مسألة : قال
الشافعي : "
nindex.php?page=treesubj&link=8437وتقسم الغنيمة في دار الحرب ، قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث غنمها وهي دار حرب
بني المصطلق ،
وحنين ، وأما ما احتج به
أبو يوسف بأن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم غنائم بدر بعد قدومه المدينة وقوله : الدليل على ذلك أنه أسهم
لعثمان وطلحة ولم يشهدا
بدرا . فإن كان كما قال فقد خالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعطي أحدا لم يشهد الوقعة ، ولم يقدم مددا عليهم في دار الحرب ، وليس كما قال ( قال
الشافعي ) ما قسم - عليه السلام - غنائم
بدر إلا بسير شعب من شعاب الصفراء ، قريب من
بدر ، فلما تشاح أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في غنيمتها أنزل الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم . فقسمها بينهم وهي له تفضلا وأدخل معهم ثمانية أنفار من
المهاجرين والأنصار بالمدينة ، وإنما نزلت
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول . بعد
بدر ولم نعلمه أسهم لأحد لم يشهد الوقعة بعد نزول الآية ، ومن أعطى من المؤلفة وغيرهم ، فمن ماله أعطاهم لا من الأربعة الأخماس ، وأما ما احتج به من وقعة
عبد الله بن جحش ،
وابن الحضرمي فذلك قبل
بدر ولذلك
[ ص: 165 ] كانت وقعتهم في آخر الشهر الحرام فتوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه وليس مما خالف فيه
الأوزاعي في شيء " .
قال
الماوردي : وهذا كما ذكر ، الأولى بالإمام أن يعجل
nindex.php?page=treesubj&link=8437قسمة الغنيمة في دار الحرب ، إذا لم يخف ضررا ، فإن أخرها إلى دار الإسلام كره له ذلك إلا من عذر .
قال
أبو حنيفة : يؤخر قسمها إلى دار الإسلام ، ولا يقسمها في دار الحرب .
وقال
مالك : يعجل قسمة الأموال في دار الحرب ، ويؤخر
nindex.php?page=treesubj&link=8456قسم السبي إلى دار الإسلام ، واستدل من منع قسمها في دار الحرب برواية
مقسم ، عن
ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم غنائم بدر بعد مقدمه إلى المدينة ، وأعطى عثمان وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف منها : ولأن
عبد الله بن جحش حين غنم
ابن الحضرمي بعد قتله لم يقسم غنيمته حتى قدم بها
المدينة ، وكانت أول مال غنمه المسلمون .
قالوا : وقد
روى مكحول قال : ما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنيمته قط في دار الحرب ، ولا يقول
مكحول هذا قطعا وهو تابعي إلا عن اتفاق الصحابة ، قالوا : ولأنها في دار الحرب تحت أيديهم واستدامة قبضتهم ، فوجب أن يمنعوا من قسمها كما منعوا من بيع ما لم يقبض ، ولأنها في دار الحرب معرضة للاسترجاع : فلم يجز قسمها كما لو كانت الحرب قائمة .
ودليلنا ما رواه
الشافعي بإسناده
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفل ابن مسعود سيف أبي جهل ببدر ، والنفل من القسم .
وروى
عبد الله بن عمرو بن العاص قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925031خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا حفاة عراة جياعا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم إنهم حفاة فاحملهم ، وعراة فاكسهم ، وجياع فأشبعهم ، فانقلب القوم حيث انقلبوا ومع كل واحد منهم الحمل والحملان ، وقد كساهم ، وأطعمهم ، وانقلابهم من
بدر بهذا يكون بعد القسمة ، فدل على أنه قسمها
ببدر .
وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم غنائم بني المصطلق يوم المريسيع على مياههم ، ووقفت
جويرية في سهم
ثابت بن قيس بن شماس فاشتراها منه ، وأعتقها وتزوجها ، وقسم غنائم
خيبر لها ، وعامل عليها أهلها ، وقسم غنائم
حنين مع السبي
بأوطاس ، وهو
وادي حنين ، وأعطى منها المؤلفة قلوبهم ، وقد نقل أهل السير والمغازي
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما غنم غنيمة قط إلا قسمها حيث غنمها ، ولأن كل موضع صحت فيه الغنيمة لم يمنع فيه من القسمة كدار الإسلام ، ولأن كل غنيمة صح قسمها في دار الإسلام لم تكره قسمتها في دار الحرب كالثياب ، فإن
أبا حنيفة وافق على تعجيل قسمتها في دار الحرب ، ولأن في تعجيل قسمتها فى دار الحرب تعجيل الحقوق إلى
[ ص: 166 ] مستحقيها ، فكان أولى من تأخيرها ، ولأن حفظ ما قسم أسهل والمؤونة في نقله أخف فكان أولى .
فأما الجواب عن حديث
ابن عباس : أنه قسم غنائم
بدر بالمدينة فمن وجهين :
أحدهما : أنا روينا خلافه ، فتعارضت الروايتان .
