الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3833 - وعن عبد الله بن حبشي رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل أي الأعمال أفضل ؟ قال : طول القيام . قيل : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : جهد المقل . قيل : فأي الهجرة أفضل ؟ قال : من هجر ما حرم الله عليه . قيل : فأي الجهاد أفضل ؟ قال : من جاهد المشركين بماله ونفسه ، قيل : فأي القتل أشرف ؟ قال : من أهريق دمه وعقر جواده . رواه أبو داود .

وفي رواية النسائي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأعمال أفضل ؟ قال : أيمان لا شك فيه ، وجهاد لا غلول فيه ، وحجة مبرورة . قيل : فأي الصلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت ، ثم اتفقا في الباقي .

التالي السابق


3833 - ( وعن عبد الله بن حبشي رضي الله عنه ) : بضم مهملة وسكون موحدة وفي آخره ياء النسبة . قال المؤلف : خثعمي له رواية ، عداده في أهل الحجاز ، سكن مكة روى عنه عبيد بن عمير مصغران وغيره ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأعمال ) : أي أعمال الصلاة ( أفضل ؟ قال : طول القيام ) : لأنه يلزم منه كثرة القراءة وإطالة العبادة ، وأما ما ورد من أن إطالة السجود أفضل ، فلكونها تدل على كمال المسكنة الموجبة للقرب إلى الله تعالى . ( قال : فأي الصدقة ) : أي من أنواعها ( أفضل ؟ قال : جهد المقل ) : بضم الجيم وضم الميم وكسر القاف وتشديد اللام ; أي طاقة الفقير ومجهوده ; لأنه يكون بجهد ومشقة لقلة ماله ، ولهذا ورد : سبق درهم مائة ألف درهم ، رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير ، فأخذ من عرضه مائة ألف فتصدق بها . رواه النسائي عن أبي ذر ، وهو والحاكم وابن حبان عن أبي هريرة ، وقيل : المراد بجهد المقل ما أعطاه الفقير مع احتياجه إليه فيقيد بما إذا قدر على الصبر ، ولم يكن له عيال تضيع بإنفاقه ( قيل : فأي الهجرة ) : أي من أصنافها ( أفضل ؟ قال : من هجر ) : أي هجرة من هجر ، أو يقال : التقدير فأي صاحب الهجرة أفضل ؟ قال : من هجر ( ما حرم الله عليه ) : وكذا قوله ( قيل : فأي الجهاد أفضل ؟ قال : من جاهد المشركين بماله ونفسه ) : ولتوقف هذا الجهاد على مجاهدة النفس ورد : أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه ، رواه ابن النجاري ، عن أبي ذر ، [ ص: 2482 ] ولهذا سمي جهادا أكبر ، ولا ينافيه ما ورد : أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر على ما رواه أحمد وغيره ; لأنه أشق على النفس ، أو الأفضلية إضافية ، أو التقدير من أفضل الجهاد . ( قيل : فأي القتل أشرف ؟ قال : من أهريق ) : بسكون الهاء ; أي أريق وسفك ( دمه وعقر جواده ) : أي جرح فرسه الجيد ( في سبيل الله ) : وفي الكلام كنايتان عن قتله وقتل مركوبه ، حيث اجتمع له الاجتهاد في الجهاد راكبا وماشيا ومالا ونفسا . قال الطيبي : ولعل تغيير العبارة في قوله : فأي القتل أشرف إنما كان لاهتمام هذه الخصلة ; لأن معنى الشرف هو القدر والقيمة والرفعة ، وذلك أن منزلة درجة الشهيد الذي نال من درجات الشهادة أقصاها وغايتها هو الفردوس الأعلى ، وهذا الشهيد هو الذي بذل نفسه وماله وجواده في سبيل الله ، وقطع عقب الجواد كناية عن غاية شجاعته ، وأنه كان مما لا يطاق أن يظفر به إلا بعقر جواده . ( رواه أبو داود ) .

( وفي رواية النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان لا شك فيه ) : أي بعده إذ لا يجتمعان ( وجهاد لا غلول فيه ) : والغلول بضم أوله الخيانة في المغنم ، وورد في أفضل الأعمال أحاديث مختلفة ، ولعلها باختلاف أحوال سائلها ، أو بعضها إضافية ، أو التقدير من أفضلها ( وحجة مبرورة ) : وفي حديث رواه مالك والبخاري ومسلم وغيرهم : " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " واختلف في المراد بالمبرور فقال النووي : إن الأصح أن المبرور هو الذي لا يخالطه إثم ، وقيل : المتقبل ، وقيل : الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق ، وقيل : الذي لا معصية بعده ، وقال الحسن البصري : هو أن يرجع زاهدا في الدنيا راغبا في العقبى . ( قيل . فأي الصلاة ) : أي من أحوالها ( أفضل ؟ قال : طول القنوت ) : أي القيام ، أو السكون والخشوع في السجود ( ثم اتفقا ) : أي أبو داود والنسائي ( في الباقي ) : أي باقي الحديث .




الخدمات العلمية