فصل
إذا ثبت هذا; فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل :
- منها أن وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ، ولذلك عدت زلة ، وإلا فلو كانت معتدا بها; لم يجعل لها هذه الرتبة ، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها ، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ، ولا أن يشنع عليه بها ، ولا ينتقص [ ص: 137 ] من أجلها أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا; فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين ، وقد تقدم من كلام زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ، ولا الأخذ بها تقليدا له ، وغيره ما يرشد إلى هذا المعنى . معاذ بن جبل
وقد روي عن أنه قال : كنا في ابن المبارك الكوفة فناظروني في ذلك - يعني في النبيذ المختلف فيه - فقلت لهم : تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة; فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا فما جاءوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة ، فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا وليس احتجاجهم عنه في رخصة النبيذ بشيء يصح عنه ، قال عبد الله بن مسعود ، : فقلت للمحتج عنه في الرخصة : يا أحمق عد أن ابن المبارك لو كان هاهنا جالسا ، فقال هو لك [ ص: 138 ] حلال ، وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة ، كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى ، فقال قائلهم : يا ابن مسعود أبا عبد الرحمن فالنخعي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام ؟ فقلت لهم : دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال; فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا ، وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها ؟ فإن أبيتم; فما قولكم في والشعبي عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة ؟ قالوا : كانوا خيارا ، قال : فقلت : فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد ؟ فقالوا : حرام ، فقال : إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام ، فبقوا وانقطعت حجتهم . هذا ما حكي . ابن المبارك
والحق ما قال فإن الله تعالى يقول : ابن المبارك; فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآية [ النساء : 59 ] .
فإذا كان بينا ظاهرا أن قول القائل مخالف للقرآن أو للسنة; لم يصح الاعتداد به ، ولا البناء عليه ، ولأجل هذا ينقض قضاء القاضي إذا خالف النص أو الإجماع ، مع أن حكمه مبني على الظواهر مع إمكان خلاف الظاهر ، ولا ينقض مع الخطأ في الاجتهاد وإن تبين; لأن مصلحة نصب الحاكم تناقض نقض حكمه ، ولكن ينقض مع مخالفة الأدلة; لأنه حكم بغير ما أنزل الله .