[ ص: 73 ] الفصل الخامس : في الإقامة
ففي الجلاب هي عشر كلمات يريد عشر جمل من الكلام ، وإلا فهو اثنان وثلاثون كلمة ، وهذا مجاز مشهور من باب تسمية الكل باسم الجزء كما أن العرب تسمي القصيدة كلمة ، وهي مرة مرة إلا التكبير خلافا لـ ( ح ) في قوله هي مرتين ، وكذلك قد قامت الصلاة ، وخلافا لـ ( ش ) في قوله هي مرة مرة إلا التكبير والإقامة . لنا ما في مسلم بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة . والأحاديث قد وردت على وفق المذاهب كلها لكن أرجحها ما وافق عمل أنه - عليه السلام - أمر المدينة ، وفي الجلاب هي سنة آكد من الأذان ، وفي الكتاب ، وإن أقمن فحسن ، وروى ليس على النساء أذان ، ولا إقامة ابن وهب عن عبد الله بن عمر ، وجماعة من السلف : أن المرأة ليس عليها أذان ، ولا إقامة واستحسان إقامتهن ، للشافعي وأبي حنيفة أيضا إذا أقمن لأنفسهن ، لا للجماعات ; لأنهما ذكر فأشبهت النسخ ، قال [ ص: 74 ] صاحب الطراز : وروي عن مالك عدم الاستحسان ; لأن أزواجه - عليه السلام - لم ينقل عنهن ذلك ، قال : أن الصبي يؤمر بذلك بعد البلوغ فيمرن عليه قبل البلوغ ، ولأن الصبي لا ينكر رفع صوته . والفرق بين المرأة والصبي في كونه يقيم
فروع عشرة :
الأول : قال في الكتاب : لا بأس أن خلافا لـ ( ش ) في الكراهة محتجا بما في يقيم غير من أذن أبي داود أن زياد بن الحارث قال : بلال أن يقيم فقال عليه السلام : إن أخا صداء أذن فمن أذن فهو يقيم . أمرني عليه السلام أن أذن في صلاة الصبح فأذنت ، فأراد
وجوابه أنه يدل على جواز أمر الإمام بذلك ; لأنه تصرف بالإمامة منه عليه السلام لا بالفتوى ; لأن زيادا كان حديث عهد بالإسلام ، فأراد عليه السلام تأليفه لما في أبي داود من حين رأى الأذان في منامه ، فأمره عليه السلام أن يلقيه على عبد الله بن زيد المازني بلال ففعل فأذن بلال ، فقال عبد الله : أنا رأيته وأنا كنت أريده ، فقال عليه السلام : فأقم أنت . ولأنها عبادة مستقلة عن الأذان بدليل توجهها على المنفرد دونه فجاز أن يقعا من اثنين كالإقامة والإمامة . حديث
الثاني : قال في الكتاب : لا يقيم راكبا ، وفي الجلاب روايتان ، وروى ابن وهب في المدونة عن أنه كان ينادي بالصلاة على البعير [ ص: 75 ] فإذا نزل أقام ، وأن سالم بن عبد الله كان يفعله ; لأن السنة ابن عمر ، والنزول عن الدابة وعقلها وإصلاح المتاع طول . إيصال الإقامة بالصلاة
الثالث : إذا كان المستحب إيصالها بالصلاة فهل يبعد المؤذن عن الإمام مثل الجامع الواسع يخرج إلى بابه ، أو يصعد على سطحه فيقيم ؟ قال ابن القاسم : يفعل إن كان يسمع من حوله وإلا فهو خطأ ، وقال مالك في المجموعة وأشهب : يقيم في الصحن ، وفي الموطأ أن عبد الله بن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد ، ولو كانت الإقامة في داخل المسجد لم يسمعها .
وفي مختصر لا بأس ابن عبد الحكم ، ما لم يحرم الإمام فإذا أحرم فلا يتكلم أحد ، ولا يقيم في المسجد بعد إقامة المؤذن . بالكلام الخفيف بعد الإقامة
الرابع : قال في الكتاب : إن فلا شيء عليه ، وإن نسي الإقامة فليستغفر الله ولا شيء عليه . قال صاحب الطراز : وعند تعمد يعيد في الوقت والأول أصح ، فقد جوز ابن كنانة النخعي ، ، والشعبي ، وأصحاب الرأي للفذ ترك الإقامة ، وبالقياس على الأذان . وابن حنبل
فرع : مرتب :
قال : فلو فلا شيء عليه ، وقال في مختصر ظن أن ذلك يؤثر نقصا فسجد له بعد السلام الطليطلي : يعيد ; لأنه أدخل في الصلاة ما ليس منها كمن زاد جاهلا .
الخامس : قال : ، قال لو تركها جهلا حتى أحرم مالك في المجموعة : لا [ ص: 76 ] يقطع ، قال : ولو أنه بعد إحرامه أقام وصلى فقد أساء وليستغفر الله تعالى . قال صاحب الطراز : يريد أنه أقام ، ثم أحرم بعد ذلك فيكون قد خرج من الإحرام الأول بنيته ، وقوله المنافي له حي على الفلاح قد قامت الصلاة ، ولو تمادى على إحرامه الأول أعاد الصلاة .
