فصل
[ ص: 229 ] ثم نقول : إن راجع في المعنى إلى الكتاب ، وذلك من وجهين . الضرب الأول
أحدهما : أن إنما يدل عليه الكتاب; لأن الدليل على صدق الرسول المعجزة ، وقد حصر - عليه الصلاة والسلام - معجزته في القرآن بقوله : العمل بالسنة والاعتماد عليها هذا وإن كان له من المعجزات كثير جدا بعضه يؤمن على مثله البشر ولكن معجزة القرآن أعظم من ذلك كله . وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي
وأيضا فإن الله قد قال في كتابه : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ النساء : 59 ] ، وقال : وأطيعوا الله ورسوله في مواضع كثيرة .
وتكراره يدل على عموم الطاعة بما أتى به مما في الكتاب ، ومما ليس فيه مما هو من سنته ، وقال : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] ، وقال : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ النور : 63 ] [ ص: 230 ] إلى ما أشبه ذلك .
والوجه الثاني : ولذلك قال تعالى : أن السنة إنما جاءت مبينة للكتاب ، وشارحة لمعانيه وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] ، وقال : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [ المائدة : 67 ] ، وذلك التبليغ من وجهين :
تبليغ الرسالة ، وهو الكتاب ، وبيان معانيه .
وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم وجزاه عنا أفضل الجزاء بمنه وفضله ، فأنت إذا تأملت موارد السنة وجدتها بيانا للكتاب هذا هو الأمر العام فيها .
وتمام بيان هذا الوجه مذكور بعد إن شاء الله فكتاب الله تعالى هو أصل الأصول والغاية التي تنتهي إليها أنظار النظار ، ومدارك أهل الاجتهاد وليس وراءه مرمى; لأنه كلام الله القديم ، وأن إلى ربك المنتهى [ النجم : 42 ] ، وقد قال تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين [ النحل : 89 ] ، وقال : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ الأنعام : 38 ] ، وبيان هذا مذكور بعد إن شاء الله .