الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإن ) ( حاذته امرأة وهما مشتركان في صلاة واحدة فسدت صلاته إن [ ص: 47 ] نوى الإمام إمامتها ) والقياس أن لا تفسد ، وفي قول الشافعي رحمه الله اعتبارا بصلاتها حيث لا تفسد ، وجه الاستحسان ما رويناه ، وأنه من المشاهير ، وهو المخاطب به دونها ، فيكون هو التارك لفرض المقام ، فتفسد صلاته دون صلاتها كالمأموم إذا تقدم على الإمام ( وإن لم ينو إمامتها لم تضره ، ولا تجوز صلاتها ) لأن الاشتراك لا يثبت دونها عندنا خلافا ، لزفر رحمه الله ، ألا ترى أنه يلزمه الترتيب في المقام فيتوقف على التزامه كالاقتداء ، وإنما يشترط نية الإمام إذا ائتمت محاذية ، وإن لم يكن بجنبها رجل ففيه روايتان . والفرق على إحداهما أن الفساد في الأول لازم ، وفي الثاني محتمل . ( ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة ، وأن تكون مطلقة وأن تكون المرأة من أهل الشهوة ، وأن لا يكون بينهما حائل ) لأنها عرفت مفسدة بالنص ، بخلاف القياس ، فيراعى جميع ما ورد به النص .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : لأنها عرفت مفسدة بالنص " يعني المرأة " ، وكأنه يشير إلى حديث : { أخروهن من حيث أخرهن الله } ، وفيه مع ضعفه بعد .



                                                                                                        أحاديث المنفرد خلف الصف : أخرج أبو داود . والترمذي عن عمرو بن مرة [ ص: 47 - 48 ] عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده ، فأمره أن يعيد الصلاة }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الترمذي أيضا ، وابن ماجه عن حصين عن هلال بن يساف ، قال : أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ، ونحن بالرقة ، فقام بي على شيخ ، يقال له : وابصة ، فقال زياد : حدثني هذا الشيخ والشيخ يسمع : أن رجلا صلى ، فذكره ، وقال : حديث حسن ، قال : واختلف أهل العلم . فقال بعضهم : حديث عمرو بن مرة أصح ، وقال بعضهم : حديث حصين أصح ، وهو عندي أصح من حديث عمرو ، لأنه روي من غير وجه عن هلال عن زياد عن وابصة . انتهى .

                                                                                                        وليس في حديث ابن ماجه : أخبرني هذا الشيخ ، فكأن هلالا رواه عن وابصة نفسه ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " بالإسنادين المذكورين ، ثم قال : وهلال بن يساف سمعه من عمرو بن راشد . ومن زياد بن أبي الجعد عن وابصة ، فالخبران محفوظان . وليس هذا الخبر مما تفرد به هلال بن يساف ، ثم أخرجه عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عمه عبيد بن أبي الجعد عن أبيه زياد بن أبي الجعد عن وابصة ، فذكره ، ورواه البزار في " مسنده " بالأسانيد الثلاثة المذكورة ، ثم قال : أما حديث عمرو بن راشد ، فإن عمرو بن راشد رجل لا يعلم حدث إلا بهذا الحديث ، وليس معروفا بالعدالة ، فلا يحتج بحديثه ، وأما حديث حصين ، فإن حصينا لم يكن بالحافظ ، فلا يحتج بحديثه في حكم ، وأما حديث يزيد بن زياد ، فلا نعلم أحدا من أهل العلم إلا وهو يضعف أخباره ، فلا يحتج بحديثه .

                                                                                                        ، وقد روي عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف عن وابصة ، وهلال لم يسمع من وابصة ، فأمسكنا عن ذكره لإرساله انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : في " المعرفة " : وإنما لم يخرجاه صاحبا الصحيح ، لما وقع في إسناده من الاختلاف ، ثم ذكر هذه الأسانيد الثلاثة . [ ص: 49 ]

