الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 390 - 391 ] ( ويؤذن للفائتة ويقيم ) لأنه عليه الصلاة والسلام قضى الفجر غداة ليلة التعريس بآذان وإقامة ، وهو حجة على الشافعي رحمه الله في اكتفائه بالإقامة .

                                                                                                        ( فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام ) لما روينا ( وكان مخيرا في الباقي : إن شاء أذن وأقام ) ليكون القضاء على حسب الأداء ( وإن شاء اقتصر على الإقامة ) لأن الأذان للاستحضار وهم حضور .

                                                                                                        قال رضي الله عنه : وعن محمد رحمه الله أنه يقيم لما بعدها ولا يؤذن ، قالوا : يجوز أن يكون هذا قولهم جميعا .

                                                                                                        ( وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر ، فإن أذن على غير وضوء جاز ) لأنه ذكر وليس بصلاة ; فكان الوضوء فيه استحبابا كما في القراءة ( ويكره أن يقيم على وضوء ) لما فيه من الفصل بين الإقامة والصلاة .

                                                                                                        ويروى : أنه لا تكره الإقامة أيضا ; لأنها أحد الأذانين ، ويروى : أنه يكره الأذان أيضا ; لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب بنفسه .

                                                                                                        ( ويكره أن يؤذن وهو جنب ) رواية واحدة ، ووجه الفرق على إحدى الروايتين أن للأذان شبها بالصلاة ، فتشترط الطهارة عن أغلظ الحدثين لا عن أخفهما ، عملا بالشبهين .

                                                                                                        ( وفي الجامع الصغير : إذا أذن وأقام على غير وضوء لا يعيد ، والجنب أحب إلي أن يعيد ، ولو لم يعد أجزأه ) أما الأول فلخفة الحدث ، وأما الثاني ففي الإعادة بسبب الجنابة روايتان ، والأشبه أن يعاد الأذان دون الإقامة ; لأن تكرار الأذان مشروع دون الإقامة ، وقوله : " ولو لم يعد أجزأه " يعني الصلاة ; لأنها جائزة بدون الأذان والإقامة . [ ص: 392 ] قال : ( وكذلك المرأة تؤذن ) معناه يستحب أن يعاد ليقع على وجه السنة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث التاسع : روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى الفجر غداة ليلة التعريس ، بأذان [ ص: 392 ] وإقامة ، }وأعاده في " باب إدراك الفريضة " ، قلت : روي من حديث أبي هريرة . وعمران بن حصين . وعمرو بن أمية الضمري وذي مخبر وعبد الله بن مسعود وبلال . فحديث أبي هريرة ، أخرجه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذا الخبر يعني " قصة التعريس " ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وتحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ، قال : فأمر بلالا ، فأذن ، وأقام ، وصلى . }انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : رواه مالك . وسفيان بن عيينة والأوزاعي وعبد الرزاق عن معمر وابن إسحاق ، لم يذكر أحد منهم الأذان ، في حديث الزهري هذا ، ولم يسنده منهم أحد إلا الأوزاعي ، وأبان العطار عن معمر انتهى .

                                                                                                        وحديث أبي هريرة ، رواه مسلم فلم يذكر فيه الأذان ، أخرجه عن يونس عن الزهري به ، وفيه : { ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا ، فأقام الصلاة ، فصلى بهم الصبح ، }الحديث .

                                                                                                        وأما حديث عمران بن حصين ، فرواه أبو داود أيضا : حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس عن الحسن عن عمران بن حصين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مسير له ، فناموا عن صلاة الفجر ، فاستيقظوا بحر الشمس ، فارتفعوا قليلا حتى استقلت الشمس ، ثم أمر مؤذنا ، فأذن ، فصلى ركعتين قبل الفجر ، ثم أقام ، ثم صلى الفجر ، }انتهى وحديث عمران بن حصين في " الصحيحين " عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين . وليس فيه ذكر الأذان ، ولا الإقامة ، بل ولا ذكر فيه الوضوء بالجملة ، ولفظه ، فقال : { ارتحلوا ، فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس ، قام ، فصلى بنا الغداة ، }الحديث ، ورواه أحمد في " مسنده " . وابن حبان في " صحيحه " في النوع الثامن ، من القسم الخامس من حديث هشام عن الحسن عن عمران ، فذكره ، وزاد : { فقلنا : يا نبي الله ألا نقضها لوقتها من الغد ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أينهاكم الله عن الربا . ويقبله منكم ؟ ، }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم كذلك في " المستدرك " بدون الزيادة . وقال : حديث صحيح [ ص: 393 ] على ما قدمنا من صحة سماع الحسن من عمران بن حصين ، وإعادته عليه السلام الركعتين ، لم يخرجاه ، انتهى قال في " الإمام " : ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ولفظه : { ثم أمر بلالا فأذن . }

                                                                                                        وأما حديث عمرو بن أمية الضمري ، فرواه أبو داود أيضا من حديث حيوة بن شريح عن عياش بن عباس القتباني أن كليب بن صبيح حدثه أن الزبرقان حدثه عن عمه عمرو بن أمية الضمري ، قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره . فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس ، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : تنحوا عن هذا المكان ، قال : ثم أمر بلالا ، فأذن ، ثم توضئوا ، وصلوا ركعتي الفجر ، ثم أمر بلالا ، فأقام الصلاة ، فصلى بهم صلاة الصبح ، }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث ذي مخبر ، فرواه أبو داود أيضا من حديث حريز بن عثمان ، حدثني يزيد بن صليح عن ذي مخبر الحبشي وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر ، قال : { فتوضأ يعني النبي صلى الله عليه وسلم وضوءا لم يلن منه التراب . ثم أمر بلالا فأذن ، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين ، غير عجل ، ثم قال لبلال : أقم الصلاة ، ثم صلى ، وهو غير عجل ، }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث ابن مسعود ، فرواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود ، قال : { سرنا ذات ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : يا رسول الله لو أمسينا الأرض فنمنا ، رعت ركائبنا ، قال : فمن يحرسنا ؟ قلت : أنا ، قال : فغلبتني عيني فلم توقظني إلا وقد طلعت الشمس ، ولم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بكلامنا ، . قال : فأمر بلالا فأذن ، ثم أقام فصلى بنا ، }انتهى .

                                                                                                        ورواه أبو داود غير مفسر ، ولفظه عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، قال : سمعت { عبد الله بن مسعود ، قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يكلؤنا ؟ فقال بلال : أنا ، فناموا حتى طلعت الشمس ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : افعلوا كما كنتم تفعلون قال : ففعلنا ، قال : فكذلك فافعلوا لمن نام أو نسي }. انتهى .

                                                                                                        وأما حديث بلال ، فرواه البزار في " مسنده " حدثنا محمد بن عبد الرحيم . والفضل بن سهيل : قالا : ثنا عبد الصمد بن النعمان ثنا أبو جعفر الرازي عن يحيى [ ص: 394 ] بن سعيد عن سعيد بن المسيب { عن بلال أنهم ناموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر حتى طلعت الشمس ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قاموا بلالا ، فأذن ثم صلى ركعتين ، ثم أقام بلال فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر بعدما طلعت الشمس ، }انتهى .

                                                                                                        قال البزار : وقد رواه غير عبد الصمد فقال : عن سعيد بن المسيب مرسلا انتهى .

                                                                                                        واعلم أن شيخنا علاء الدين استشهد لحديث الكتاب بما أخرجه مسلم عن أبي قتادة ، وليس فيه حجة ، ولفظه : قال { : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنكم تسيرون يومكم وليلتكم وتأتون الماء غدا إن شاء الله إلى أن قال : فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه . ثم قال : واحفظوا علينا صلاتنا فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره ، قال : فقمنا فزعين ، ثم قال : اركبوا فركبنا ، فسرنا ، حتى إذا ارتفعت الشمس نزل ، ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء ، ثم قال لأبي قتادة : احفظ علي ميضأتك ، فسيكون لها نبأ ، ثم أذن بلال بالصلاة ، فصلى عليه السلام ركعتين ، ثم صلى الغداة ، فصنع كما كان يصنع كل يوم ، }الحديث . وفيه : { ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى } ، وفيه أيضا { إن ساقي القوم آخرهم شربا } ، فيحتمل أنه ، أراد بقوله : فصنع كما كان يصنع كل يوم ، إقامة الأركان ، فليس صريحا في المقصود ، وقد ذكر هذا في غير هذا الحديث ، وذكره البخاري مختصرا ، ولفظه : عن أبي قتادة ، قال : { سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة ، فقال بعض القوم : لو عرست بنا يا رسول الله ، قال : أخاف أن تناموا عن الصلاة فقال بلال : أنا أوقظكم ، فاضطجعوا ، وأسند بلال ظهره إلى راحلته ، فغلبته عيناه ، فنام ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم . وقد طلع حاجب الشمس ، فقال : يا بلال أين ما قلت ؟ قال : ما ألقيت علي نومة مثلها قط ، قال : إن الله قبض أرواحكم حين شاء ، وردها عليكم حين شاء ، يا بلال : قم فأذن بالناس بالصلاة ، فتوضأ ، فلما ارتفعت الشمس وابيضت ، قام فصلى }انتهى . وليس كل من اللفظين صريحا في المسألة ، بل فيه احتمال يظهر بالتأمل .




                                                                                                        الخدمات العلمية