سؤال : كيف يطلق لفظ الاستغفار المختص بالذنوب في ترك السنن ، حتى يستغفر ؟ وتركها ليس ذنبا
جوابه : أن الله سبحانه وتعالى يحرم العبد من التقرب إليه بالنوافل والفرائض عقوبة له على ذنبه ، ويعينه على التقرب بسبب طاعته ; لقوله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) ولقوله تعالى : ( فأما من أعطى واتقى ) إلى قوله : ( فسنيسره لليسرى ) ، ( وأما من بخل واستغنى ) إلى قوله : ( فسنيسره للعسرى ) فإذا استغفر من ذنوبه غفرت له بفضل الله ، وأمن حينئذ من الابتلاء بالمؤاخذة بالحرمان .
السادس : ، قال من خاف فوات الوقت ترك الإقامة أشهب في المجموعة : تقديما للفرض على فضيلة الإقامة ويشكل عليه ترك الإسراع الشديد وإن فاتته الجمعة حفظا للخشوع .
السابع : قال في الكتاب : إذا . دخل المسجد وقد صلى أهله لا تجزئه إقامتهم
[ ص: 77 ] وهذا يدل على تأكد الإقامة ، وقال في المبسوط : يقيم أحب إلي . وجه الأول : أنها أهبة للصلاة ولذلك شرعت في الفوائت . وجه الثاني : أنها دعاء للصلاة وهذا إنما يتصور في حق الفذ وهو مذهب أبي حنيفة ، وكذلك قال في الكتاب : ، من صلى في بيته لا تكفيه إقامة أهل مصر في ذلك قولان ; لأن المسجد قد أدى فيه حق الإقامة فلا تتعدد بتعدد الفذ كما لا تتعدد بتعدد الجماعة الكائنين في المسجد . وللشافعي
حجة المذهب : أنه ليس معهم في صلواتهم فأشبه مسجدا آخر ومسافرا مع مقيم .
الثامن : قال في الكتاب : ينتظر الإمام بعد الإقامة قليلا قدر ما تستوي الصفوف ، ثم يكبر ولا يكون بين التكبير والقرآن شيء ، وقد كان عمر وعثمان - رضي الله عنهما - يوكلان رجلا لتسوية الصفوف ، فإذا أخبروهما بذلك كبرا وكذلك قال ، وقال الشافعي أبو حنيفة : إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة كبر الإمام ، محتجا بما يروى أن بلالا قال : يا رسول الله إنك لتستغني بأمين ، ولا يصدق المؤذن في قوله قد قامت الصلاة ، لنا ما في الصحيحين أنه قال : ، وهذا دليل على تأخر خروجه ولأن المنفرد لا يحرم حتى يفرغ ، وكذلك الجماعة وجوابهم أن الحديث ليس في الصحاح ، ولا مشهور ولعل السبق يتفاوت بقراءتهما لا بتعجيل الإحرام ، وأما التصديق فإن معنى قد قامت الصلاة تأهبوا لها كما نقول قد قامت الحرب فالكل صادق سواء أحرم الإمام أو تأخر فإذا كانت إخبارا عن التأهب فهو حاصل فلا كذب في التأخر ، وأما إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت ففي [ ص: 78 ] تسوية الصفوف . وفي مسلم كان عليه السلام يمسح مناكبنا في الصلاة ، ويقول : استووا في الصفوف ، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم البخاري . وفي رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه أبي داود أنه عليه السلام قال : " ومن وصل صفا وصله الله ، ومن قطع صفا قطعه الله " . أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان
التاسع : قال في الكتاب : لا توقيت لقيام الناس إذا أقيمت الصلاة ، فإن فيهم القوي والضعيف ، وقال أبو حنيفة : إذا قال المؤذن حي على الفلاح قام الإمام فإن ذلك أمر بالمسارعة فيمتثل ، وقال زفر عند قوله قد قامت الصلاة ، وقال مالك في المجموعة : يقومون بقدر ما إذا استوت الصفوف وفرغت الإقامة .
العاشر : قال صاحب البيان : قال مالك : إن طمع في فراغها قبل ركوع الإمام الركعة الأولى أتمها ودخل مع الإمام لوجوبها عليه قبل الحاضرة ، وإن يئس قطعها ودخل معه ، ثم استأنف الصلاتين قال إذا أقيمت عليه صلاة وهو في صلاة أخرى ابن القاسم : وأحب إلي أن يتمها ركعتين إن كان قد ركع لقوله تعالى : ( ولا تبطلوا أعمالكم ) . إلا أن يخاف فوات ركعة الإمام فيقطع من ركعة بسلام قال : فإن كان يصلي تلك الصلاة بعينها ففي المدونة إن لم يركع قطع ، وإن أمكنه صلاة ركعتين قبل ركوع الإمام قال صاحب البيان : وصلاته مع الإمام إنما هي نافلة لامتناع صلاة العصر قبل الظهر ، وقد قال في المدونة : لا يصلي نافلة ولم [ ص: 79 ] يصل الفريضة ، وإنما جوزنا هاهنا ذلك لما في الخروج من المسجد بعد الإقامة من تعريضه لسوء الظن ، ولم يلتفت إلى هذا المعنى في المدونة ، وقال في سماع سحنون يضع يده على أنفه ويخرج .