                                                                                                        { حديث آخر } للخصم أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه ، قال : { صلينا وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى الصلاة رأى رجلا فردا يصلي خلف الصف ، قال : فوقف عليه نبي الله حين انصرف ، ثم قال له : استقبل صلاتك ، فإنه لا صلاة لمن صلى خلف الصف وحده } ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " . والبزار في " مسنده " ، وقال : وعبد الله بن بدر ليس بالمعروف ، إنما حدث عنه ملازم بن عمرو . ومحمد بن جابر ، فأما ملازم ، فقد احتمل حديثه ، وإن لم يحتج به ، وأما محمد بن جابر ، فقد سكت الناس عن حديثه ، وعلي بن شيبان لم يحدث عنه إلا ابنه ، وابنه هذه صفته ، وإنما ترتفع جهالة المجهول إذا روى عنه ثقتان مشهوران ، فأما إذا روى عنه من لا يحتج بحديثه لم يكن ذلك الحديث حجة ، ولا ارتفعت جهالته . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه البزار في " مسنده " عن النضر بن عبد الرحمن عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن شيبان ، قال البزار : ولا يعلم رواه عن عكرمة إلا النضر ، وهو لين الحديث ، وقد روى أحاديث لا يتابع عليها ، وهو عند بعض أهل العلم ضعيف جدا ، فلا يحتج بحديثه ، وقد عارض هذه الأحاديث أخبار ثابتة دلت على جواز صلاة الذي يصلي خلف الصف وحده انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } مرسل : رواه أبو داود في " المراسيل " عن مقاتل بن حيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن جاء رجل فلم يجد أحدا ، فليختلج إليه رجلا من الصف ، فليقم معه ، فما أعظم أجر المختلج } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي . الأحاديث الدالة على الجواز : أخرج البخاري في " صحيحه " عن الحسن عن أبي بكرة { أنه دخل المسجد ، والنبي صلى الله عليه وسلم راكع ، فركع دون الصف ، ثم دب حتى انتهى إلى الصف ، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته ، قال : إني سمعت نفسا عاليا ، فأيكم الذي [ ص: 50 ] ركع دون الصف ، ثم مشى إلى الصف ؟ فقال أبو بكرة : أنا يا رسول الله ، خشيت أن تفوتني الركعة ، فركعت دون الصف ، ثم لحقت الصف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : زادك الله حرصا ، ولا تعد }انتهى . وهذا يدل على أن أمره عليه السلام بالإعادة في حديث وابصة ليس على الإيجاب ، ولكن على الاستحباب ، وقوله في حديث أبي بكرة : " ولا تعد " إنما هو إرشاد له في المستقبل إلى ما هو أفضل له ، ولو لم يكن مجزئا ، لأمره بالإعادة ، والنهي إنما وقع عن السرعة ، والعجلة إلى الصلاة ، كأنه أحب له أن يدخل في الصف ، ولو فاتته الركعة ، ولا يعجل بالركوع دون الصف ، يدل عليه ما رواه البخاري فيه ، وفي " كتابه المفرد في القراءة خلف الإمام " : { ولا تعد ، صل ما أدركت واقض ما سبقت }. انتهى .

                                                                                                        فهذه الزيادة دلت على ذلك ، ويقويها حديث : { فأتوا وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا } ، وقيل . وقع على التأخر عن الصلاة .

                                                                                                        { حديث آخر } : حديث أنس أخرجه البخاري . ومسلم ، وفيه : { فصففت أنا واليتيم خلفه ، والعجوز من ورائنا }وأحكام الرجال والنساء في ذلك سواء ، قال ابن حبان في " صحيحه " : وقد وهم بعض أئمتنا أن العجوز لم تكن وحدها ، وإنما كان معها أخرى .

                                                                                                        حديث أخبرنا به الحسين ، فذكره بسنده عن أنس بن مالك ، قال : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بساط ، فأقامني عن يمينه ، وقامت أم سليم . وأم حرام خلفنا }انتهى .

                                                                                                        قال : وليس كذلك ، لأنهما صلاتان في وقتين مختلفين ، فتلك الصلاة كانت على حصير ، وقام فيها أنس . واليتيم معه خلف المصطفى ، والعجوز وحدها وراءهم ، وهذه الصلاة كانت على بساط ، وقام فيها أنس عن يمين المصطفى ، وأم سليم ، وأم حرام خلفهما ، فكانتا صلاتين مختلفتين انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية