[ ص: 104 ] فصل
وقد بنوا أيضا على هذا المعنى مسألة أخرى ، وهي : واستدل لمن قال بالأخف بقوله تعالى : هل يجب الأخذ بأخف القولين ، أم بأثقلهما ؟ يريد الله بكم اليسر الآية [ البقرة : 185 ] وقوله : وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج : 78 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : وقوله : لا ضرر ، ولا ضرار وكل ذلك ينافي شرع الشاق الثقيل ، ومن جهة القياس أن الله غني [ ص: 105 ] كريم ، والعبد محتاج فقير ، وإذا وقع التعارض بين الجانبين كان الحمل على جانب الغني أولى . بعثت بالحنيفية السمحة
والجواب عن هذا ما تقدم ، وهو أيضا مؤد إلى إيجاب إسقاط التكليف جملة; فإن التكاليف كلها شاقة ثقيلة ، ولذلك سميت تكليفا من الكلفة وهي المشقة ، فإذا كانت المشقة حيث لحقت في التكليف تقتضي الرفع بهذه الدلائل; لزم ذلك في الطهارات والصلوات والزكوات والحج والجهاد وغير ذلك ، ولا يقف عند حد إلا إذا لم يبق على العبد تكليف ، وهذا محال فما أدى إليه مثله; فإن رفع الشريعة مع فرض وضعها محال ، ثم قال المنتصر لهذا الرأي : إنه يرجع حاصله إلى أن الأصل في الملاذ الإذن ، وفي المضار الحرمة ، وهو أصل قرره في موضع آخر ، وقد تقدم التنبيه على ما فيه في كتاب المقاصد .
وإذا حكمنا ذلك الأصل هنا لزم منه أن الأصل رفع التكليف بعد وضعه على المكلف ، وهذا كله إنما جره عدم الالتفات إلى ما تقدم .