إذا مت كان الناس نصفين شامت بموتي ومثن بالذي كنت أفعل
ومراده أنهم ينقسمون قسمين . [ ص: 10 ] قلت : ومن هذا المعنى حديث المرفوع في الفرائض " أنها نصف العلم " خرجه أبي هريرة ، فإن أحكام المكلفين نوعان : نوع يتعلق بالحياة ، ونوع يتعلق بما بعد الموت ، وهذا هو الفرائض . وقال ابن ماجه : الفرائض ثلث العلم . ووجه ذلك الحديث الذي خرجه ابن مسعود أبو داود من حديث وابن ماجه مرفوعا : " عبد الله بن عمرو . وروي عن العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة " مجاهد أنه قال : المضمضة والاستنشاق نصف الوضوء ، ولعله أراد أن الوضوء قسمان : أحدهما مذكور في القرآن ، والثاني مأخوذ من السنة ، وهو المضمضة والاستنشاق ، أو أراد أن المضمضة والاستنشاق يطهران باطن الجسد ، وغسل سائر الأعضاء يطهر ظاهره ، فهما نصفان بهذا الاعتبار ، ومنه قول : الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله . وجاء من رواية ابن مسعود يزيد [ ص: 11 ] الرقاشي عن أنس مرفوعا : " الإيمان نصفان : نصف في الصبر ، ونصف في الشكر " فلما كان الإيمان يشمل فعل الواجبات ، وترك المحرمات ، ولا ينال ذلك كله إلا بالصبر ، كان ، فهكذا يقال في الوضوء : إنه نصف الصلاة . وأيضا الصبر نصف الإيمان بشرط إسباغ الوضوء وإحسانه ، فصار شطر الصلاة بهذا الاعتبار أيضا ، كما في " صحيح فالصلاة تكفر الذنوب والخطايا مسلم " عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . وفي رواية له : ما من مؤمن مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب عليه ، فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارة لما بينهن [ ص: 12 ] وأيضا ، فالصلاة مفتاح الجنة ، والوضوء مفتاح الصلاة ، كما خرجه من أتم الوضوء كما أمره الله ، فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن الإمام أحمد من حديث والترمذي جابر مرفوعا ، وكل من كما في " صحيح الصلاة والوضوء موجب لفتح أبواب الجنة مسلم " عن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : عقبة بن عامر وعن عقبة ، عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يتوضأ ، فيحسن وضوءه ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ، يقبل عليهما بقلبه ووجهه ، إلا وجبت له الجنة محمدا عبده ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء . وفي " الصحيحين " عن ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء . فإذا كان الوضوء مع الشهادتين موجبا لفتح أبواب الجنة ، صار الوضوء نصف الإيمان بالله ورسوله بهذا الاعتبار . [ ص: 13 ] وأيضا ، من قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن التي لا يحافظ عليها إلا مؤمن ، كما في حديث فالوضوء من خصال الإيمان الخفية وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم : ثوبان . والغسل من الجنابة قد ورد أنه أداء الأمانة ، كما خرجه لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن من حديث العقيلي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي الدرداء - قال : وكان يقول : - وايم الله ، لا يفعل ذلك إلا مؤمن ، وصام رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ، وأدى الأمانة قالوا : يا وأعطى الزكاة من ماله طيب النفس بها ، وما أداء الأمانة ؟ قال : الغسل من الجنابة ، فإن الله لم يأتمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها أبا الدرداء . وخرج خمس من جاء بهن مع إيمان ، دخل الجنة : من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن ، من حديث ابن ماجه أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . قيل : وما أداء الأمانة ؟ قال : الغسل من الجنابة ، فإن تحت كل شعرة جنابة الصلوات [ ص: 14 ] الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، وأداء الأمانة كفارة لما بينهن وحديث الذي قبله جعل فيه الوضوء من أجزاء الصلاة . وجاء في حديث خرجه أبي الدرداء البزار من رواية : حدثنا شبابة بن سوار ، عن مغيرة بن مسلم ، عن الأعمش أبي صالح ، عن مرفوعا : " أبي هريرة الصلاة ثلاثة أثلاث : الطهور ثلث : والركوع ثلث ، والسجود ثلث ، فمن أداها بحقها ، قبلت منه ، وقبل منه سائر عمله ، ومن ردت عليه صلاته ، رد عليه سائر عمله " وقال : تفرد به المغيرة ، والمحفوظ عن أبي صالح ، عن كعب من قوله . فعلى هذا التقسيم الوضوء ثلث الصلاة ، إلا أن يجعل الركوع والسجود كالشيء الواحد ، لتقاربهما في الصورة ، فيكون الوضوء نصف الصلاة أيضا . ويحتمل أن يقال : خصال الإيمان من الأعمال والأقوال كلها تطهر القلب وتزكيه ، وأما الطهارة بالماء ، فهي تختص بتطهير الجسد وتنظيفه ، فصارت خصال الإيمان قسمين : أحدهما يطهر الظاهر ، والآخر يطهر الباطن ، فهما نصفان بهذا الاعتبار ، والله أعلم بمراده ومراد رسوله في ذلك كله .صلاتك نور والعباد رقود ونومك ضد للصلاة عنيد
وهي في الآخرة نور للمؤمنين في ظلمات القيامة ، وعلى الصراط ، فإن الأنوار تقسم لهم على حسب أعمالهم . وفي " المسند " و " صحيح " عن ابن حبان عبد الله بن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة ، فقال : . وخرج من حافظ عليها ، كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها ، لم يكن له نور ولا نجاة ولا برهان بإسناد فيه نظر من حديث الطبراني ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " وأبي هريرة " . وأما الصدقة ، فهي برهان ، والبرهان : هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس ، ومنه حديث من صلى الصلوات الخمس في جماعة ، جاز على الصراط كالبرق اللامع في أول زمرة من السابقين ، وجاء يوم القيامة ، ووجهه كالقمر ليلة البدر أبي موسى أن روح المؤمن تخرج من جسده لها برهان كبرهان الشمس ، ومنه سميت الحجة القاطعة برهانا ، لوضوح دلالاتها على ما دلت عليه ، فكذلك ، وطيب النفس بها علامة على وجود حلاوة الإيمان وطعمه ، كما في حديث الصدقة برهان على صحة الإيمان عبد الله بن معاوية الغاضري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " " وذكر الحديث ، خرجه ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان : من عبد الله وحده ، وأنه لا إله إلا الله ، وأدى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه في كل عام أبو داود . [ ص: 24 ] وقد ذكرنا قريبا حديث فيمن أبي الدرداء ، قال : وكان يقول : لا يفعل ذلك إلا مؤمن . وسبب هذا أن المال تحبه النفوس وتبخل به ، فإذا سمحت بإخراجه لله عز وجل دل ذلك على صحة إيمانها بالله ووعده ووعيده ، ولهذا منعت العرب الزكاة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقاتلهم أدى زكاة ماله طيبة بها نفسه رضي الله عنه على منعها ، الصديق . وقد خرج والصلاة أيضا برهان على صحة الإسلام الإمام أحمد من حديث والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كعب بن عجرة . وقد ذكرنا في شرح حديث : الصلاة برهان محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة أن أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن ، وهي أيضا الصلاة هي الفارقة بين الكفر والإسلام ، فإن تمت صلاته فقد أفلح وأنجح ، وقد سبق حديث أول ما يحاسب به المرء يوم القيامة فيمن حافظ عليها أنها تكون له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة . وأما الصبر فإنه ضياء ، والضياء : هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس بخلاف القمر ، فإنه نور محض ، فيه إشراق بغير إحراق ، قال الله عز وجل : عبد الله بن عمرو هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا [ يونس : 5 ] ومن هنا وصف الله شريعة موسى بأنها ضياء ، كما قال : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين [ الأنبياء : 48 ] [ ص: 25 ] وإن كان قد ذكر أن في التوراة نورا كما قال : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور [ المائدة : 44 ] ، ولكن الغالب على شريعتهم الضياء لما فيها من الآصار والأغلال والأثقال . ووصف شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها نور لما فيها من الحنيفية السمحة ، قال الله تعالى : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين [ المائدة : 15 ] وقال : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون [ الأعراف : 157 ] . ولما كان الصبر شاقا على النفوس ، يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفها عما تهواه ، كان ضياء ، فإن في اللغة الحبس ، ومنه قتل الصبر : وهو أن يحبس الرجل حتى يقتل . والصبر المحمود أنواع : منه معنى الصبر عز وجل ، ومنه صبر على طاعة الله ، ومنه صبر عن معاصي الله عز وجل ، صبر على أقدار الله عز وجل ، صرح بذلك السلف ، منهم والصبر على الطاعات وعن المحرمات أفضل من الصبر على الأقدار المؤلمة ، سعيد بن جبير وغيرهما . وقد روي بإسناد ضعيف من حديث وميمون بن مهران علي مرفوعا " إن الصبر على المعصية يكتب به للعبد ثلاثمائة درجة ، وإن الصبر على الطاعة تكتب به ستمائة درجة ، وإن الصبر عن المعاصي يكتب له به تسعمائة درجة " ، وقد خرجه ابن أبي الدنيا . [ ص: 26 ] ومن وابن جرير الطبري ، فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة ، لأنه صبر على طاعة الله عز وجل ، وصبر عن معاصي الله ، لأن العبد يترك شهواته لله ونفسه قد تنازعه إليها ، ولهذا في الحديث الصحيح : أفضل أنواع الصبر : الصيام ، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي كل عمل ابن آدم له إلا الصيام ، فإنه لي وأنا أجزي به ، وفيه أيضا صبر على الأقدار المؤلمة بما قد يحصل للصائم من الجوع والعطش ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمي شهر الصيام شهر الصبر . وقد جاء في حديث الرجل من إن الله عز وجل يقول : بني سليم الصوم نصف الصبر ، وربما عسر الوقوف على سر كونه نصف الصبر أكثر من عسر الوقوف على سر كون الطهور شطر الإيمان ، والله أعلم . وقوله صلى الله عليه وسلم : عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن ، قال الله عز وجل : والقرآن حجة لك أو حجة عليك وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا [ الإسراء : 82 ] . قال بعض السلف : ما جالس أحد القرآن ، فقام عنه سالما ؛ بل إما أن يربح أو أن يخسر ، ثم تلا هذه الآية . وروي عن ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عمرو بن شعيب يمثل القرآن يوم القيامة رجلا ، فيؤتى بالرجل قد حمله ، فخالف أمره ، فيتمثل له خصما ، فيقول : يا رب حملته إياي فشر حامل تعدى حدودي ، وضيع فرائضي ، وركب معصيتي ، وترك طاعتي ، فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال : شأنك به ، فيأخذه بيده ، فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار ، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله وحفظ أمره ، فيمتثل خصما دونه ، فيقول : يا رب حملته إياي ، فخير حامل : حفظ حدودي ، وعمل بفرائضي ، واجتنب معصيتي ، واتبع طاعتي ، فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال : شأنك به ، فيأخذه بيده ، فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق ، ويعقد عليه تاج الملك ، ويسقيه كأس الخمر . وقال : القرآن شافع مشفع وماحل مصدق ، فمن جعله أمامه ، قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره ، قاده إلى النار . وعنه قال : يجيء القرآن يوم القيامة ، فيشفع لصاحبه ، فيكون قائدا إلى الجنة ، أو يشهد عليه ، فيكون سائقا إلى النار . [ ص: 28 ] وقال ابن مسعود : إن هذا القرآن كائن لكم أجرا ، وكائن عليكم وزرا ، فاتبعوا القرآن ، ولا يتبعكم القرآن ، فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة ، ومن اتبعه القرآن زج في قفاه ، فقذفه في النار . أبو موسى الأشعريأثامن بالنفس النفيسة ربها وليس لها في الخلق كلهم ثمن بها تملك الأخرى فإن أنا بعتها
بشيء من الدنيا ، فذاك هو الغبن لئن ذهبت نفسي بدنيا أصيبها
لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن