الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
nindex.php?page=treesubj&link=11373وله منعها من الخروج عن منزله فإن مرض بعض محارمها أو مات ، استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه ، ولا تملك المرأة إجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها ، وله أن يمنعها من رضاع ولدها ، إلا أن يضطر إليها وتخشى عليه .
( وله منعها من الخروج عن منزله ) إلى مالها منه بد ، سواء أرادت زيارة والديها ، أو حضور جنازة أحدهما; لما روى أنس أن رجلا منع زوجته الخروج ، فمرض أبوها ، فاستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها : اتقي الله ولا تخالفي زوجك ، فمات أبوها ، فاستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في حضور جنازته ، فقال لها كالأول ، فأوحى الله تعالى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أني قد غفرت لها بطاعة زوجها رواه nindex.php?page=showalam&ids=12998ابن بطة; ولأن حق الزوج واجب ، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=13293_11373خرجت بلا إذنه حرم ، ولا تستحق نفقة ، ونقل أبو طالب : إذا قام بحوائجها وإلا لابد لها ، قال الشيخ تقي الدين فيمن حبسته بحقها : إن خاف خروجها بلا [ ص: 203 ] إذنه أسكنها حيث لا يمكنها ، فإن لم يكن له من يحفظها غير نفسه ، حبست معه ، فإن عجز عن حفظها أو خيف حدوث شر أسكنت في رباط ونحوه ، ومتى كان خروجها مظنة للفاحشة صار حقا لله ، يجب على ولي الأمر رعايته .
( فإن nindex.php?page=treesubj&link=11372_11373_13295_13298مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه ) ; لما في ذلك من صلة الرحم ، وفي منعها قطيعة الرحم ، وحمل لها على مخالفته ، وأوجبه ابن عقيل للعيادة ، وقيل : أو نسيب ، وقيل : لها زيارة أبويها ككلامهما ، ولا يملك منعهما من زيارتها في الأصح ، ولا يلزمها طاعة أبويها في فراق وزيارة ونحوه ، بل طاعة زوجها أحق .
فرع : ليس عليها طحن وعجن وخبز ، نص عليه ، خلافا للجوزجاني ، وقاله nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ; لأنه عليه السلام قضى على فاطمة ابنته بخدمة البيت ، وعلى علي ما كان خارج البيت رواه الجوزجاني من طرق ، وأجيب بأن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع ، فلا يلزمها غيره كسقي دوابه ، وأوجب الشيخ تقي الدين المعروف مثلها لمثله ، وقال ابن حبيب في " الواضحة " : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم على فاطمة بخدمة البيت ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : عليها أن تخدمه في كل شيء .
( nindex.php?page=treesubj&link=12858_11372_28320ولا تملك المرأة إجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها ) ; لأنه يملك الاستمتاع بها ، وكونها تملك ذلك يؤدي إلى فوات حقه فلم يملكه كما لا تملك منعه من الوطء ، فلو فعله بإذنه جاز ، فإن nindex.php?page=treesubj&link=12858أجرت نفسها للرضاع ثم تزوجت ، صح العقد ، ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تنقضي المدة; لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه ، أشبه بيع [ ص: 204 ] المستأجرة ، وقيل : له الفسخ إن جهله ، وله الوطء ، وقيل : لا ، إن ضر بلبن ( nindex.php?page=treesubj&link=24214وله أن يمنعها من رضاع ولدها ) ; لأن إرضاعه ليس بواجب عليها ، وحق الزوج واجب; لأن عقد النكاح يقتضي ملكه للاستمتاع في كل زمان سوى أوقات الصلوات ، والرضاع يفوته عليه ، وظاهره سواء كان منه أو من غيره ، وهو أحد الوجهين فيما إذا كان منه ، وهو ظاهر كلام القاضي; لأنه يخل باستمتاعه .
والثاني : ليس له منعها منه ، وصرح به المؤلف في النفقات; لقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233والوالدات يرضعن أولادهن [ البقرة : 233 ] وهو خبر بمعنى الأمر ، وهو عام في كل والدة ، وحكم ولد غيرها كذلك ( إلا أن يضطر إليها وتخشى عليه ) بأن لا يوجد من ترضعه ، أو لا يقبله من غيرها; لأنها حالة ضرورة ، وحفظ لنفس الولد ، فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك حيث لم يكن به مثل ضرورته .
الإمام القدوة ، العابد الفقيه المحدث ، شيخ العراق أبو عبد الله ، عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي ، ابن بطة ، مصنف كتاب " الإبانة الكبرى " في ثلاث مجلدات .
روى عن : أبي القاسم البغوي ، وابن صاعد ، وأبي ذر بن الباغندي ، وأبي بكر بن زياد النيسابوري ، وإسماعيل الوراق ، والقاضي المحاملي ، ومحمد بن مخلد ، وأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ ، ومحمد بن أحمد بن ثابت العكبري ، ورحل في الكهولة فسمع من علي بن أبي العقب بدمشق ، ومن أحمد بن عبيد الصفار بحمص ، وجماعة .
حدث عنه : أبو الفتح بن أبي الفوارس ، وأبو نعيم الأصبهاني ، وعبيد الله الأزهري وعبد العزيز الأزجي ، وأحمد بن محمد العتيقي ، وأبو إسحاق البرمكي ، وأبو محمد الجوهري ، وأبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي ، وآخرون ، وآخر من روى عنه بالإجازة علي بن أحمد بن البسري .
قال عبد الواحد بن علي العكبري : لم أر في شيوخ الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة رحمه الله .
قال الخطيب : حدثني أبو حامد الدلوي ، قال : لما رجع ابن بطة من [ ص: 530 ] الرحلة لازم بيته أربعين سنة ، لم ير في سوق ولا رئي مفطرا إلا في عيد ، وكان أمارا بالمعروف ، لم يبلغه خبر منكر إلا غيره .
وقال أبو محمد الجوهري : سمعت أخي الحسين ، يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقلت : يا رسول الله قد اختلفت علي المذاهب ، فقال : عليك بابن بطة ، فأصبحت ولبست ثيابي ، ثم أصعدت إلى عكبرا ، فدخلت وابن بطة في المسجد ، فلما رآني قال لي : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال العتيقي : توفي ابن بطة -وكان مستجاب الدعوة - في المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة .
قال ابن بطة : ولدت سنة أربع وثلاثمائة ، وكان لأبي ببغداد شركاء ، فقال له أحدهم : ابعث بابنك إلى بغداد ليسمع الحديث ، قال : هو صغير ، قال : أنا أحمله معي ، فحملني معه ، فجئت فإذا ابن منيع يقرأ عليه الحديث . فقال لي بعضهم : سل الشيخ أن يخرج إليك " معجمه " ، فسألت ابنه ، فقال : نريد دراهم كثيرة ، فقلت : لأمي طاق ملحم آخذه منها وأبيعه ، قال : ثم قرأنا عليه " المعجم " في نفر خاص في نحو عشرة أيام ، وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة ، فأذكره قال : حدثنا إسحاق الطالقاني سنة أربع وعشرين ومائتين ، فقال المستملي : خذوا هذا قبل أن يولد كل محدث على وجه الأرض اليوم ، وسمعت المستملي وهو أبو عبد الله بن مهران ، يقول له : من ذكرت يا ثبت الإسلام .
قلت : لابن بطة مع فضله أوهام وغلط . [ ص: 531 ] أنبأنا المؤمل بن محمد ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثني عبد الواحد بن علي الأسدي ، قال لي أبو الفتح بن أبي الفوارس : روى ابن بطة ، عن البغوي ، عن مصعب بن عبد الله ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : طلب العلم فريضة على كل مسلم .
قال الخطيب : هذا باطل ، والحمل فيه على ابن بطة .
قلت : أفحش العبارة ، وحاشى الرجل من التعمد ، لكنه غلط ودخل عليه إسناد في إسناد .
وبه قال الخطيب : أخبرنا العتيقي ، أخبرنا ابن بطة ، حدثنا البغوي ، حدثنا مصعب عن مالك ، عن هشام بن عروة بحديث : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا قال الخطيب : وهو باطل بهذا الإسناد .
قال الخطيب : أخبرنا عبد الواحد بن علي ، قال لي الحسن بن [ ص: 532 ] شهاب : سألت ابن بطة : أسمعت من البغوي حديث علي بن الجعد ؟ قال : لا . قال عبد الواحد : وكنت قد رأيت في كتب ابن بطة نسخة بحديث علي بن الجعد قد حكها ، وكتب بخطه سماعه فيها ، فذكرت ذلك للحسن بن شهاب ، فعجب منه .
قال عبد الواحد : وروى ابن بطة ، عن النجاد ، عن العطاردي ، فأنكر علي بن ينال عليه ، وأساء القول فيه ، حتى همت العامة بابن ينال ، فاختفى ، ثم تتبع ابن بطة ما خرجه كذلك ، وضرب عليه .
وقال عبيد الله الأزهري : ابن بطة ضعيف ، وعندي عنه " معجم البغوي " ، ولا أخرج عنه في الصحيح شيئا .
وقال حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق : لم يسمع ابن بطة الغريب من بن عزيز ، وقال : ادعى سماعه .
قال الخطيب : وروى ابن بطة كتب ابن قتيبة ، عن ابن أبي مريم الدينوري ، عنه ، ولا يعرف ابن أبي مريم .
وروى ابن بطة في " الإبانة " : حدثنا إسماعيل الصفار ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود حديث : " كلم الله موسى وعليه جبة صوف ونعلان من جلد حمار غير ذكي ، فقال : من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة ؟ قال : أنا [ ص: 533 ] الله " . فتفرد ابن بطة برفعه ، وبما بعد " غير ذكي " .
وكذا غلط ابن بطة في روايات عن حفص بن عمر الأردبيلي ، أنبأنا رجاء بن مرجى ، فأنكر الدارقطني هذا ، وقال : حفص يصغر عن هذا ، فكتبوا إلى أردبيل يسألون ابنا لحفص ، فعاد جوابهم بأن أباه لم ير رجاء قط فتتبع ابن بطة النسخ ، وجعل ذلك عن ابن الراجيان ، عن الفتح بن شخرف ، عن رجاء .
قلت : فبدون هذا يضعف الشيخ .
ومر موته في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة .
وفيها مات القدوة أبو علي أحمد بن محمد بن علي القومساني النهاوندي -صحب الشبلي - وأبو القاسم بن الثلاج ، وعبيد الله بن أبي غالب المصري ، وعلي بن عبد العزيز بن مردك ، وصاحب الري فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه ، وشيخ الحنابلة أبو حفص العكبري ، وأبو ذر عمار بن محمد التميمي ، ببخارى ، وأبو الحسين بن سمعون ، وحفيد أبي بكر بن خزيمة ، وآخرون .