والثاني : أن
المهاجرين والأنصار تشاجروا فيها ، فأخرها لتشاجرهم ، حتى جعلها الله تعالى لرسوله بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم [ الأنفال : 1 ] . فحينئذ قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأيه ، وأدخل فيهم ثمانية لم يشهدوا
بدرا ، ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من
الأنصار .
وأما حديث
مكحول مرسل ، والنقل المشهور بخلافه .
وأما الجواب عن تأخير
عبد الله بن جحش غنيمة
ابن الحضرمي إلى
المدينة ، فمن وجهين :
أحدهما : أنها كانت في الأشهر الحرم فشكوا في استباحتها ، فأخروها حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألوه عنها ، فأنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير [ البقرة : 217 ] الآية .
والثاني : أن
عبد الله بن جحش لم يعلم مستحق الغنيمة وكيف تقسم ، فأخرها حتى استعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها .
وأما الجواب عن قياسهم على بيع ما لم يقبض ، فمن وجهين :
أحدهما : أن ما لم يقبض من المبيعات مضمون على بائعه ، فمنع من بيعه قبل قبضه ، وهذا غير مضمون فافترقا .
والثاني : أن يد الغانمين أثبت : لأن يد المشركين عليه بحكم الدار ، ويد الغانمين عليه بالاستيلاء والمشاهدة ، فصار كرجل في دار رجل ، وفي يده ثوب ، فادعاه صاحب الدار : لأن صاحب اليد أحق من صاحب الدار : لأن صاحب الدار يده من طريق الحكم ، ويد القابض من طريق المشاهدة فكانت أقوى وكان بالملك أحق .
فأما الجواب عن قولهم إنها معرضة للاسترجاع ، فهو أنها كذلك فيما اتصل من دار الإسلام بدار الحرب ، ولا يمنع ذلك من جواز قسمتها ، فكذلك في دار الحرب ، فأما مع بقاء دار الحرب فلم يستقر الظفر فيستقر عليها ملك للغانمين أو يد .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : "
nindex.php?page=treesubj&link=8437وَتُقَسَّمُ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، قَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ غَنِمَهَا وَهِيَ دَارُ حَرْبِ
بَنِي الْمُصْطَلِقِ ،
وَحُنَيْنٍ ، وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ
أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَقَوْلُهُ : الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَسْهَمَ
لِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَلَمْ يَشْهَدَا
بَدْرًا . فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْطِي أَحَدًا لَمْ يَشْهَدِ الْوَقْعَةَ ، وَلَمْ يُقَدِّمْ مَدَدًا عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ( قَالَ
الشَّافِعِيُّ ) مَا قَسَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَنَائِمَ
بَدْرٍ إِلَّا بِسَيْرِ شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الصَّفْرَاءِ ، قَرِيبٍ مِنْ
بَدْرٍ ، فَلَمَّا تَشَاحَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَنِيمَتِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ . فَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ وَهِيَ لَهُ تَفَضُّلًا وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ ثَمَانِيَةَ أَنْفَارٍ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=41وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ . بَعْدَ
بَدْرٍ وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الْوَقْعَةَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ ، وَمَنْ أَعْطَى مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَمِنْ مَالِهِ أَعْطَاهُمْ لَا مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ ، وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ وَقْعَةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ ،
وَابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قَبْلَ
بَدْرٍ وَلِذَلِكَ
[ ص: 165 ] كَانَتْ وَقْعَتُهُمْ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَتَوَقَّفُوا فِيمَا صَنَعُوا حَتَّى نَزَلَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ وَلَيْسَ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ
الْأَوْزَاعِيُّ فِي شَيْءٍ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ ، الْأَوْلَى بِالْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَ
nindex.php?page=treesubj&link=8437قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، إِذَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ، فَإِنْ أَخَّرَهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ .
قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يُؤَخِّرُ قَسْمَهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلَا يُقَسِّمْهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ .
وَقَالَ
مَالِكٌ : يُعَجِّلُ قِسْمَةَ الْأَمْوَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَيُؤَخِّرُ
nindex.php?page=treesubj&link=8456قَسْمَ السَّبْيِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ قَسْمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بِرِوَايَةِ
مِقْسَمٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بَعْدَ مُقْدَمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَأَعْطَى عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْهَا : وَلِأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ حِينَ غَنِمَ
ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ بَعْدَ قَتْلِهِ لَمْ يُقَسِّمْ غَنِيمَتَهُ حَتَّى قَدِمَ بِهَا
الْمَدِينَةَ ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَالٍ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ .
قَالُوا : وَقَدْ
رَوَى مَكْحُولٌ قَالَ : مَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنِيمَتَهُ قَطُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَا يَقُولُ
مَكْحُولٌ هَذَا قَطْعًا وَهُوَ تَابِعِيٌّ إِلَّا عَنِ اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ ، قَالُوا : وَلِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَاسْتِدَامَةِ قَبْضَتِهِمْ ، فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ قَسْمِهَا كَمَا مُنِعُوا مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ ، وَلِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مُعَرَّضَةٌ لِلِاسْتِرْجَاعِ : فَلَمْ يَجُزْ قَسْمُهَا كَمَا لَوْ كَانَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً .
وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ بِبَدْرٍ ، وَالنَّفْلُ مِنَ الْقَسْمِ .
وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925031خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَدْرٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا حُفَاةً عُرَاةً جِيَاعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ ، وَعُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ ، وَجِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ ، فَانْقَلَبَ الْقَوْمُ حَيْثُ انْقَلَبُوا وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحِمْلُ وَالْحِمْلَانِ ، وَقَدْ كَسَاهُمْ ، وَأَطْعَمَهُمْ ، وَانْقِلَابُهُمْ مِنْ
بَدْرٍ بِهَذَا يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَسَّمَهَا
بِبَدْرٍ .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَنَائِمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَوْمَ الْمُرَيْسِيعِ عَلَى مِيَاهِهِمْ ، وَوَقَفَتْ
جُوَيْرِيَةُ فِي سَهْمِ
ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ ، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا ، وَقَسَّمَ غَنَائِمَ
خَيْبَرَ لَهَا ، وَعَامَلَ عَلَيْهَا أَهْلَهَا ، وَقَسَّمَ غَنَائِمَ
حُنَيْنٍ مَعَ السَّبْيِ
بِأَوْطَاسَ ، وَهُوَ
وَادِي حُنَيْنٍ ، وَأَعْطَى مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ ، وَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا غَنِمَ غَنِيمَةً قَطُّ إِلَّا قَسَّمَهَا حَيْثُ غَنِمَهَا ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ صَحَّتْ فِيهِ الْغَنِيمَةُ لَمْ يُمْنَعْ فِيهِ مِنَ الْقِسْمَةِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ غَنِيمَةٍ صَحَّ قَسْمُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ تُكْرَهْ قِسْمَتُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالثِّيَابِ ، فَإِنَّ
أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَ عَلَى تَعْجِيلِ قِسْمَتِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَلِأَنَّ فِي تَعْجِيلِ قِسْمَتِهَا فَى دَارِ الْحَرْبِ تَعْجِيلَ الْحُقُوقِ إِلَى
[ ص: 166 ] مُسْتَحِقِّيهَا ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهَا ، وَلِأَنَّ حِفْظَ مَا قُسِّمَ أَسْهَلُ وَالْمَؤُونَةَ فِي نَقْلِهِ أَخَفُّ فَكَانَ أَوْلَى .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ قَسَّمَ غَنَائِمَ
بَدْرٍ بِالْمَدِينَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّا رَوَيْنَا خِلَافَهُ ، فَتَعَارَضَتِ الرِّوَايَتَانِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ تَشَاجَرُوا فِيهَا ، فَأَخَّرَهَا لِتَشَاجُرِهِمْ ، حَتَّى جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [ الْأَنْفَالِ : 1 ] . فَحِينَئِذٍ قَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْيِهِ ، وَأَدْخَلَ فِيهِمْ ثَمَانِيَةً لَمْ يَشْهَدُوا
بَدْرًا ، ثَلَاثَةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَخَمْسَةً مِنَ
الْأَنْصَارِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
مَكْحُولٍ مُرْسَلٌ ، وَالنَّقْلُ الْمَشْهُورُ بِخِلَافِهِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَأْخِيرِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ غَنِيمَةَ
ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمُ فَشَكُّوا فِي اسْتِبَاحَتِهَا ، فَأَخَّرُوهَا حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ عَنْهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [ الْبَقَرَةِ : 217 ] الْآيَةَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ لَمْ يَعْلَمْ مُسْتَحِقَّ الْغَنِيمَةِ وَكَيْفَ تُقَسَّمُ ، فَأَخَّرَهَا حَتَّى اسْتَعْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنَ الْمَبِيعَاتِ مَضْمُونٌ عَلَى بَائِعِهِ ، فَمَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ، وَهَذَا غَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا .
وَالثَّانِي : أَنَّ يَدَ الْغَانِمِينَ أَثْبَتُ : لِأَنَّ يَدَ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الدَّارِ ، وَيَدَ الْغَانِمِينَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْمُشَاهَدَةِ ، فَصَارَ كَرَجُلٍ فِي دَارِ رَجُلٍ ، وَفِي يَدِهِ ثَوْبٌ ، فَادَّعَاهُ صَاحِبُ الدَّارِ : لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَحَقُّ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ : لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَدُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَيَدُ الْقَابِضِ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهِدَةِ فَكَانَتْ أَقْوَى وَكَانَ بِالْمِلْكِ أَحَقَّ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلِاسْتِرْجَاعِ ، فَهُوَ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِيمَا اتَّصَلَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهَا ، فَكَذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَأَمَّا مَعَ بَقَاءِ دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ الظَّفَرُ فَيَسْتَقِرَّ عَلَيْهَا مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ أَوْ يَدٌ .