الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 108 - 133 ] فصل في الغسل ( وفرض الغسل : المضمضة والاستنشاق ، وغسل سائر البدن ) وعند الشافعي رحمه الله تعالىهما سنتان فيه ; لقوله عليه الصلاة والسلام : { عشر من الفطرة }أي من السنة " وذكر منها المضمضة والاستنشاق " ولهذا كانا سنتين في الوضوء . [ ص: 134 - 135 ] ولنا قوله تعالى: { وإن كنتم جنبا فاطهروا }وهو أمر بتطهير جميع البدن ، إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن النص ، بخلاف الوضوء ; لأن الواجب فيه غسل الوجه والمواجهة فيهما منعدمة ، والمراد بما روي حالة الحدث ، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام { إنهما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء }.

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل في الغسل

                                                                                                        الحديث الثالث والعشرون : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { عشر من الفطرة }: وذكر منها المضمضة ، والاستنشاق . قلت : رواه الجماعة إلا البخاري ، فمسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه في " الطهارة " والترمذي في " الاستئذان " ، وقال : حديث حسن ، والنسائي في " الزينة " كلهم عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، والاستنشاق بالماء . وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء }قال مصعب : { ونسيت العاشرة ، إلا أن تكون المضمضة . }انتهى .

                                                                                                        وهذا الحديث وإن كان مسلم أخرجه في " صحيحه " ففيه علتان ، ذكرهما الشيخ تقي الدين في " الإمام " وعزاهما لابن منده :

                                                                                                        إحداهما : الكلام في مصعب بن شيبة ، قال النسائي في " سننه " : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، ولا يحمدونه .

                                                                                                        الثانية : أن سليمان التيمي رواه عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير مرسلا ، هكذا رواه النسائي في " سننه " ورواه أيضا عن أبي بشر عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير مرسلا ، قال النسائي : وحديث التيمي ، وأبي بشر أولى ، وأبو مصعب منكر الحديث انتهى .

                                                                                                        ولأجل هاتين العلتين لم يخرجه البخاري ، ولم يلتفت مسلم إليهما ; لأن مصعبا عنده ثقة والثقة إذا وصل حديثا يقدم وصله على الإرسال .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو داود ، وابن ماجه من حديث علي بن زيد عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من الفطرة المضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط ، [ ص: 134 ] والاستحداد ، وغسل البراجم ، والانتضاح بالماء ، والاختتان }انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " والبيهقي في " سننه " وسكت عنه أبو داود . ثم المنذري بعده ، وفي رواية لأبي داود عن علي بن زيد عن سلمة بن محمد بن عمار عن أبيه فيكون مرسلا ; لأن أباه ليست له صحبة ، وأما جده عمار ، فقال البخاري : لا يعرف لسلمة من عمار سماع ، وهذا على شرطه ، وغيره يكتفي بالمعاصرة ، والبيهقي هنا سكت عن علي بن زيد ، وقد ضعفه في " باب الوضوء من النبيذ " قال ابن القطان في " كتاب الوهم والإيهام " في كلام على هذا الحديث : وعلي بن زيد وثقه قوم ، وضعفه آخرون ، وجملة أمره أنه كان يرفع الكثير مما يقفه غيره ، واختلط أخيرا ، ولا يتهم بكذب انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : استدل به ابن الجوزي في " التحقيق " للشافعي ، وهو حديث { أم سلمة قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني امرأة أشد ضفر رأسي ، فقال : إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء فتطهري }وفي لفظ : { فإذا أنت قد طهرت }وهو دليل جيد .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن القاسم بن غض عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المضمضة ، والاستنشاق سنة }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : والقاسم . وإسماعيل بن مسلم ضعيفان ، انتهى .

                                                                                                        ( أحاديث القائلين بوجوبهما في الطهارتين ) : واستدل ابن الجوزي لمذهب أحمد بأحاديث : منها ما أخرجه الدارقطني عن عصام بن يوسف ثنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { المضمضة ، والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه } ، انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : تفرد به عصام ، ووهم فيه ، والصواب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أخرجه كذلك ، قال : وهذا أصح ، هكذا رواه السفيانان . وغيرهم ، [ ص: 135 ] ورواه البيهقي كذلك ، ونقل كلام الدارقطني .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة ، والاستنشاق }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني لم يسنده عن حماد غير هدبة ، وغيره يرسله ، وقال البيهقي : رواه هدبة مرة أخرى ، فأرسله ، لم يقل فيه : عن أبي هريرة ، وأظن هدبة أرسله مرة ووصله أخرى ، وتابعه داود بن المحبر عن حماد فوصله ، وخالفهما إبراهيم بن سليمان الخلال شيخ ليعقوب بن سفيان ، فقال : عن حماد عن عمار عن ابن عباس بدل أبي هريرة .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { المضمضة ، والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم إلا بهما }قال الدارقطني : وجابر الجعفي ضعيف ، وقد اختلف عنه ، فأرسله بعضهم عنه عن عطاء عن النبي ، وهو أشبه بالصواب ، قال في " التنقيح " : وجابر الجعفي ضعفه الجمهور ، وسكت ابن الجوزي عنه هنا ، فإنه يحتج به في موضع يكون الحجة له بالحديث ، ويضعفه في موضع يكون الحديث حجة عليه .

