37 - 117 - ( باب ما ( جاء ) في - رضي الله عنه - ) سلمان الفارسي
قال : كنت رجلا فارسيا من أهل سلمان الفارسي أصبهان من قرية منها يقال لها : جي ، وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه ، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية ، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا أتركها تخبو ساعة . قال : فكانت لأبي ضيعة عظيمة قال : فشغل في بنيان له يوما فقال لي : يا بني ، ( إني ) قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها ، وأمرني فيها ببعض ما يريد ( ثم قال لي : لا تحتبس علي ، فإنك إن احتبست علي كنت أحم علي من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري ) فخرجت أريد ضيعته ، فمررت بكنيسة من كنائس 15833 عن النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس أبي إياي في بيته ، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم ، وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه ، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي ولم آتها ، فقلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام . قال : ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في [ ص: 333 ] طلبي وقد شغلته عن عمله كله قال : فلما جئته قال : أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ ! قلت: يا أبتي مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس . قال : أي بني ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه قال : قلت : كلا والله إنه لخير من ديننا قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته .
قال : وبعثت إلى النصارى ، وقلت لهم : إذا قدم عليهم من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم . فأقبل عليهم ركب من الشام تجار من النصارى ،فأخبروني ،قال : فقلت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم . قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ( أخبروني بهم ، فـ ) ألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى ( قدمت ) الشام ، فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة . قال : فجئته ، فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين ، وأحببت أن أكون معك في كنيستك ، أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك . قال : ادخل ، فدخلت معه . قال : فكان رجل سوء ; يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا منها شيئا اكتنزه لنفسه ولم يعط المساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق . قال : وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ، ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء ; يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها ، فإذا جمعتم له منها أشياء جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا : وما علمك بذلك ؟ قلت : أنا أدلكم على كنزه قالوا : فدلنا عليه قال : فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبدا قال : فصلبوه ، ثم رجموه بالحجارة ، ثم جاءوا برجل آخر فجعلوه بمكانه .
قال : يقول سلمان : قلما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ، ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ونهارا منه . قال : فأحببته حبا لم أحبه من قبله ، فأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان ، إني كنت معك ، وأحببتك حبا لم أحبه أحدا قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله ، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني ؟ قال : أي بني ، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجل بالموصل ، وهو فلان ، فهو على ما كنت عليه فالحق به .
قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له : يا فلان ، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على مثل أمره ، قال : أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل ، ( على أمر صاحبه ) فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان ، إن فلانا أوصاني إليك ، وقد أمرني باللحوق بك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني ؟ [ ص: 334 ] قال : أي بني ، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين ( وهو فلان ، فالحق به ، قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين ) . فجئته فأخبرته خبري ، وما أمرني به صاحبي قال : أقم عندي ، ( فأقمت عنده ) فوجدته على أمر صاحبيه ، فأقمت مع خير رجل ، فوالله ما لبث أن نزل به الموت ، فلما حضر قلت : يا فلان ، إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني ؟ قال : أي بني ، والله ما أعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية ; فإنه على مثل ما نحن عليه ، فإن أحببت فأته ; فإنه على مثل أمرنا .
قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية ، فأخبرته خبري ، فقال : أقم عندي ، فأقمت مع رجل على أمر أصحابه وهديهم ، واكتسبت حتى صارت لي بقيرات وغنيمة . قال : ثم نزل به أمر الله - عز وجل - . قال : فلما حضر قلت له : يا فلان ، إني كنت مع فلان وإنه أوصى بي إلى فلان ، وأوصى إلى فلان وأوصى إلى فلان إلى فلان وأوصاني فلان إلى فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني ؟ قال : فإنني والله ما أعلم أحدا على ما كنا عليه من الناس آمرك أن تأتيه ، ولكن قد إبراهيم يخرج بأرض العرب ، مهاجره إلى أرض بين حرتين ، بينهما نخل ، به علامات لا تخفى : يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل . أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين
قال : ثم مات وغيب ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مر بي نفر من كل تجار ، فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقيراتي هذه وغنيمتي هذا ؟ فقالوا : نعم ، فأعطيتموها فحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود ، وكنت عنده ، ورأيت النخل ، ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي ، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة ، فابتاعني منه فحملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، وبعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - فأقام بمكة ، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل ، وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه ، فقال : فلان ، قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن مجتمعون على رجل قدم من مكة اليوم يزعم أنه نبي . قال : فلما سمعتها أخذتني [ ص: 335 ] العرواء حتى ظننت سأسقط على سيدي . قال : ونزلت عن النخلة ، وجعلت أقول لابن عمه ( ذلك ) : ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ فغضب سيدي ، فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك . قال : قلت : لا شيء إنما أردت أن أستثنيه عما قال . وكان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بقباء ، فدخلت عليه ، فقلت له : إنه بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة ، وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم ، فقربته إليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : " كلوا " . وأمسك يده فلم يأكل قال : فقلت في نفسي : هذه واحدة . ثم انصرفت ، عنه فجمعت شيئا ، وتحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، ثم جئته ، فقلت : إني رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية أكرمتك بها ، قال : فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ، وأمر أصحابه فأكلوا معه . قال : فقلت في نفسي : هذه اثنتان . قال : ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ببقيع الغرقد وقد تبع جنازة من أصحابه ، عليه شملتان له ، وهو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ، ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استدبرته عرف أني أستثبت في شيء قد وصف لي . قال : فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم وعرفته ، فانكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " . فتحولت ، فقصصت عليه حديثي - كما حدثتك يا ( تحول ) - فأعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسمع ذلك أصحابه . ابن عباس
وشغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدر وأحد .
قال : ثم قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سلمان " . فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة أحييها له بالعفير ، وبأربعين أوقية . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : " كاتب يا " . فأعانوني بالنخل ، الرجل بثلاثين ودية ، والرجل بعشرين ودية ، والرجل بخمس عشرة ودية ، والرجل بعشر ، يعين الرجل بقدر ما عنده حتى إذا اجتمعت إلي ثلاثمائة ودية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أعينوا أخاكم سلمان فعفر لها ، فإذا فرغت فائتني فأكون أنا أضعها بيدي " . قال : فعفرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معي إليها ، فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، فوالذي [ ص: 336 ] نفس اذهب يا سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة ، فأديت النخل وبقي علي المال ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المعادن ، فقال : " ما فعل الفارسي المكاتب ؟ " . قال : فدعيت له ، فقال : " خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان " . قال : قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : " خذها ; فإن الله سيؤدي بها عنك " . قال : فأخذتها ، فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم وعتقت ، فشهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق ، ثم لم يفتني معه مشهد .