الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            10450 وعن ابن عباس قال : لما اعتزلت الحرورية وكانوا على حدتهم ، قلت لعلي : يا أمير المؤمنين ، أبرد عن الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم ، فأكلمهم ، قال : إني أتخوفهم عليك . قلت : كلا إن شاء الله ، فلبست أحسن ما قدرت عليه من هذه اليمانية ، ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة ، [ ص: 240 ] فدخلت على قوم لم أر قوما أشد اجتهادا منهم ، أيديهم كأنها ثفن الإبل ، ووجوههم معلنة من آثار السجود ، فدخلت فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، ما جاء بك ؟ قال : جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزل الوحي وهم أعلم بتأويله ، فقال بعضهم : لا تحدثوه ، وقال بعضهم : لنحدثنه .

                                                                                            قال : قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وختنه ، وأول من آمن به ، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه ؟ قالوا : ننقم عليه ثلاثا ، قلت : ما هن ؟ قالوا : أولهن أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال الله تعالى : إن الحكم إلا لله .

                                                                                            قلت : وماذا ؟ قالوا : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، لئن كانوا كفارا لقد حلت أموالهم ، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم .

                                                                                            قال : قلت : وماذا ؟ قالوا : ومحا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين .

                                                                                            قال : قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم ، وحدثتكم من سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما لا تنكرون أترجعون ؟ قالوا : نعم .

                                                                                            قال : قلت : أما قولكم : إنه حكم الرجال في دين الله ، فإنه تعالى يقول : ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم . إلى قوله : يحكم به ذوا عدل منكم ، وقال في المرأة وزوجها : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها . أنشدكم الله ، أفحكم الرجال في دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ قالوا : اللهم في حقن دمائهم ، وصلاح ذات بينهم . قال : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم .

                                                                                            وأما قولكم : إنه قتل ولم يسب ولم يغنم ، أتسبون أمكم ؟ أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فقد كفرتم . وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم ، وخرجتم من الإسلام ; إن الله تبارك وتعالى يقول : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأنتم تترددون بين ضلالتين ، فاختاروا أيهما شئتم ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم .

                                                                                            وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين ; فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا ، فقال : " اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله . فقال : " والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، اكتب يا علي : محمد [ ص: 241 ] بن عبد الله " . ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أفضل من علي ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم .

                                                                                            فرجع منهم عشرون ألفا ، وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا .

                                                                                            رواه الطبراني ، وأحمد ببعضه ، ورجالهما رجال الصحيح .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية