[ ص: 5 ] الشرط الثالث : . قال أن لا يسبق الجمعة ، ولا يقارنها أخرى - رحمه الله - : ولا يجمع في مصر - وإن عظم ، وكثرت مساجده - إلا في موضع واحد . وأما الشافعي بغداد ، فقد دخلها - رحمه الله - وهم يقيمون الجمعة في موضعين . وقيل : في ثلاثة ، فلم ينكر عليهم . واختلف أصحابنا في أمرها على أوجه . أصحها : أنه إنما جازت الزيادة فيها على جمعة ، لأنها بلدة كبيرة يشق اجتماعهم في موضع واحد ، فعلى هذا تجوز الزيادة على الجمعة الواحدة في جميع البلاد ، إذا كثر الناس وعسر اجتماعهم ، وبهذا قال الشافعي أبو العباس ، وأبو إسحاق ، وهو الذي اختاره أكثر أصحابنا تصريحا وتعريضا . وممن رجحه : القاضي ، ابن كج والحناطي - بالحاء المهملة المفتوحة ، وتشديد النون - والقاضي الروياني ، . والثاني : إنما جازت الزيادة فيها ، لأن نهرها يحول بين جانبيها فيجعلها كبلدتين . قاله والغزالي أبو الطيب ابن سلمة . وعلى هذا لا يقام في كل جانب إلا جمعة . فكل بلد حال بين جانبيه نهر يحوج إلى السباحة ، فهو كبغداد . واعترض عليه ، بأنه لو كان الجانبان كبلدين ، لقصر من عبر من أحدهما إلى الآخر ، والتزم ابن سلمة المسألة ، وجوز القصر . والثالث : إنما جازت الزيادة ، لأنها كانت قرى متفرقة ، ثم اتصلت الأبنية ، فأجري عليها حكمها القديم ، فعلى هذا يجوز في كل بلد هذا شأنه . واعترض عليه تعدد الجمعة أبو حامد بما اعترض على الثاني . ويجاب بما أجيب في الثاني . وأشار إلى هذا الجواب صاحب " التقريب " . والرابع : أن الزيادة لا تجوز بحال ، وإنما لم ينكر ، لأن المسألة اجتهادية ، وليس لمجتهد أن ينكر على المجتهدين . وهذا ظاهر نص الشافعي - رحمه الله - المتقدم . واقتصر عليه الشيخ الشافعي أبو حامد وطبقته ، لكن المختار عند الأكثرين ما قدمناه . وحيث منعنا الزيادة على جمعة ، فعقدوا جمعتين ، فله صور .
أحدها : أن تسبق إحداهما فهي الصحيحة . والثانية : باطلة . وبم يعرف السبق ؟ فيه ثلاثة أوجه . أصحها : بالإحرام . والثاني : بالسلام . والثالث : [ ص: 6 ] بالشروع في الخطبة ، ولم يحك أكثر العراقيين هذا الثالث . فإذا قلنا بالأول ، فالاعتبار بالفراغ من تكبيرة الإحرام . فلو سبقت إحداهما بهمزة التكبيرة ، والأخرى بالراء منها ، فالصحيحة هي السابقة بالراء ، على الأصح . وعلى الثاني : السابقة بالهمزة . ثم على اختلاف الأوجه ، لو سبقت إحداهما ، وكان السلطان مع الأخرى ، فالأظهر أن السابقة هي الصحيحة ، ولا أثر للسلطان . والثاني : أن التي معها السلطان ، هي الصحيحة . ولو دخلت طائفة في الجمعة ، فأخبروا أن طائفة سبقتهم بما ذكرنا ، استحب لهم استئناف الظهر . وهل لهم أن يتموها ظهرا ؟ فيه الخلاف السابق ، فيما إذا خرج الوقت وهم في الجمعة .
الصورة الثانية : أن تقع الجمعتان معا ، فباطلتان ، وتستأنف جمعة إن وسع الوقت .
الثالثة : أن يشكل الحال ، ولا يدري اقترنتا ، أم سبقت إحداهما ، فيعيدون الجمعة أيضا ، لأن الأصل عدم جمعة مجزئة . قال إمام الحرمين : وقد حكم الأئمة بأنهم إذا أعادوا الجمعة ، برئت ذمتهم . وفيه إشكال لاحتمال تقدم إحداهما ، فلا تصح أخرى ، ولا تبرأ ذمتهم بها . فسبيل اليقين : أن يقيموا جمعة ، ثم يصلوا ظهرا .
الرابعة : أن تسبق إحداهما بعينها ، ثم تلتبس ، فلا تبرأ واحدة من الطائفتين عن العهدة ، خلافا للمزني . ثم ماذا عليهم ؟ فيه طريقان . المذهب : أن عليهم الظهر . والثاني : على القولين في الصورة الخامسة ، وبه قطع العراقيون .
الخامسة : أن ، بأن سمع مريضان ، أو مسافران ، تكبيرتين متلاحقتين وهما خارج المسجدين ، فأخبراهم بالحال ولم يعرفا المتقدمة ، فلا تبرأ واحدة منهما عن العهدة ، خلافا تسبق إحداهما ولا يتعين للمزني أيضا . وماذا عليهم ؟ قولان . أظهرهما في " الوسيط " : أنهم يستأنفون الجمعة . والثاني : يصلون الظهر . قال الأصحاب : وهو القياس .
[ ص: 7 ] قلت : الثاني أصح ، وصححه الأكثرون . - والله أعلم -
قال أصحابنا العراقيون : لو كان الإمام في إحدى الطائفتين في الصور الأربع الأخيرة ، ترتب على الصورة الأولى . فإن قلنا : التي فيها الإمام هي الصحيحة مع العلم بتأخرها ، فهنا أولى ، وإلا فلا أثر لحضوره .