الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 433 ] قال ( ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما ، فيكون فيها درهم ، ثم في كل أربعين درهما درهم ) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه ، وهو قول الشافعي رحمه الله ; لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث علي رضي الله عنه { وما زاد على المائتين فبحسابه }ولأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال ، واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى ، وبعد النصاب في السوائم تحرزا عن التشقيص .

                                                                                                        [ ص: 434 - 435 ] ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام في حديث معاذ رضي الله عنه { لا تأخذ من الكسور شيئا }. [ ص: 436 ] وقوله في حديث عمرو بن حزم : { وليس فيما دون الأربعين صدقة }ولأن الحرج مدفوع ، وفي إيجاب الكسور ذلك ; لتعذر الوقوف . والمعتبر في الدراهم وزن سبعة ، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل ، بذلك جرى التقدير في ديوان عمر رضي الله عنه ، واستقر الأمر عليه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثاني والعشرون : قال عليه السلام في حديث علي رضي الله عنه : { وما زاد على المائتين فبحسابه }قلت : أخرجه أبو داود عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كانت لك مائتا [ ص: 434 ] درهم ، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا ، فإذا كانت لك عشرون دينارا ، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحساب ذلك }.

                                                                                                        قال : ولا أدري أعلي يقول : فبحساب ذلك ، أو رفعه إلى النبي عليه السلام ، قال أبو داود : رواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ، ولم يرفعوه . انتهى . وقد تقدم في أحاديث الحول .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود أيضا عن زهير ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، والحارث عن علي ، قال زهير : أحسبه عن النبي عليه السلام أنه قال : { هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما ، وليس عليكم شيء حتى يتم مائتا درهم . فإذا كانت مائتي درهم ، ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فعلى حساب ذلك } ، الحديث ، وروى الدارقطني في " سننه " مجزوما به ، ليس فيه : أحسبه .

                                                                                                        وقال ابن القطان رحمه الله : إسناده صحيح ، وكلهم ثقات ، ولا أعني رواية الحارث ، وإنما أعني رواية عاصم . انتهى كلامه .

                                                                                                        وقد تقدم في " زكاة البقر " وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن زيد بن حبان الكوفي عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { هاتوا ربع العشور ، من كل أربعين درهما درهم ، وما زاد فبحساب ذلك }انتهى . ولين زيد بن حبان ، وقال : لا أرى برواياته بأسا . انتهى .

                                                                                                        قال عبد الحق في " أحكامه " : وقد أسند قوله : فما زاد فبحساب ذلك زيد بن حبان الرقي ، وأصله كوفي ، ثم نقل كلام ابن عدي فيه ، وأخرجه الدارقطني أيضا عن أيوب بن جابر الحنفي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعا بلفظ ابن عدي ، سواء ، قال الشيخ رحمه الله في " الإمام " : وأيوب بن جابر ضعفه ابن معين ، وأبو حاتم ، وقال أبو زرعة : واه الحديث ، وأجود ما رأيت فيه قول الإمام أحمد رضي الله عنه : أيوب بن جابر يشبه حديثه حديث أهل الصدق . انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البزار في " مسنده " عن الحجاج بن أرطاة عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه [ ص: 435 ] بنحوه . والحجاج ليس بحجة ، وبهذا الإسناد رواه الدارقطني أيضا ، وجميع ما تقدم طرق لحديث علي رضي الله عنه .

                                                                                                        الآثار : روى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، قال : في كل مائتي درهم خمسة ، فما زاد فبحساب ذلك انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " .

                                                                                                        أثر آخر : رواه عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي نحوه . قال عبد الرزاق : فبحساب ذلك ، يقول فيه بعضهم : إذا زادت على المائتين ، فكانت زيادتها أربعين درهما ، ففيها درهم ، ويقول آخرون : فما زاد يعني إذا كانت عشرة ففيها ربع درهم . انتهى . وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن إبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، ومحمد بن سيرين رضي الله عنهم .

                                                                                                        الحديث الثالث والعشرون : قال عليه السلام في حديث معاذ : { لا تأخذ من الكسور شيئا } ، قلت : روى الدارقطني في " سننه " من طريق ابن إسحاق عن المنهال بن الجراح عن حبيب بن نجيح عن عبادة بن نسي عن معاذ { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا تأخذ من الكسور شيئا ، إذا كانت الورق مائتي درهم ، فخذ منها خمسة دراهم ، ولا تأخذ مما زاد شيئا حتى تبلغ أربعين درهما ، فإذا بلغت أربعين ، فخذ منها درهما }. انتهى .

                                                                                                        وهو حديث ضعيف ، قال الدارقطني : المنهال بن الجراح هو أبو العطون متروك الحديث ، واسمه الجراح بن المنهال ، وكان ابن إسحاق يقلب اسمه ، إذا روى عنه ، وعبادة بن نسي لم يسمع من معاذ . انتهى .

                                                                                                        وقال النسائي : المنهال بن الجراح متروك الحديث ، وقال ابن حبان : كان يكذب ، وقال عبد الحق في " أحكامه " : كذاب ، وقال الشيخ في " الإمام " : قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : متروك الحديث ، واهيه ، لا يكتب حديثه . انتهى . وقال البيهقي : إسناد هذا الحديث ضعيف [ ص: 436 ] جدا .

                                                                                                        الحديث الرابع والعشرون : قال عليه السلام في حديث عمرو بن حزم : { وليس فيما دون الأربعين صدقة } ، قلت : في " أحكام عبد الحق " : وروى أبو أويس عن عبد الله ، ومحمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن ، وفيه : الفضة ، ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ، ففيها خمسة دراهم ، وفي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون الأربعين صدقة }. انتهى .

                                                                                                        ولم يعزه عبد الحق لكتاب ، وكثيرا ما يفعل ذلك في " أحكامه " ، والموجود في كتاب عمرو بن حزم عند النسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، وغيرهم : { وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم ، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون خمس أواق شيء } ، وقد تقدم بتمامه .

                                                                                                        وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم عن الحسن ، قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما : فيما زاد على المائتين ، ففي كل أربعين درهما درهم . انتهى .

                                                                                                        وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " حدثنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس ، قال : ولاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصدقات ، فأمرني أن آخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار ، وما زاد فبلغ أربعة دنانير ففيه درهم ، وأن آخذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم ، فما زاد فبلغ أربعين درهما ، ففيه درهم . انتهى .

                                                                                                        قوله : والمعتبر في الدراهم وزن سبعة ، وهو أن يكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل ، [ ص: 437 ] بذلك جرى التقدير في ديوان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، واستقر الأمر عليه ، قلت : روى ابن سعد في " الطبقات في ترجمة عبد الملك بن مروان " أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، قال : ضرب عبد الملك بن مروان الدنانير والدراهم سنة خمس وسبعين ، وهو أول من أحدث ضربها ، ونقش عليها ، قال الواقدي : وحدثنا خالد بن ربيعة بن أبي هلال عن أبيه ، قال : كانت مثاقيل الجاهلية التي ضرب عليها عبد الملك بن مروان اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة بالشامي ، وكانت العشرة وزن سبعة . انتهى . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال في باب الصدقة وأحكامها " : كانت الدراهم قبل الإسلام كبارا وصغارا ، فلما جاء الإسلام ، وأرادوا ضرب الدراهم ، وكانوا يزكونها من النوعين ، فنظروا إلى الدرهم الكبير ، فإذا هو ثمانية دوانيق ، وإلى الدرهم الصغير ، فإذا هو أربعة دوانيق ، فوضعوا زيادة الكبير على نقصان الصغير ، فجعلوهما درهمين سواء ، كل واحد ستة دوانيق ، ثم اعتبروها بالمثاقيل ، ولم يزل المثقال في آباد الدهر محدودا لا يزيد ولا ينقص ، فوجدوا عشرة من هذه الدراهم التي واحدها ستة دوانيق يكون وزن سبعة مثاقيل ، سواء ، فاجتمعت فيه وجوه ثلاثة : إن العشرة منها وزن سبعة مثاقيل . وأنه عدل بين الكبار والصغار . وأنه موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة ، فمضت سنة الدراهم على هذا ، واجتمعت عليه الأمة ، فلم يختلف أن الدرهم التام ستة دوانيق ، فما زاد أو نقص قيل فيه : زائد ، أو ناقص ، والناس في زكواتهم بحمد الله تعالى على الأصل الذي هو السنة ، لم يزيغوا عنه ، وكذلك في المبايعات والديات على أهل الورق ، والله أعلم ، انتهى كلامه ملخصا محررا .




                                                                                                        الخدمات العلمية