الفصل الثاني : في حكمه
قال اللخمي : : سنة وهو الأذان في المساجد الأذان خمسة أقسام وعرفة ومنى والعدد الكثير في السفر ، والأئمة حيث كانوا ، ومختلف في [ ص: 58 ] وجوبه وهو أذان الجمعة ، قال والأحسن وجوبه ; لتعلق الأحكام كتحريم البيع ، ووجوب السعي ، ومستحب وهو ، ومختلف فيه هل هو مستحب أم لا ؟ وهو أذان الفذ المسافر والجماعة التي لا تحتاج إلى إعلام غيرها والقولان أذان الفذ في غير السفر لمالك قال : والصواب عدم الاستحباب ; لعدم حكمة الأذان ، ومكروه وهو ، وأذان النساء . فرق : الفذ في السفر في موضع ليس فيه شعائر الإسلام ، فشرع له إظهارها وسرايا المسلمين تقصده فيحتاج إلى الذب عن نفسه بخلاف الحاضر ; فإنه مندرج في شعائر غيره وصيانته ، وفي الجواهر عن جماعة من متأخري الأذان للفوائت والسنن الأندلسيين والقرويين أن ; لإقامة شعائر الإسلام فإن فعله واحد منهم سقط عن جملتهم ، قالوا : وهو سنة مؤكدة في مساجد الجماعات ، ومواضع الأئمة وحيث يقصد الدعاء للصلاة ، وعن الأذان واجب البغداديين أنه سنة ، واختار القاضي أبو الوليد وجوبه على الكفاية في المساجد والجماعة الراتبة ، وعلله بإظهار الشعائر وضبط الأوقات ، وقال المازري : في الأذان معنيان أحدهما إظهار الشعائر ، والتعريف بأن الدار دار إسلام ، وهو فرض كفاية يقاتل أهل القرية على تركه حتى يفعلوا إن عجز عن قهرهم على إقامة إلا بالقتال وهو مذهب ابن الطيب ، وثانيهما الدعاء للصلاة والإعلام بوقتها ، وهو جل المقصود منه ، فحكى البغداديون أنه سنة عند مالك والشافعي وأبي حنيفة ، وفرض عند أهل الظاهر ، ووقع لمالك في الموطأ أنه واجب ومعناه سنة مؤكدة وتأول بعض المتأخرين قول من قال : أنه سنة بأن معناه ليس شرطا في الصلاة ، ومنشأ الخلاف في قاعدتين : إحداهما أنه عليه السلام أمر بالأذان بلالا وأبا محذورة وغيرهما ، والخلاف بين الأصوليين في حمل الأمر على الوجوب أو على [ ص: 59 ] الندب ، وثانيتهما أن الصلوات واجبة وصحتها متوقفة على معرفة دخول وقتها ، والخلاف بين العلماء فيما يتوقف عليه الواجب المطلق وهو مقدور للمكلف هل يكون واجبا أم لا ؟
سؤال إذا رتب الله تعالى وجوب شيء على سبب أو شرط لا يجب تحصيلهما ولا يبحث عنهما إجماعا كترتيب الرجم على الزنا والإحصان ، والقطع على السرقة ونحوهما ، فإنه لا يجب تحصيلهما ولا البحث عنهما ، وإنما يجب تحصيل ما يتوقف عليه الواجب بعد تحقق سبب وجوبه كتوقف الحج ، والجمعة على السعي لهما بعد تحقق وجوبهما وأسبابهما ، فلو خولفت هذه القاعدة هاهنا فإن الأوقات أسباب الوجوب كالزنا ، والسرقة والاستطاعة في الحج . جوابه : إن أسباب الوجوب على قسمين : منها ما يجوز أن يعرى عنه المكلف في جملة عمره فلا يجب عليه البحث عنه كالسرقة ونحوها ، ومنها ما يقطع بحصوله في الجملة من غير تعيين فيقطع بترتيب الوجوب في ذمته ; لقطعه بسببه وإذا قطع بالوجوب تعين الإيقاع ، فيتعين البحث عن تعيين السبب حتى لا يقع الفعل قبله فيكون معصية غير مجز ، قال صاحب القبس : روي أنه عليه السلام علمه الله تعالى الأذان ليلة الإسراء في السماء بهيئته وصفته ، وكان بمكة مع بقية من الكفار فكانت الصلاة اختلاسا إلى بعد الهجرة ، وفي الموطأ خشبتين في النوم فقال : إن هاتين لنحو مما يريده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل ألا تؤذنون للصلاة ؟ فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استيقظ [ ص: 60 ] فذكر له ذلك فأمر عليه السلام بالأذان عبد الله بن زيد ، وفي هذا الحديث عند أنه عليه السلام أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ; ليجتمع الناس للصلاة ، فأري أبي داود اليهود ، وذكر له الناقوس فقال : هو من أمر النصارى ، وروي أن عمر قال : ابعثوا رجلا ينادي بالصلاة يعني بقول : الصلاة الصلاة . ويروى اتخذوا نارا مثل المجوس ، ويروى نوروا بالليل ، ودخنوا بالنهار . ويروى أن أنه عليه السلام اهتم كيف يجمع الناس للصلاة ؟ فقيل له : تنصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ، فذكر له القنع يعني الشبور فلم يعجبه ، وقال : هو من أمر عمر - رضي الله عنه - رأى مثل ابن زيد وتابعه من الصحابة - رضوان الله عليهم - في الرؤيا بضعة عشر .
فائدة : قال الخطابي : يروى القبع بالباء مفتوحة وبالنون ساكنة ، قال : وسمعت أبا عمر يقول : الثبع بالثاء المثلثة والجميع أسماء للبوق ، فبالنون من إقناع الصوت والرأس وهو رفعه ، وبالباء من الستر يقال : قبع رأسه في جيبه إذا أدخله فيه .
تمهيد : هذا الحديث يدل على أنه عليه السلام كان يجتهد فيما به يعرف الوقت ، وليس هذا من باب الاجتهاد في الأحكام كما ظنه أبو الطاهر وغيره من الفقهاء ، وجعلوه من المسألة الأصولية ؟ لأن الحكم هو وجوب تعرف الوقت ، وهذا لم يقع فيه اجتهاد بل وقع في الطرق المفضية إلى ذلك والطرق ليست أحكاما كما لو وجب علينا أن ننقذ الغريق [ ص: 61 ] فاجتهدنا في فعل ذلك هل يكون بسفينة أو بحبل أو خطام أو بالسباحة إليه ؟ فإن هذه ليست أحكاما ، وإنما الحكم وجوب الإنقاذ ، ولذلك يجتهد الناس في تعرف الوقت بالخطوط الموضوعة على الحيطان ، والرخامات وسائر الآلات ، ولا يعدون مجتهدين في الأحكام الشرعية فلما وقعت الرؤيا احتمل أن تكون وحيا من النبوة كما أقام عليه السلام يوحى إليه في أول نبوته ستة أشهر في المنام ، وكما أوحي هل له عليه السلام أن يجتهد في الأحكام أم لا لإبراهيم - عليه السلام - في المنام بذبح ولده وعلم ذلك عليه السلام بوحي سابق أو بقرائن الأحوال تفيد القطع ، أو الظن الغالب بأنها وحي فعدل عن الاجتهاد إلى الوحي ، ويحتمل أن تكون الرؤيا منبهة على وجه المصلحة وليست وحيا ، فرجع إليها عليه السلام ; لرجحان ما دلت عليه من المصلحة ، لا لكونها وحيا والمصلحة في ذلك أرجح من كل ما تقدم قبلها ; لتحصيل ذكر الله تعالى ، والشهادة بالرسالة ، وإعلام الخلق ، ومباينة شعائر الكفر ، وإظهار اختصاص الأمة . وفي : البخاري . يروى بالكسر والفتح فالكسر معناه سرعة المشي ومنه أنه عليه السلام في حجة الوداع كان يسير العنق ، فإذا وجد فرجة نص ، والفتح قيل هو على ظاهره فتطول أعناقهم حتى لا يصل العرق إلى أفواههم التي كانوا يؤذنون بها ، وقيل أطول رجاء من قولهم تطاولت إليه الأعناق ، وطال عنقي إلى رجائك ، وقيل أطول أعناقا ، وعبر بالعنق عن الصوت ; لأنه محله ، وفي المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة أبي داود : ، ويشهد له كل رطب ، ويابس المؤذن [ ص: 62 ] يغفر له مدى صوته . ومعناه يغفر له بسبب إسماعه ونشره لذكر الله في مد صوته ; لأن الحسنات يذهبن السيئات ، وشهادة الجمادات له يحتمل أن يخلق بها إدراكا وحياة عند الأذان فتضبط ذلك ، ويحتمل ذلك يوم القيامة ، وفي الموطأ ، فإذا قضي الأذان أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ، فيقول : اذكر كذا ، واذكر كذا لما لم يكن يذكر ، وحتى يضل الرجل أن يدري كم صلى إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع النداء . والتثويب : الإقامة وهو من الرجوع كما تقدم وهو يصدق على تكرار اللفظ في الأذان ; لأنه رجوع إليه وعلى الدعاء الذي بعد الأذان ; لأنه رجوع للفظ الأذان وعلى الإقامة ; لأنها رجوع إلى الأذان ، وقد روي إذا أقيمت الصلاة ، ويروى يظل الرجل بالظاء القائمة بمعنى يصير ، ومنه قوله تعالى : ( أنه - عليه السلام - قال : ظل وجهه مسودا ) ( فيظللن رواكد على ظهره ) ويروى يضل من الضلال بالضاد الساقطة .
فائدة : لا يتوهم من هذا أن الأذان والإقامة أفضل من الصلاة ; لهروب الشيطان فيها دون الصلاة ; لأن المفضول قد يختص بما ليس للفاضل ، كما علي ، وأقرأكم أبي ، وأفرضكم زيد ، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل مع فضل قال عليه [ ص: 63 ] السلام : أفضلكم أبي بكر على الجميع - رضي الله عنهم أجمعين - وكذلك تعرض الشيطان له عليه السلام في صلاته ، فهم بربطه ، ثم تركه كما جاء الحديث الصحيح : عمر - رضي الله عنه - فجا سلك الشيطان فجا غيره . فهروبه من وإذا سلك عمر وإلمامه به - عليه السلام - كهروبه من الأذان وتسلطه في الصلاة . وفي الموطأ . ويروى في تهذيب الطالب : ونزول الغيث ، وقراءة القرآن . ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء ، وقل داع ترد عليه دعوته : حضرة النداء بالصلاة ، والصف في سبيل الله
فرع :
اختلف العلماء فقيل : الأذان ، واختاره صاحب تهذيب الطالب ; لاشتماله على حق الله تعالى في التكبيرات ، والشهادة بالتوحيد وحقه عليه السلام في الشهادة له بالرسالة ، وحق العباد في الإعلام بالوقت في حق النساء ، والمنفردين والدعاء للجماعة في حق المقتدين بخلاف الإمامة ; فإن الإمام لم يتحدد له إلا الجهر بالذكر للإعلام بالأذكار ، ولذلك قال أيهما أفضل الأذان ، أم الإمامة ؟ عمر رضي الله عنه : لولا الخليفة لكنت مؤذنا أي : الخلافة .
سؤال : لم كان عليه السلام مؤذنا ؟ لأن أفضل الخلق شأنه المواظبة على [ ص: 64 ] أفضل الأعمال بل كان إماما ولم يؤذن إلا مرة واحدة في سفره .
جوابه من وجوه ، أحدها : أن الأذان مشتمل على دعاء الناس إلى الصلاة فلو أذن لكان التخلف على إجابته شديد الحرج ، فكان يشق على الناس ، وثانيها : أنه إن قال : أشهد أني محمد رسول الله غير نظم الأذان ، وإن قال أشهد أن محمدا رسول الله أوهم رسالة غيره ، وثالثها : أن الأذان يحتاج إلى رصد ومراقبة ، والاشتغال بأعباء الرسالة ، ومصالح الأمة يمنع من ذلك بخلاف الإمامة ، وقيل الإمامة أفضل ; لإفادتها فضل الجماعة وهي خمس وعشرون درجة ، ولم يثبت ذلك للأذان .