الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثاني : فيما يكره في الإمام

                                                                                                                وفيه فروع سبعة :

                                                                                                                الأول : كره في الكتاب إمامة الأعرابي بالمسافرين والحاضرين ، وإن كان أقرأهم وهو قول ش ، وعلله ابن حبيب بجهله للسنة ، والباجي بتركه للجمعة والجماعات ، قال صاحب الطراز : والأول أبين ; فإن الجمعة لا تجب عليه والمنفرد في رءوس الجبال لا تكره إمامته إذا كان عالما بالسنة .

                                                                                                                فائدة :

                                                                                                                الأعرابي بفتح الهمزة : البدوي سواء كان عربيا أو أعجميا .

                                                                                                                الثاني : كره في الكتاب إمامة العبد في مساجد العشائر والجماعات والأعياد ، بخلاف غيرها ، قال صاحب الطراز : وأجازها ابن الماجشون وأثبته في غير الجمعة ، وش وابن حنبل . لنا أن الرق نقص لمنع الشهادة ، فيكره في الإمامة ، [ ص: 251 ] ولأنه يؤدي للطعن على الجماعة فإنه أفضلهم ، ومنع في الكتاب إمامته في الجمعة ، قال ابن القاسم : فإن فعل أعاد وأعادوا ; لأن العبد لا جمعة عليه . وفي الجلاب عن أشهب تجزئهم ; لأنها بالإحرام وجبت عليه فساواهم ، ويرد عليه أن النوافل كذلك مع بطلان الإمامة فيها ، وأن تكبيرة الإحرام ليست بواجبة عليه في الجمعة .

                                                                                                                تفريع : قال صاحب الطراز : إذا قلنا بالإعادة ، قال ابن القاسم : يعيدون في الوقت جمعة بخطبة وبعده ظهرا ، وفي امتداد الوقت إلى الضروري قولان . وفي البيان قال ابن القاسم : إلى قبل الغروب بركعة مثل ظاهر الكتاب وإن كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب ، وروى مطرف ما لم تغرب الشمس مثل رواية في الكتاب بإسقاط بعض ، وقال سحنون : إلى قبل الغروب بمقدار العصر ، وقيل ما لم تصفر ، وقال أبو بكر الأبهري : إذا أدرك ركعة بسجدتيها قبل وقت العصر أتمها جمعة وإلا ظهرا ، وفي إعادة الإمام المسافر ثالثها يعيد في الوقت بناء على الخلاف فيمن جهر متعمدا ، وأما البعد فيعيد أبدا ، وقيل لا إعادة عليه ولو اجتمع في القرية جماعة عبيد تتقرى بهم القرية فأقاموا الجمعة لم تجزهم على المذهب ، وبه قال ش خلافا ح ، قال : والتسوية بين العيد والجمعة فيه نظر ; لأن العيد من النوافل ، ولو فاته مع الجماعة صلاه وحده وما له أن يفعله وحده فله الإمامة فيه ، قال صاحب البيان : وأجاز ابن حبيب إمامة العبد في العيد ; [ ص: 252 ] لوجوبها عليه عنده بخلاف الجمعة ، وحكاه مطرف وابن الماجشون ، وسوى المشهور بينهما ; لأنهما لا يجبان عليه . وفي الجواهر روى علي لا يؤم الأحرار إلا أن يكون يقرأ وهم لا يقرءون ، وأجاز ابن القاسم أن يكون إماما راتبا في التراويح .

                                                                                                                تمهيد :

                                                                                                                الواجب على العبد والمرأة والمسافر أحد الصلاتين لا بعينها والخيرة لهم في التعيين ، وعلى المسافر أحد الشهرين : إما رمضان أو شهر القضاء فهذه الصور كلها كخصال الكفارة ففيها نصف خصال الكفارة بالوجوب بناء على وجوب أحدها ويكون موقعا للواجب إذا فعل أحدها ، فكذلك هاهنا وليس هذا من باب إجزاء النفل عن الفرض ، ومعنى قوله عليه السلام : وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة . أي : تعيين الصوم وتعيين الإتمام ، فالعبد متطوع بالتعيين فقط ، والحر مفترض فيه فهذا منشأ الخلاف هل يلاحظ أصل الوجوب أو يلاحظ التعيين ؟ وبهذا يظهر أن قول الأصحاب أنه متطوع بتكبيرة الإحرام ليس على ظاهره بل بتعينها فقط ; لأن الواجب عليه إحدى التكبيرتين إما في الجمعة أو الظهر ، وهذا التقرير يجب اعتقاده فإن خلافه يؤدي إلى خلاف الإجماع من إجزاء النفل عن الفرض .

                                                                                                                الثالث : كره في الكتاب ولد الزنا إماما راتبا ، قال صاحب الطراز : والعتيق المجهول الأب ; لئلا يؤديا لظن في النسب ، قال : فإن قيل كانت الصحابة - رضوان الله عليهم - يصلون خلف الموالي ومن أسلم من غير استفصال قلنا : أولاد الجاهلية تلحق بآبائها من نكاح أو سفاح .

                                                                                                                [ ص: 253 ] الرابع : كره في الكتاب الخصي لشبهه بالمرأة ، وفي الجواهر لا يكره .

                                                                                                                الخامس : كره ابن وهب في العتبية إمامة الأقطع والأشل إذا عجزا عن وضع أيديهما في الأرض ، قال صاحب الطراز : وخالف فيه ابن الماجشون وفي كل عيوب البدن ولم يراع إلا نقص اليدين أو ما يؤثر في ركن كقطع اللسان .

                                                                                                                السادس : كره ابن القاسم في المجموعة إمامة المحدود وترتبه وإن صلحت حاله ، وقال ابن الجلاب : لا بأس بإمامة الأعمى والأقطع والمحدود إذا كان عدلا . وتكره إمامة المتيمم للمتوضئ ، وصاحب السلس والجراح للأصحاء والأغلف ، وفي الواضحة لا تجوز إمامة القاتل عمدا وإن تاب بخلاف المحدود ، وفي الجواهر كراهة إمامة المأبون وترتبه ، وقيل لا تكره إذا كان صالحا .

                                                                                                                السابع : من الجواهر لا يأتم مسافر بمقيم ولا مقيم بمسافر ، قال ابن حبيب : والثاني أخف كراهة من الأول ، واتفقت الروايات عن مالك أن أحد الفريقين لا يؤم بالآخر إلا في مساجد الجماعات والأمراء .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية