الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 395 - 401 ] ( والمسافر يؤذن ويقيم ) لقوله عليه الصلاة والسلام لابني أبي مليكة رضي الله عنهما { إذا سافرتما فأذنا وأقيما }( فإن تركهما جميعا يكره ) ولو اكتفى بالإقامة جاز ; لأن الأذان لاستحضار الغائبين ، والرفقة حاضرون ، والإقامة لإعلام الافتتاح ، وهم إليه محتاجون ( فإن صلى في بيته في المصر [ ص: 402 ] يصلي بأذان وإقامة ) ليكون الأداء على هيئة الجماعة ( وإن تركهما جاز ) لقول ابن مسعود رضي الله عنه : أذان الحي يكفينا .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الحادي عشر :

                                                                                                        قال النبي صلى الله عليه وسلم لابني أبي مليكة : { إذا سافرتما فأذنا ، وأقيما } ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " مختصرا ومطولا عن مالك بن [ ص: 402 ] الحويرث ، قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، أنا . وصاحب لي ، وفي رواية : وابن عم لي ، وفي رواية للنسائي : وابن عمر ، قال : فلما أردنا الانصراف ، قال لنا : إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما ، وليؤمكما أكبركما }انتهى . أخرجه البخاري في " باب الاثنان فما فوقهما جماعة " ومسلم في " الإمامة " ، وكذلك أبو داود . وابن ماجه ، وأخرجه الترمذي . والنسائي في " الأذان " ، وقول المصنف فيه : لابني أبي مليكة غلط ، وصوابه مالك بن الحويرث ، وصاحب له أو ابن عم له أو ابن عمر ، على الروايات الثلاث ، وذكره في " كتاب الصرف على الصواب " فقال في " مسألة السيف المحلى " : لأن الاثنين قد يراد بهما الواحد ، قال الله تعالى : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } ، والمراد أحدهما ، وقال عليه السلام لمالك بن الحويرث . وابن عمر : { إذا سافرتما فأذنا وأقيما } ، والمراد أحدهما انتهى لفظه . ما جاء في " حي على خير العمل " أخرجه البيهقي عن عبد الله بن محمد بن عمار . وعمار . وعمر ابني أبي سعد بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال { أنه كان ينادي بالصبح ، فيقول : حي على خير العمل ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكانها : الصلاة خير من النوم ، وترك حي على خير العمل ، }انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : لم يثبت هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما علم بلالا ، وأبا محذورة . ونحن نكره الزيادة فيه ، والله أعلم ، قال في " الإمام " : ورجاله يحتاج إلى كشف أحوالهم ، انتهى .

                                                                                                        وأخرج البيهقي أيضا عن عبد الوهاب بن عطاء ثنا مالك بن أنس عن نافع ، قال : كان ابن عمر أحيانا إذا قال : حي على الفلاح ، قال على إثرها : حي على خير العمل ، ثم أخرجه عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر ، نحوه ، قال : ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر ، ربما زاد في أذانه : حي على خير العمل .

                                                                                                        قوله : روي عن ابن مسعود أنه قال : أذان الحي يكفينا " يعني حين صلى في داره بغير آذان ولا إقامة " ، قلت : غريب ، وروى الطبراني في " معجمه " حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن الثوري عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود . [ ص: 403 ] وعلقمة . والأسود صلوا بغير أذان ، ولا إقامة ، قال سفيان : كفتهم إقامة المصر انتهى . حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه صلى بأصحابه في داره بغير إقامة ، وقال : إقامة المصر تكفينا ، انتهى .

                                                                                                        وروى أحمد في " مسنده " حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم أن الأسود . وعلقمة كانا مع عبد الله في الدار ، فقال عبد الله : صلى هؤلاء ؟ قالوا : نعم ، قال : فصلى بهم بغير آذان ولا إقامة ، وقام وسطهم ، الحديث ، وسيأتي ، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه في الأذان " حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود . وعلقمة ، قالا : أتينا عبد الله في داره ، فقال : أصلى هؤلاء خلفكم ؟ قلنا : لا ، قال : قوموا فصلوا ، ولم يأمر بآذان ولا إقامة ، انتهى .

                                                                                                        ذكر الطهارة في الأذان : أخرج الترمذي عن الوليد بن مسلم عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يؤذن إلا متوضئ ، }ثم أخرجه عن عبد الله بن وهب عن يونس عن ابن شهاب ، قال : قال أبو هريرة : لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ ، قال : وهذا أصح من الأول ، والزهري لم يسمع من أبي هريرة انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر }

                                                                                                        أخرجه أبو الشيخ الحافظ عن عبد الله بن هارون الفروي حدثني أبي عن جدي أبي علقمة عن محمد بن مالك عن علي بن عبد الله بن عباس . حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يا ابن عباس إن الأذان متصل بالصلاة ، فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر }انتهى .

                                                                                                        ذكر القيام في الأذان : أخذ من قوله عليه السلام : { قم يا بلال فناد بالصلاة } ، وروى أبو الشيخ الحافظ في " كتاب الأذان " حدثنا عبدان ثنا هلال بن بشر ثنا عمير بن [ ص: 404 ] عمران العلاف ثنا الحارث بن عبيد عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه ، قال : حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن إلا وهو طاهر ، ولا يؤذن إلا وهو راكب وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم أن القيام في الأذان من السنة ، وقد ورد فيه الركوب .

                                                                                                        أخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن زياد عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي ، قال : { كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فحضرت صلاة الصبح ، فقال لي : يا أخا صداء أذن ، وأنا على راحلتي ، فأذنت } ، وأخرج البيهقي في " الخلافيات " عن عبد الوهاب بن عطاء ثنا سعيد عن الحسن { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا في سفر ، فأذن على راحلته ، ثم نزلوا فصلوا ركعتين ، ثم أمره ، فأقام ، فصلى بهم الصبح ، }وقال : هذا مرسل .

                                                                                                        وقال ابن المنذر : ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير ، وينزل ، فيقيم .

                                                                                                        ذكر الأذان على مكان مرتفع : أخذ من قوله عليه السلام : { لقد هممت أن آمر رجالا فيقومون على الآطام ينادون بالصلاة }رواه أبو داود ، وكذا قوله : فقام على حائط ، وقوله : فقام على المسجد .

                                                                                                        وقوله : فقام على جدر حائط ، وأخرج أبو داود من طريق ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن { امرأة من بني النجار ، قالت : كان بيتي من أطول بيت حول المسجد ، فكان بلال يأتي بسحر ، فيجلس عليه ينظر إلى الفجر ، فإذا رآه أذن } ، وأخرج أبو الشيخ الحافظ عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن أبي برزة الأسلمي قال : من السنة الأذان في المنارة ، والإقامة في المسجد ، وأخرج أيضا عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر ، قال : { كان ابن أم مكتوم يؤذن فوق البيت ، } [ ص: 405 ] انتهى .

                                                                                                        ما جاء في استحباب الإقامة في غير موضع الأذان ، أخذ من قوله في حديث الرؤيا : ثم استأخر عني غير بعيد ، وتقدم : من السنة الأذان في المنارة ، والإقامة في المسجد .

                                                                                                        ما جاء أن الإمام لا يكون مؤذنا فيه حديثان ضعيفان : أحدهما : أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن سلام الطويل عن زيد العمي عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يكره للإمام أن يكون مؤذنا }.

                                                                                                        قال ابن عدي : حديث منكر ، والبلاء فيه من سلام . أو من زيد . أو منهما ، وقال النسائي : سلام متروك .

                                                                                                        { الحديث الثاني } : أخرجه ابن حبان البستي في " الضعفاء " عن المعلى بن هلال عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر فيه ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الإمام مؤذنا ، }انتهى .

                                                                                                        قال في " الإمام " : والمعلى هذا ، قال فيه يحيى : هو من المعروفين بالكذب ووضع الحديث ، وقال أحمد : متروك الحديث ، وحديثه موضوع ، انتهى .

                                                                                                        قال في " الإمام " : لكن رواه أبو عوانة في " مسنده " عن عمر بن شيبة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن المغيرة عن الشعبي عن عبد الله بن زيد الأنصاري ، { سمعت أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أذانه وإقامته مثنى مثنى } ، وأخرجه أبو حفص بن شاهين في " كتاب الناسخ والمنسوخ " عن جماعة عن عمر بن شيبة ، وكذلك أبو الشيخ الأصبهاني ، لكن يبقى النظر في الاتصال بين الشعبي ، وعبد الله بن زيد ، قال البيهقي في " الخلافيات " نقلا عن الحاكم ، أو من عند نفسه : الروايات عن عبد الله بن زيد في هذا الباب كلها واهية ، لأن عبد الله بن زيد استشهد يوم أحد فيما بلغنا . ثم أسند عن إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز عن عبيد الله بن عمر ، قال : دخلت ابنة عبد الله بن زيد بن عبد ربه على عمر بن عبد العزيز ، فقالت : يا أمير المؤمنين أنا ابنة عبد الله بن زيد أبي شهد بدرا ، وقتل يوم أحد ، فقال عمر بن عبد العزيز : سلي [ ص: 406 ] ما شئت . فسألت ، فأعطاها ما سألت ، قال الحاكم : فهذه الرواية الصحيحة تصرح بأن أحدا من هؤلاء لم يلق عبد الله بن زيد صاحب الرؤيا . ولا أدرك أيامه . فتصير هذه الروايات كلها مرسلة . ولذلك تركها الشيخان في " صحيحيهما " ، قال الشيخ : والذي يظهر أن في هذه الرواية أيضا إرسالا ، فإن أبا عثمان عبيد الله بن عمر ليس في طبقة من يروي عن عمر بن عبد العزيز مشافهة ولقاءا ، وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد ، قال : حدثني أبي ، فصرح فيه بسماع محمد من أبيه ، أخرجه أبو داود وغيره ، وفي " علل الترمذي الكبير " سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : هو عندي صحيح " يعني حديث ابن إسحاق " ، وأسند البيهقي . ومحمد بن يحيى الذهلي أنه قال : ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان أصح من هذا ، لأن محمدا سمع من أبيه ، وكذلك قال ابن خزيمة بعد أن أخرجه في " صحيحه " : إن محمدا سمع من أبيه ، وأيضا فالبيهقي قد ذكر بعد ذلك أن الواقدي روى بإسناده عن محمد بن عبد الله بن زيد ، قال : توفي أبي بالمدينة سنة اثنين وثلاثين ، وصلى عليه عثمان بن عفان . وحديث الأسود

                                                                                                        { أن بلالا كان يثني الأذان والإقامة } ، أخرج الدارقطني نحوه عن إبراهيم النخعي عن بلال ، وقال مثله : لم يسق لفظه قال البيهقي : وإبراهيم عن بلال مرسل ، والأسود بن يزيد لم يدرك أذان بلال ، وأخرج الحاكم ، وعنه البيهقي في " الخلافيات " عن شريك عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة { أن بلالا كان يثني الأذان والإقامة } ، ورواه الطحاوي بلفظ : { سمعت بلالا يؤذن مثنى ويقيم مثنى } ، واعترض الحاكم بأن الأسود بن يزيد . وسويد بن غفلة لم يدركا بلالا وأذانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأبي بكر .

                                                                                                        قال في " الإمام " : وكون سويد بن غفلة لم يدرك أذان بلال في عهده عليه السلام صحيح ، لأنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أنه أدرك الجاهلية ، وأدى الزكاة لمصدقه عليه السلام وأما أبو بكر ففيه نظر ، إذ لا مانع منه . فقد روي أن خروج بلال إلى الشام كان في زمن عمر ، كما رواه حفص بن عمر بن سعد القرظ ، قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلال إلى أبي بكر ، فقال : يا خليفة رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله } ، وإني أريد أن أربط نفسي في سبيل الله حتى أموت ، فقال له أبو بكر : أنشدك الله ، وحقي وحرمتي ، فقد كبر سني واقترب أجلي ، فقام بلال مع أبي بكر حتى هلك ، فلما هلك أبو بكر أتى عمر ، [ ص: 407 ] فقال له : مثل ذلك ، فقال له عمر : أنشدك الله ، وحقي ، وحبي أبا بكر ، وحبه إياي ، فقال بلال : ما أنا بفاعل ، فقال : إلى من يدفع الأذان ؟ فقال : إلى سعد ، قال : وكذلك روى ابن أبي شيبة عن حسين بن علي عن شيخ يقال له : الحفص عن أبيه عن جده ، قال : { أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأبي بكر حياته ، ولم يؤذن في زمان عمر } ، فهذان الخبران يقتضيان استمرار أذان بلال حياة أبي بكر ، مع أن أبا داود روى في " سننه " ما يخالف هذا من طريق عبد الرزاق ثنا معمر عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب { أن بلالا كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما مات عليه السلام أراد أن يخرج إلى الشام ، فقال أبو بكر : تكون عندي ، فقال : إن كنت أعتقتني لنفسك فاحتبسني ، وإن كنت أعتقتني لله فذرني أذهب إلى الله ، فقال : اذهب فذهب إلى الشام فكان بها حتى مات } ، وقد تقدم رواية الطحاوي ، وفيها التصريح بالسماع ، وشريك أخرج له مسلم في " المتابعة " ، وصحح له الحاكم في " المستدرك " ، وعمران بن مسلم وثقه ابن معين . وأبو حاتم انتهى كلامه في " الإمام " ملخصا .




                                                                                                        الخدمات العلمية