باب زكاة المعدن والركاز
اجتمعت الأمة على وجوب ، ولا زكاة فيما يستخرج من المعدن إلا في الذهب والفضة ، هذا هو المذهب المشهور الذي قطع به الأصحاب . وحكي وجه أنه تجب زكاة كل مستخرج منه ، منطبعا كان ، كالحديد والنحاس أو غيره ، كالكحل والياقوت ، وهذا شاذ منكر . وفي واجب النقدين المستخرجين منه ثلاثة أقوال ، أظهرها : ربع العشر ، والثاني : الخمس ، والثالث : إن ناله بلا تعب ومئونة فالخمس ، وإلا فربع العشر . ثم الذي اعتمده الأكثرون على هذا القول في ضبط الفرق الحاجة إلى الطحن ، والمعالجة بالنار ، والاستغناء عنهما ، فما احتاج ، فربع العشر ، وما استغنى عنهما فالخمس . والمذهب أنه يشترط كونه نصابا . وقيل في اشتراطه قولان . والمذهب المنصوص عليه في معظم كتب الزكاة في المعدن - رحمة الله عليه - أنه لا يشترط الشافعي . وقيل في اشتراطه قولان . ووجه المذهب فيهما القياس على المعشرات ، ولأن ما دون النصاب لا يحتمل المواساة وإنما يعتبر الحول للتمكن من تنمية المال ، وهذا نما في نفسه . الحول
[ ص: 283 ] فرع
فليس من شرطه أن ينال في الدفعة الواحدة نصابا ، بل ما ناله بدفعات ضم بعضه إلى بعض إن تتابع العمل وتواصل النيل . قال في التهذيب : ولا يشترط بقاء ما استخرج في ملكه . فلو تتابع العمل ، ولم يتواصل النيل ، بل حفر المعدن زمانا ، ثم عاد النيل ، فإن كان زمن الانقطاع يسيرا ، ضم أيضا ، وإلا فقولان ؛ الجديد : الضم ، والقديم : لا ضم . وإن قطع العمل ثم عاد إليه ، فإن كان القطع لغير عذر ، فلا ضم ، طال الزمان أم قصر ، لإعراضه . وإن قطع لعذر ، فالضم ثابت إن قصر الزمان وإن طال ، فكذلك عند الأكثرين . وفي وجه : لا ضم . وفي حد الطول أوجه ، أصحها : الرجوع إلى العرف ، والثاني : ثلاثة أيام ، والثالث : يوم كامل . ثم إصلاح الآلات وهرب العبيد والأجراء من الأعذار بلا خلاف . وكذلك السفر والمرض على المذهب . وقيل : فيهما وجهان ، أصحهما : عذران ، والثاني : لا ، ومتى حكمنا بعدم الضم ، فمعناه أن الأول لا يضم إلى الثاني . فأما الثاني فيكمل بالأول قطعا ، كما يكمل بما يملكه من غير المعدن . إذا اشترطنا النصاب
فرع
إذا ، فإما أن يناله في آخر جزء من حول ما عنده ، أو مع تمام حوله ، أو قبله ، ففي الحالين الأولين يصير النيل مضموما إلى ما عنده ، وعليه في ذلك النقد حقه ، وفيما ناله حقه على اختلاف الأقوال فيه . نال من المعدن دون نصاب ، وهو يملك من جنسه نصابا فصاعدا
وأما إذا ناله قبل تمام الحول ، فلا شيء فيما عنده حتى يتم حوله . وفي وجوب حق المعدن فيما ناله وجهان . أصحهما : يجب ، وهو [ ص: 284 ] ظاهر نصه في الأم ، والثاني : لا يجب ، فعلى هذا يجب فيما عنده ربع العشر عند تمام حوله ، وفيما ناله ربع العشر عند تمام حوله . ولو كان يملك من جنسه دون نصاب ، بأن ملك مائة درهم ، فنال من المعدن مائة ، نظر ، إن نال بعد تمام حول ما عنده ، ففي وجوب حق المعدن فيما ناله الوجهان . فعلى الأول : يجب في المعدن حقه ، ويجب فيما عنده ربع العشر إذا مضى حول من حين كمل النصاب بالنيل ، وعلى الثاني : لا يجب شيء حتى يمضي حول من يوم النيل ، فيجب في الجميع ربع العشر . وعن صاحب الإفصاح وجه أنه يجب فيما ناله حقه وفيما كان عنده ربع العشر في الحال ؛ لأنه كمل بالنيل ، وقد مضى عليه الحول . وأما إن ناله قبل تمام حول المائة فلا يجيء وجه صاحب الإفصاح ، ويجيء الوجهان الآخران .
وهذا التفصيل مذكور في بعض طرق العراقيين ، وقد نقل معظمه الشيخ أبو علي ، ونسبه الإمام إلى السهو وقال : إذا كان يملكه دون النصاب ، فلا ينعقد عليه حول حتى يفرض له وسط وآخر . ويحكم بوجوب الزكاة فيه يوم النيل . ولا شك في القول بوجوب الزكاة فيه للنيل ، لكن الشيخ لم ينفرد بهذا النقل ، ولا صار إليه حتى يعترض عليه ، وإنما نقله متعجبا منه منكرا له . وأما إذا كان ما عنده مال تجارة ، فتنتظم فيه الأحوال الثلاثة ، وإن كان دون النصاب بلا إشكال ؛ لأن الحول ينعقد عليه ، ولا يعتبر النصاب إلا في آخر الحول على الأصح . فإن ، ففيه حق المعدن ، وفي مال التجارة زكاة التجارة إن كان نصابا ، وكذا إن كان دونه وبلغ بالمعدن نصابا واكتفينا بالنصاب في آخر الحول . وإن نال قبل تمام الحول ففي وجوب حق المعدن الوجهان السابقان ، وإن نال بعد تمام الحول ، نظر ، إن كان مال التجارة نصابا في آخر الحول ، وجب في النيل حق المعدن ، لانضمامه إلى ما وجبت فيه الزكاة ، وإن لم يبلغ نصابا ونال بعد مضي شهر من الحول الثاني مثلا ، بني ذلك على الخلاف في أن نال من المعدن في آخر حول التجارة فإن قلنا بالأول ، وجبت زكاة التجارة في مال التجارة ، وحينئذ يجب حق المعدن في النيل قطعا . وإن قلنا بالثاني ، ففي وجوب حق المعدن الوجهان ، وجميع ما ذكرناه مفرع على المذهب أن الحول ليس بشرط في حق المعدن . فإن شرطناه انعقد الحول عليه من حين وجده . سلعة التجارة إذا قومت في آخر الحول [ ص: 285 ] فلم تبلغ نصابا ثم ارتفعت القيمة بعد شهر هل تجب فيها الزكاة ، أم ينتظر آخر الحول الثاني ؟
فرع
لا يمكن ذمي من ، كما لا يمكن من الإحياء فيها ، ولكن ما أخذه قبل إزعاجه يملكه ، كما لو احتطب . وهل عليه حق المعدن ؟ يبنى على أن مصرف حق المعدن ماذا ؟ فإن أوجبنا فيه ربع العشر ، فمصرفه مصرف الزكوات ، وإن أوجبنا الخمس ، فطريقان : المذهب والذي قطع به الأكثرون : مصرف الزكوات ، والثاني : على قولين أظهرهما هذا ، والثاني : مصرف خمس خمس الفيء . فإن قلنا بهذا أخذ من حفر معادن دار الإسلام والأخذ منها الخمس ، وإن قلنا بالمذهب لم يؤخذ منه شيء . وعلى المذهب تشترط النية فيه . وعلى قول مصرف الفيء ، لا تشترط النية . ولو كان الذمي لم يمنع ، ولا زكاة . ولو المستخرج من المعدن مكاتبا فهو لسيده وعليه واجبة . ولو أمره السيد بذلك ليكون النيل له ، فقد بناه صاحب " الشامل " على القولين في ملك العبد بتمليك السيد ، وحظ الزكاة من القولين ما قدمناه . نال العبد من المعدن شيئا
واعلم أن . وينقدح جواز إزعاجه لكل مسلم ؛ لأنه صاحب حق فيه . السلطان والحاكم يزعج الذمي عن معدن دار الإسلام
[ ص: 286 ] فرع
لو ، فوجوب الزكاة يبنى على ثبوت الخلطة في غير المواشي . استخرج اثنان من معدن نصابا
فرع
إذا قلنا بالمذهب : إن الحول لا يعتبر ، حصول النيل في يده ، ووقت الإخراج التخليص والتنقية . فلو أخرج قبل التنقية من التراب والحجر ، لم يجز ، وكان مضمونا على الساعي ، يلزمه رده . فلو اختلفا في قدره بعد التلف أو قبله ، فالقول قول الساعي مع يمينه ، ومئونة التخليص والتنقية على المالك ، كمئونة الحصاد والدياس . فلو تلف بعضه قبل التمييز ، فهو كتلف بعض المال قبل الإمكان . فوقت وجوب حق المعدن
قلت : وإذا امتنع من تخليصه ، أجبر ، والله أعلم .