ثم سنح الثعلب فسمته أسماء غير الثعلب - نسيه عبد الله بن حسان - ثم قالت ما قالت في الأرنب ، فبينما هما يرتكان إذ برك الجمل ، وأخذته رعدة ، فقالت الحديباء القضية : أدركت والله أخذه أيوب .
فقلت : واضطرب إليها ، ويحك ما أصنع ؟ قالت : قلبي ثيابك ظهورها بطونها ، وتدحرجي ظهرك لبطنك ، وقلبي أحلاس جملك ، ثم خلعت سبيجها فقلبته ، وتدحرجت ظهرها لبطنها ، فلما فعلت ما أمرتني به ، انتفض الجمل ثم قام فتفاج ، وقال : فقالت الحديباء : أعيدي عليك أداتك . ففعلت ما أمرتني به فأعدتها .
ثم خرجنا نرتك ، فإذا أيوب يسعى على أثرنا بالسيف صلتا ، فوألنا إلى حواء ضخم ، قد أراه حتى ألقى الجمل إلى البيت الأوسط جمل ذلول ، فاقتحمت داخله بالجارية ، وأدركني بالسيف ، فأصابت ظبيته طائفة من قرون رأسي ، وقال : ألقي إلي بنت أخي يا دفار . فرميت بها إليه ، فجعلها على منكبه فذهب بها ، وكنت أعلم به من أهل البيت ، ومضيت إلى أخت لي ناكح في بني شيبان أبتغي الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام .
فبينا أنا عندها ذات ليلة من الليالي تحسب عيني نائمة ، جاء زوجها من الشام فقال : وأبيك ، لقد وجدت لقيلة صاحبا ، صاحب صدق ، قالت : من هو ؟ قال : حريث بن حسان الشيباني ، وافد بكر بن وائل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذا صباح .
قالت أختي : الويل لي لا تسمع [ بهذا ] أختي ، فتخرج مع أخي بكر بن وائل بين سمع الأرض وبصرها ليس معها من قومها رجل ، فقال : لا تذكريه لها ، فإني غير ذاكره لها . فسمعت ما قالا ، فغدوت فشددت علي جملي فوجدته غير بعيد ، فسألته الصحبة . فقال : نعم ، وكرامة ، وركابه مناخه ، فخرجت معه صاحب صدق حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بالناس صلاة الغداة .
وقد أقيمت حين شق الفجر والنجوم شابكة في السماء ، والرجال لا تكاد تعرف من ظلمة الليل ، فصففت مع الرجال امرأة حديثة عهد بجاهلية فقال لي الرجل الذي يليني في الصف : امرأة أنت أم رجل ؟ فقلت : لا بل امرأة . فقال : إنك قد كدت تفتنيني ، فصلي في صف النساء وراءك ، وإذا صف من نساء قد حدث عند الحجرات لم أكن رأيته حين دخلت ، فكنت فيه حتى إذا طلعت الشمس دنوت .
فإذا رأيت رجلا [ ص: 11 ] ذا رواء وذا بشر طمح إليه بصري ، لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوق الناس ، حتى جاء رجل بعدما ارتفعت الشمس ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وعليك السلام ورحمة الله " وعليه أسمال حليتين قد كانتا بزعفران ، وقد نفضتا ، وبيده عسيب نخل مقشو غير خوصتين من أعلاه ، قاعدا القرفصاء ، فلما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتخشع في الجلسة ، أرعدت من الفرق ، فقال له جليسه : يا رسول الله أرعدت المسكينة .
فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينظر إلي وأنا عند ظهره : " " فلما قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذهب الله عني ما كان دخل في قلبي من الرعب ، فتقدم صاحبي أول رجل يا مسكينة ، عليك السكينة حريث بن حسان فبايعه على الإسلام ، وعلى قومه ، ثم قال : يا رسول الله ، اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء لا يجاوزها إلينا منهم إلا مسافر أو مجاور ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اكتب له بالدهناء يا غلام " .
فلما رأيته شخص لي ، وهي وطني وداري ، فقلت : يا رسول الله ، لم يسلك السوية من الأمر إذ سلك ، إنما هذه الدهناء عند مقيل الجمل ، ومرعى الغنم ، ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك ، فقال : " " . أمسك يا غلام ، صدقت المسكينة ، المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ، ويتعاونان على الفتان
فلما رأى حريث أن قد حيل دون كتابه ، ضرب إحدى يديه على الأخرى ثم قال : كنت أنا وأنت كما قال : حتفها تحمل ضأن بأظلافها ، فقالت : والله ، ما علمت إن كنت لدليلا في الظلماء ، مدولا لدى الرحل ، عفيفا عن الرفيقة ، حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن لا تلمني على أن أسأل حظي إذ سألت حظك ، قال : وما حظك في الدهناء لا أبا لك ؟ قلت : مقيل جملي تسأله لجمل امرأتك . قال : لا جرم ، أشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني لك أخ وصاحب ما حييت ، إذا ثنيت على هذا عنده ، قلت : إذ بدأتها فلن أضيعها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيلام ابن هذه أن يفصل الخطة ، وينصر من وراء الحجرة ؟ " .
فبكيت ثم قلت : قد والله ، ولدته يا رسول الله حراما ، فقاتل معك يوم الربذة ، ثم ذهب بميرتي من خيبر ، فأصابته حماها فمات ، فترك علي النساء .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فوالذي نفسي بيده لو لم تكوني مسكينة لجررناك على وجهك - أو لجررت على وجهك - شك عبد الله بن حسان أي الحرفين حدثته المرأتان - أتغلب إحداكن أن تصاحب صويحبه في الدنيا معروفا ؟ فإذا حال بينه وبينه من هو أولى به منه [ ص: 12 ] استرجع ، ثم قال : رب آسني لما أمضيت ، فأعني على ما أبقيت ، فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر له صويحبه ، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم " . ثم كتب لها في قطعة أديم أحمر : " لقيلة والنسوة من بنات قيلة لا يظلمن حقا ، ولا يكرهن على منكح ، وكل مؤمن ومسلم لهن نصير ، أحسن ولا تسئن " . أنها كانت تحت
قال محمد بن هشام : فسره لنا ابن عائشة ، فقال : الفرصة : ذات الحدب ، والفرصة : القطعة من المسك ، والفرصة : الدولة ، انتهز فرصتك ، أي : دولتك .
السبيج : سمل كساء . الرتكان : ضرب من السير . الانتفاج : السعي . شنح : أي ولاك ميامنه ، وبعض العرب يجعل مياسره ، وهم يتطيرون بأحدهما ويتفاءلون بالآخر . تفاج : تفتح . فوألنا : أي لجأنا إلى حواء . يا دفار : يا منتنة ، من ذلك قول العرب في الدنيا : أم دفر لنتنها . ثم سدت عنه : استخبرت عنه . المقشو : المقشور . الفتان : الشياطين وأحدها فاتن .
" حتفها تحمل ضأن بأظلافها " : مثل من أمثال العرب في شاة بحثت بأظلافها في الأرض ، فأظهرت مدية ، فذبحت بها ، فصار مثلا .
القضية : انقضاء الأمور . شخص : أي ارتفع بصري . فكسرا : من إكسار ما سمعت . آسني : أي اجعل لي أسوة بما تعظني به ، قال متمم بن نويرة :
فقلت لها طول الأسى إذ سألتني ولوعة حزن تترك الوجه أسفعا
. أسفع : أي أسود . رواه ، ورجاله ثقات . الطبراني