أن يؤخذ منها وتقصر .

وقد روى سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعفي لحيته إلا في حج ، أو عمرة .

[ ص: 146 ] وذكر الساجي حدثنا بندار وابن المثنى قالا : حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة كان يقبض عليها ، ويأخذ من طرفها ما خرج من القبضة .

قال أبو عمر :

هذا ابن عمر روى : اعفوا اللحى ، وفهم المعنى ، فكان يفعل ما وصفنا .

وقال به جماعة من العلماء في الحج ، وغير الحج .

وروى ابن وهب قال : أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب في قوله : ( ثم ليقضوا تفثهم ) قال : رمي الجمار ، وذبح الذبيحة ، وحلق الرأس ، والأخذ من الشارب واللحية والأظفار ، والطواف بالبيت ، وبالصفا والمروة .

وكان قتادة يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج ، أو عمرة ، وكان يأخذ من عارضيه ، وكان الحسن يأخذ من طول لحيته ، وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأسا .

وروى الثوري عن منصور عن عطاء أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة ، قال منصور : فذكرت ذلك لإبراهيم فقال : كانوا يأخذون من جوانب اللحية .




الخدمات العلمية