[ ص: 247 ] المسألة العاشرة
: الأدلة الشرعية ضربان
أحدهما : أن يكون على طريقة البرهان العقلي فيستدل به على المطلوب الذي جعل دليلا عليه ، وكأنه تعليم للأمة كيف يستدلون على المخالفين ، وهو في أول الأمر موضوع لذلك ، ويدخل هنا جميع البراهين العقلية ، وما جرى مجراها كقوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء : 22 ] ، وقوله : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ النحل : 103 ] ، وقوله : ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته [ فصلت : 44 ] ، وقوله : أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم [ يس : 81 ] ، وقوله : قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب [ البقرة : 258 ] ، وقوله : الله الذي خلقكم ثم رزقكم إلى قوله : هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء [ الروم : 40 ] ، وهذا الضرب يستدل به على الموالف والمخالف; لأنه أمر معلوم عند [ ص: 248 ] من له عقل ، فلا يقتصر به على الموافق في النحلة .
والثاني : مبني على الموافقة في النحلة ، وذلك الأدلة الدالة على الأحكام التكليفية كدلالة الأوامر والنواهي على الطلب من المكلف ، ودلالة كتب عليكم القصاص في القتلى [ البقرة : 178 ] ، كتب عليكم الصيام [ البقرة : 183 ] ، أحل لكم ليلة الصيام الرفث [ البقرة : 187 ] ، فإن هذه النصوص وأمثالها لم توضع وضع البراهين ولا أتي بها في محل استدلال ، بل جيء بها قضايا يعمل بمقتضاها مسلمة متلقاة بالقبول ، وإنما برهانها في الحقيقة المعجزة الدالة على صدق الرسول الآتي بها ، فإذا ثبت برهان المعجزة ثبت الصدق ، وإذا ثبت الصدق ثبت التكليف على المكلف .
فالعالم إذا استدل بالضرب الأول أخذ الدليل إنشائيا كأنه هو واضعه ، وإذا استدل بالضرب الثاني : أخذه معنى مسلما لفهم مقتضاه إلزاما والتزاما ، فإذا أطلق لفظ الدليل على الضربين فهو إطلاق بنوع من اشتراك اللفظ; لأن الدليل بالمعنى الأول خلافه بالمعنى الثاني ، فهو بالمعنى الأول جار على الاصطلاح المشهور عند العلماء ، وبالمعنى الثاني نتيجة أنتجتها المعجزة فصارت قولا مقبولا فقط .