                                                                                                        ( الحديث الرابع والعشرون ) : { قال عليه السلام في المضمضة ، والاستنشاق : إنهما فرضان في الجنابة ، سنتان في الوضوء }قلت : غريب ، وروى الدارقطني ، ثم [ ص: 136 ] البيهقي في " سننهما " من حديث بركة بن محمد الحلبي عن يوسف بن أسباط عن سفيان عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة }انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم في المدخل : بركة بن محمد الحلبي يروي عن يوسف بن أسباط أحاديث موضوعة ، وقال الدارقطني : حديث بركة هذا باطل لم يحدث به غيره ، وهو يضع الحديث .

                                                                                                        وقال البيهقي في " المعرفة " : هذا الحديث وهم ، وإنما يروى هذا عن محمد بن سيرين ، قال : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم { الاستنشاق في الجنابة ثلاثا } ، هكذا رواه الثقات عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين مرسلا ، فأسنده بركة الحلبي عن أبي هريرة ، وغير لفظه ، ثم أسنده من جهة الدارقطني بسند صحيح إلى ابن سيرين ، قال : { سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستنشاق في الجنابة ثلاثا }.

                                                                                                        قال : وهكذا رواه عبيد الله بن موسى ، وغيره عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين ، وهو الصواب انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " وقال : لم يروه موصولا غير بركة الحلبي ، وكان يحدث ، وسائر ما يرويه من الأحاديث باطل لا يرويها غيره ، وقال لي عبدان الأهوازي : حدثني حديثا فحدثته بهذا الحديث ، فقال لي : هات حديث المسلمين ، أنا قد رأيت بركة هذا بحلب ولم أكتب عنه ، لأنه كان يكذب انتهى .

                                                                                                        وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " واتهم بركة ، وقال : لعله وضعه انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وقد روي هذا الحديث موصولا من غير حديث بركة ، قال : أخرجه الإمام أبو بكر الخطيب من جهة الدارقطني ثنا علي بن محمد بن يحيى بن مهران السواق ثنا سليمان بن الربيع النهدي ثنا همام بن مسلم ثنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المضمضة والاستنشاق ثلاثا للجنب فريضة }.

                                                                                                        قال الدارقطني : هكذا حدثنيه هذا الشيخ من أصله ، وهو غريب تفرد به سليمان بن الربيع عن همام انتهى .

                                                                                                        قلت : وبهذا الإسناد أيضا ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " واتهم هماما لوضعه ، وأغلظ فيه القول عن الدارقطني ، وابن حبان ، ورواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " في ترجمة همام ، فقال : حدثنا حمزة بن داود نا سليمان بن الربيع به ، وأعله بهمام ، وقال : إنه كان يسرق الحديث ويحدث به ، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ، وهذا لا أصل لرفعه ، وإنما هو مرسل ، انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وربما استدل [ ص: 137 ] لهذا بحديث أبي هريرة { : فبلوا الشعر وأنقوا البشر }رواه الترمذي ، وبحديث عطاء بن السائب عن زاذان عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من ترك شعرة من جسده لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار قال علي : فمن ثم عاديت شعري ، وكان يجزه }انتهى .

                                                                                                        رواه ابن ماجه ، وبحديث أبي ذر : { فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك ، أو قال : بشرتك }" رواه أصحاب السنن إلا ابن ماجه انتهى كلامه .

                                                                                                        قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : وقد اعتمد بعض الناس في ذلك على أثر ورد عن ابن عباس ، ثم أخرج البيهقي من طريق الدارقطني بسنده عن أبي حنيفة عن عثمان بن راشد عن عائشة بنت عجرد عن ابن عباس فيمن نسي المضمضة والاستنشاق ، قال : لا يعيد إلا أن يكون جنبا ، قال : وزعم أن هذا أثر ثابت ، يترك به القياس ، وهو يعيب علينا الأخذ بحديث بسرة في مس الذكر ، وعثمان بن راشد ، وعائشة بنت عجرد غير معروفين ببلدهما ، فكيف يجوز لأحد أن يثبت ضعيفا مجهولا ويوهن قويا معروفا ؟ انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية