الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 368 ] الفصل الثالث : في الحكم .

                                                                                                                ففي الجواهر روى ابن وهب أنه سنة ، وقاله ( ش ) ، وروى أشهب : أنه فرض - وقاله ( ح ) ، وقال الأبهري وجماعة : مباح ، ولم يختلف مالك وأصحابه أن المقيم إنما يعيد في الوقت ، وحكى صاحب المقدمات عن بعض العلماء المنع ، وجه الندب ما في أبي داود عن ابن عمر : قال : صحبت النبي - عليه السلام - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى ، وصحبت أبا بكر - رضي الله عنه - فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى ، وصحبت عمر - رضي الله عنه - فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى ، وصحبت عثمان - رضي الله عنه - فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى ، وجه الفرض قول عائشة رضي الله عنها : فرضت الصلاة مثنى مثنى فزيد في صلاة الحضر ، وأقرت صلاة السفر - وقد تقدم الكلام عليه أول الصلاة . وجه الإباحة قوله تعالى : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) ، ونفي الجناح يقتضي الإباحة .

                                                                                                                ( قاعدة ) :

                                                                                                                الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما : كثرة المصلحة أو المفسدة وقلتهما في الفعل ، وقد يستوي الفعلان في المصلحة من كل وجه ، ويوجب الرب - سبحانه وتعالى - أحدهما دون الآخر ، ويثيب عليه أكثر كالفاتحة في الصلاة مع الفاتحة في [ ص: 369 ] غيرها ، وتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات ، وقد يفضل القليل على الكثير كتفضيل الصبح على سائر الصلوات ، لأنها الوسطى عندنا ، وركعة الوتر على ركعتي الفجر ، والله تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد . فعلى هذا التقدير لا عجب أن يكون القصر على قلة مشقته وأذكاره أفضل من الإتمام .

                                                                                                                فرق

                                                                                                                ملابسة الرخصة في قصر الصلاة أفضل ، وتركها في الصوم أفضل ; لجمعها بين الترخص وبراءة الذمة في الصلاة ; بخلاف الصوم .

                                                                                                                فائدة : للعلماء في صفة القصر الوارد في الآية ستة أقوال من طول الأركان دون إسقاط عند الخوف ، فلو اقتصر على الواجبات أتم ولم تجب الإعادة ، فإن لم يعتدل في الرفع من الركوع والسجود ففي إعادته قولان ، ومن شروطها فيصلي للقبلة وغيرها عند الخوف ، أو الاقتصار على ركعتين عند الخوف ، أو ركعة عند الخوف ، وعليه يحمل ما في الحديث أنه - عليه السلام - صلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا ، أو الاقتصار على ركعتين من غير خوف ، ويكون قوله تعالى : ( إن خفتم ) متعلقا بما بعده ; تقديره : يا أيها الذين آمنوا إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا في صلاتكم ، وكنت فيهم يا محمد فأقمت لهم الصلاة ، فلتقم طائفة منهم معك - الآية . فهذه الفاء جواب الشرط لا نفي الحرج ، أو صلاة الخوف فيكون القصر في الهيئة .

                                                                                                                فروع ثلاثة :

                                                                                                                الأول في الكتاب : إذا أتم أعاد في الوقت ركعتين ، قال ابن القاسم : ولو دخل [ ص: 370 ] الحضر أعاد أربعا ; لأن فعلها في الحضر أربعا أفضل من السفر ; لوقوع الخلاف في فساد السفرية ، والاتفاق على فرضية الحضرية .

                                                                                                                الثاني في الكتاب : إذا أحرم بنية الإتمام ثم بدا له بعد ركعتين فسلم ; لا يجزيه ، وقاله ( ش ) ; لأن إحرامه إن كان فاسدا لا يجزيه ، أو صحيحا فقد أفسده بالإبطال ، فلو أحرم بالإتمام ساهيا ، قال ابن القاسم في الموازية : يسجد بعد السلام ، ثم رجع إلى الإعادة في الوقت ، قال سند : ولو شك هل نوى القصر والإتمام لأعاد في الوقت ; لاحتمال الإتمام ، فلو أحرم بالظهر مطلقا ولم يخصص أتم ; لأنه الأصل ، والقصر يحتاج إلى تخصيص ، وفي الجواهر عن بعض الشيوخ : يصح أن يحرم على أنه بالخيار بين القصر والإتمام ; لأن نيته عدد الركعات لا تلزم .

                                                                                                                الثالث : إذا أم المسافرين أحدهم فسبحوا به بعد ركعتين ، فلم يرجع يقعدون حتى يسلموا بسلامه ، قال سند : وفيه أربعة أقوال : ما مر ، وقال أيضا : يسلمون وينصرفون ، وقال : يتمادون ويعيدون . وقال سحنون : لا يتبعونه ويعيدون معه ، قال : وإنما أمرهم بالانتظار لاختلاف الناس في السفر ; فأما لو تمادى حضري وانتظروه حتى صلى ركعتين ، بطلت صلاتهم ، فلو نوى المأموم الإتمام وانكشف أن الإمام أتم ، اتبعه وأعاد في الوقت ، وإن قصر الإمام لم يسلم معه ، كما لا يسلم المقيم ويعيد صلاته في الوقت ; فلو أتم الإمام صلاته ساهيا وخلفه مقيم ; لا يعتد بركعتي السهو ، قال ابن حبيب : فإن اعتد أعاد أبدا ، ولو أتم عامدا ، قال ابن حبيب : يعيد في الوقت والمقيمون أبدا ; للاختلاف في ركعتي الزيادة : هل هما فرض على الإمام أم لا ؟ وروي عن مالك : يعيدون في الوقت ، وفي الجواهر : إن أحرم بالقصر فأتم ساهيا ، سجد للسهو كما في المدونة فيمن شفع الوتر [ ص: 371 ] ناسيا ، وكما في العتبية فيمن صلى الوتر خمسا ، والفجر أربعا ، وأعاد أبدا في العمد ، وقيل في الوقت فيهما . أما في العمد ; فلأن فعله صادف فعلا صحيحا كمن صلى خامسة سهوا ، ثم ذكر سجدة من الأولى ; وأما في السهو فلأن القصر غير واجب ، قال سحنون : يعيد أبدا لكثرة السهو ، وقال ابن المواز : ليس بسهو مجتمع عليه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية