الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
62 - قوله: (ص): "من قبيل المرفوع (ما قيل) عند ذكر الصحابي - رضي الله عنه - يرفعه أو يبلغ به أو ينميه أو رواية" .

قلت: وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا أو يسنده.

وكذا قوله رواه.

روينا في أمالي المحاملي من طريق ابن عيينة عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - رواه قال: قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين في كذباته الثلاث .

ورواه أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه، فقال عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فذكره.

[ ص: 536 ] وأمثلة باقي ما ذكرنا مشهورة، فلا نطيل بذكرها .

ومن أغرب ذلك سقوط الصيغة مع الحكم بالرفع بالقرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: احفظوا عني ولا تقولوا: قال ابن عباس - رضي الله عنه - : أيما عبد حج به أهله، ثم أعتق فعليه حجة أخرى .. الحديث. رواه ابن أبي شيبة من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان أن ظاهره الرفع وأخذه من نهي ابن عباس - رضي الله عنهما - لهم عن إضافة القول إليه .

فكأنه قال لهم: لا تضيفوه إلي وأضيفوه إلى الشارع.

لكن يعكر عليه أن البخاري رواه من طريق أبي السفر سعيد بن يحمد قال: سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم وأسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس قال ابن عباس ، فذكر الحديث.

وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أن يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أن يزيدوا فيه أو ينقصوا - والله أعلم -.

[ ص: 537 ] تنبيهان:

أحدهما: قد يقال: ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ونحوها إلى يرفعه وما ذكر معها .

قال الحافظ المنذري : يشبه أن يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدل على رفع الحديث.

قلت: وإنما ذكر الصحابي - رضي الله عنه - كالمثال وإلا فهو جار في حق من بعده ولا فرق، ويحتمل أن يكون من صنع ذلك صنعه طلبا للتخفيف وإيثارا للاختصار.

ويحتمل - أيضا - أن يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يجزم بلفظ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا بل كنى عنه تحرزا وسيأتي إن شاء الله تعالى في النوع الحادي والعشرين.

وما أجاب به المنذري انتزعه من قول أبي قلابة الجرمي لما روي عن أنس - رضي الله عنه - قال: "من السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا" .

[ ص: 538 ] (قال أبو قلابة : لو شئت لقلت: أنسا - رضي الله عنه - رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -).

(فإن معنى ذلك أنني لو قلت رفعه) لكنت صادقا، بناء على الرواية بالمعنى لكنه تحرز عن ذلك، لأن قوله: من السنة إنما يحكم له بالرفع بطريق نظري. كما تقدم. وقوله رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو محتمل إلى ما هو نص غير محتمل.

ثانيهما : ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي - رضي الله عنه – يرفعه ولم يذكر ما إذا قال الصحابي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعه وهو في حكم قوله (عن الله) عز وجل.

ومثاله: الحديث الذي رواه الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.

[ ص: 539 ] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعه: "إن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه" .

حديث حسن رواته من أهل الصدق. أخرجه البزار في مسنده وهو من الأحاديث الإلهية، وقد أفردها جمع بالجمع - والله الموفق - .

التالي السابق


الخدمات العلمية